ليلة القبض على مذيع يتغزل في عيون الانقلابيين
يحاول المذيع المخضرم عمر ألجزلي , جاهداً وعلى قدر ما آتاه الله من طاقة وقدرة وموهبة , تمرير أجندة خفية بطريقة ذكية , من خلال برنامجه الأسبوعي ألتوثيقي أسماء في حياتنا لا لشئ إلا لنيل الرضا , وطول فن البقاء , وهذا لعمري أسلوب رخيص ومكشوف ما كان ينبغي السير في دهاليز دروبه المظلمة والشائكة , خاصة من إعلامي بحجم ووزن ألجزلي , الذي قضى زهرة حياته , وأفني أجمل سنوات عمره وشبابه في حقل الإعلام , زهاء 30عاماً مابين الإذاعة والتلفزيون .
فالرجل لاينفك عن فرض رؤيته الآيدولوجية , وقناعته السياسية على ضيوفه على طريقة لي الذراع , وإن لم تكن معي فأنت ضدي , فهو مسكون بهاجس المنافحة عن رجال الانقلابات العسكرية , والاستبسال عن حياض الأنظمة الشمولية والدكتاتورية , يدافع عن هذه النظم بإستماته لانظير لها , ضاربا بذكاء المشاهد عرض الحائط , وتكرر هذا السيناريو المهزلة أكثر من مرة على الشاشة السودانية, ولهذا السبب كان لزاما وضع حداً لهذه الفوضى لتصحيح المسار , بعد أن طفح الكيل وانهد الحيل , وسدر الرجل في مفازته لايلوي على شئ .
في حلقة يوم السبت 25/12/2010 استضاف البرنامج رائدة المرأة السودانية الأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم , للحديث عن مسيرتها العملية , وتجربتها السياسية والاجتماعية والإنسانية , ومايهمنا في هذه المقالة هو سؤال الضيفة عن أيهما الأنفع والأجدر والأصلح لحكم السودان الأحزاب أم العسكر عبر الانقلابات ؟ أجابت فاطمة : الأحزاب طبعا , وهنا ينهض صاحبنا الذي لم تعجبه الإجابة ليمارس هوايته لحرف مسار قناعة الضيف , ويدلي برأيه : الأحزاب جلبت الفوضى , وعطلت المشاريع الخدمية والإنمائية , وضيعت البلد بكثرة المشاكسات والخلافات والسفسطة الفارغة , أما العسكر الانقلابيين أحيانا يسميهم التصحيحين لزوم التجميل ورفع العتب , فهولاء إذا أرادوا بناء كبري فحالا يقوم بدون تأخير , يعني أهل حسم وإنجاز وإنفاذ .
الضيفة فاطمة لاتوافق المذيع أطروحته وفكرته , وساقت مبرراتها بأن الأحزاب أرحم بكثير من العسكر حتى ولولم يفعلوا شيئا , تقول يكفي توفر مناخ الديمقراطية والحرية والكلام في الصحافة , وحفظ حق الاختلاف والتظاهر والتعددية , أما الانقلابات العسكرية والنظم الشمولية فشيمتها تكميم الأفواه وزج المعارضين في أقبية السجون , مرورا ببيوت الأشباح طبعا , لكن مذيعنا المخضرم لاتعجبه الإجابة إياها , وكالعادة يحاول فرض أجندته الخفية , لحاجة في نفس يعقوب طبعا , متجاوزا العرف الإعلامي السائد المقرر في أبديات العمل المهني بـأن مقدم البرنامج ينبغي ألا يبدي أويملي آراؤه الشخصية , وميوله الحزبية , وقناعته الذاتية , ويبدو أن مذيعنا المخضرم غابت عنه هذه الخصيصة , لكن مايعجب له المرء حقا مصادرة آراء الآخرين وتسفيه أفكارهم لأنها لم تتطابق مع هوي المذيع الذي من حقه أن ينضم لأي حزب يشاء , لكن يجب تمثل الحياد حين تكون محاورا على الشاشة تخاطب الملايين من المشاهدين وإلا فأنت خارج السياق , وسرعان مايكتشفك المشاهد الحصيف الذي لا تنطلي عليه مثل هذه الترهات والاستعراضات البهلوانية .
المفارقة أن البرنامج استضاف قبل فترة الشيخ أحمد عبدا لرحمن القيادي في الجبهة الإسلامية , وانصب الحوار عن الانقلابات العسكرية , بيد أن تغني المذيع بهذه الأمجاد , والكيل الوافي , أزعج حتى القيادي نفسه , عندما أدرك أن المذيع وطن نفسه على مبدأ الدفاع عن المشروع إلى درجة السذاجة المفضية إلى الكوميديا السوداء , حتى أنه أي المذيع أصبح ملكا أكثر من الملك في جلب المبررات , وإيراد البراهين للاستدلال على نعيم الانقلابات , وجحيم الأحزاب , كل ذلك يحدث والشيخ لايصدق عينه مما يقوله المذيع تدبيجا وتلميعا , اضطره معه الشيخ إيقاف مسلسل المهزلة إحترامأ لفطنة المشاهد التي فاتت على المذيع المخضرم الذي غرق في أوهام الطبطة لنيل الرضا , في حين أن نظام الإنقاذ نفسه الذي جاء بالانقلاب العسكري يحاول أن يمسح هذه الصفحة السوداء من تاريخه السياسي , والتبرؤ منها بدخوله دائرة العمل السياسي المدني من خلال الوجه الحزبي , حزب المؤتمر الوطني , في الوقت الذي يدافع فيه المذيع عن نظام الانقلابات العسكرية بشراسة , دون وعي وإدراك .
على رسلك علينا يامذيعنا الهمام , قليلا من احترام عقولنا , فقد مللنا إسقاطاتك وسقطاتك , وبتنا والله نشفق عليك من العزلة وألا تجد من يشاهد برنامجك وأنت تحاور نفسك , حوار الطر شان .
في الواقع تذكرني حكاية هذا المذيع أغنية دومنيك حوراني ( آخر همي بصلتي ما محروقة ) .