بقلم:عبد العزيز التوم ابراهيم
بأي المداخل يمكن التعاطي مع الأزمة السودانية الراهنة ! وربما قد يعتري المرء صعوبات بالغة في اختيار مدخل مناسب للتعامل مع الظاهرات السودانية ،وخاصة الظاهرة السياسية ،في ظل وجود سلطة كهنوتية تدعي بالامتلاك الحقيقة المطلقة بالشأن السياسي، وتحديد معايير الشر والخير، وهي التي تمنح للمواطنين السودانيين صكوك وشهادات الولاء الوطني والوطنية ، وقبل يومين كتبت مقالا عن بعض الملاحظات التي أبديتها من خلال الإفطار السنوي لحركة القوي الجديدة (حق)في عقر دارها في 17رمصان،وقلت أن نخب صناعة الفشل التي لا تجيد إلا صناعة الخطب غير المنتجة، قد ألقت خطبا في البرنامج المصاحب للإفطار، حيث خلت تماما من اكبر حدث فجعت صدور الشعب في هذا الشهر ،وهو مجزرة نيالا ،وقد لاقي هذا المقال استحسان كثير من القراء إلا أن ما برحت بعض الأقلام الانكباب علي اللائمات ونعتها بأنه مدعاة لشق صف المعارضة ،ومن هنا نتساءل هل الحديث عن المسكوت عنه في الدولة السودانية في حد ذاتها عنصرية ؟!!وهل يمكن أن يكتب لأي عملية تغييريه بالنجاح في حال قيامها علي طبطبة الجروح دونما حكها وتنظيفها؟!!ولماذا يتهم المركز عن كل من يتحدث عن ما هو أصلح لعجلة التغيير في السودان بالجوية وهل بذاك يعد إعلانا ورغبة من المركز لاستمرارية وديمومة سلطة المستعمر الثاني؟!!وحجر الزاوية منذ استفحال الأزمة حتى بانت كارثة بحق وبحقيقة، وأننا ومنذ بزوغ ما يسمي بفجر الاستقلال مجازا لم نقابل المشكلة التي نعانيها بحزم وبجدية، ولم نطرح هويتنا وتراثنا السوداني طرحا تاريخيا جدليا ،ولم نكشف وحدته وثراء تنوعه التاريخي والمعاصر ،لم ننقب في تراكماته الكمية وتغيراته الكيفية وبالتالي لم نتعرف عليه إلا بفعل مناهج سياسية،واعلامية،وثقافية صماء، ومشاريع استعلامية بصلف وجبروت القوة ،وبالتالي فشلت مشروع الدولة السودانية منذ التكوينية الجنينية الأولي لها ،ومن تم فشلت أيضا كل المحاولات الإصلاحية بل أدت إلي ميلاد دولة جلابة عنصرية اليغارشية من نخب الشمال النيلي العروبي، التي تدعم موقفها السلطوي بادعاءات النقاء العرقي الموهوم تارة وبالإسلام كدين تارة أخري ،وان فشل ما يسمي مجازا بثورتي أكتوبر 1964 والانتفاضة ابريل 1985 نتيجة لعدم وجود رافع وارادة حقيقة لإحداث انقلاب جذري علي الفضاء السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي ،بل أدت إلي تناسل وتكاثر وتماسك منظومة الاستعمار الثاني ،والتي أنتجت معها كما هائلا من الشرعنات لديمومة واستمرارية تمركز الخرطوم سواء كان عبر انقلاب عسكري أو أنظمة مدنية ديكتاتورية متسربلة بلبوس الديمقراطية ، إن كل ما تم في هذه الثورات المزعومة هو تبادل الأدوار داخل المنظومة الشمالية النيلية العروبية، او ما يحلو للاستاذ مكي بلايل القول (بالصهيونية النيلية العروبية ) وانه حقا لأدق وصف، لان هذه الثورات المزعومة لم تحقق طموحات وأحلام الشعوب السودانية المتمثلة في بناء نظام حكم ديمقراطي حقيقي، بل آدت لحكم الفرد أو الحزب الواحد عبر اشتغال آليات العنصرية والعصبية ،لقد افتقرت النخب النيلية للرؤية الثاقبة لبناء دولة المواطنة ،ولذا يجب منهم الاعتراف ببعض الحقائق المتجلية وعدم الخوض والتمادي في تسويق سلعة متعفنة في السوق السياسي السوداني ،وكما اعتادت المنظومة المركزية لذالك ،مثل القول” أننا امة وشعب واحد” هذه الادعاءات تعتبر قفز حقيقي علي التاريخ والواقع ،ليس ثمة ما يسمي بالأمة السودانية، أننا لتاريخ اللحظة لم نبلغ مرحلة الأمة بل ظللنا شعوب سودانية متناثرة نعيش التاريخ والوحدة تحت اكراهات السلطة ،فالسودان بلد لم تتح له الفرصة الحقيقية لانجاز تداخل ثقافي حقيقي عن طريق عمليات الحذف والإضافة ،والأخذ والعطاء،والتأثير والتأثر ،ليخرج بالسؤال الثقافي، وهو بناء امة سودانية ،وبهذا السودان حتى الآن لم يخرج من فخ الصراع من اجل الصراع التي تخرج إلي المجتمع للموازنات ذات صلة بلانا المتضخمة استمرار الصراع،فالعمل السياسي في السودان لا يخرج من محطة انا القبلي بل كل الرهانات والعلائق سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو حزبية ظلت مرتبطة بالأنا القبلي ،وغير نموذج الأحزاب التقليدية مثل حزب الأمة، الاتحادي الديمقراطي. ولذا الخروج من هذا المأزق التاريخي ينبغي منا نبش ومساءلة التاريخ السوداني ونقض كل ادعاءات وأوهام التي تأسست عليها السلطة المركزية، وتفكيك العقل السياسي الشمالي ،ولذالك لبناء امة سودانية ،عن طريق صياغة عقد اجتماعي وسياسي و ثقافي واقتصادي قائمة علي أسس العدالة والمساواة ودولة المواطنة.
[email protected]