بقلم: معتصم أحمد صالح
أثار فوز الملياردير دونالد ترمب بالرئاسة الأمريكية حالة من الهيجان و المخاوف داخل الولايات المتحدة و خارجها و أضحى العالم يحلل و يشرح الدوافع وراء فوز ترمب و التي تراوحت بين تنامي موجات الشعور القومي المناهض للأجانب ( عنصرية الرجل الأبيض كما يسميها البعض ) و فساد الإعلام الأمريكي و تحكمها على مجريات الأحداث في الولايات المتحدة و غيرها.
في هذا المقال سأسلط الضوء على الأسباب الجوهرية لفوز ترمب بالتركيز على اسباب سقوط السناتور و وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون.
لقد مل الشعب الأمريكي الوعود الجوفاء للسياسيين في الولايات المتحدة و المناكفات السياسية بين شيوخ و نواب الحزب الجمهوري و الديمقراطي ( أعضاء الكونغرس ) و التي تسببت في كثير من الأحيان الى تعطيل دواوين الدولة مثلما حدث في الأول من إكتوبر ٢٠١٣ و لمدة ١٥ يوم؛ حيث رفض مجلس النواب اجازة الموازنة العامة للعام ٢٠١٤ و رفض إعطاء سلطة مؤقتة للحكومة للصرف و تسيير أمور الدولة لحين اجازة الموازنة و قد أدى ذلك الى توقف بعض أجهزة الدولة و دواوينها و تم تسريح الموظفين و العمال ما عدا شريحة صغيرة مثل البنتاغون و الاجهزة الأمنية و بعض الاجهزة التي تستدعي طبيعتها عدم التوقف.
لعب ويكليكس أيضا دوراً بارزا في سقوط هيلاري ، فقد سرب ويكليكس معلومات هامة جدا من البريد الالكتروني لقادة الحزب الديمقراطي توضح بجلاء انحياز الحزب الديمقراطي و قياداته الى هيلاري كلينتون على حساب السناتور بارني ساندرز المنافس لها في الانتخابات التمهيدية للحزب و التي استقالت بسببها ديبي واسرمان شولتز من منصبها كرئيسة للحزب الديمقراطي، هذه الفضيحة دفعت أنصار السناتور ساندرز و غالبيتهم من الشباب ( البيض) بالعزوف عن التصويت و فقدان الحماس، و هي الشريحة التي يعتمد عليها عادة الحزب الديمقراطي لمعادلة to overcome إنحياز كبار السن و الطبقة الوسطى (متوسطة التعليم و الدخل) من البيض
White blue collars نحو الحزب الجمهوري.
التوقيت القاتل للمذكرة التي بعث بها جيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الفدرالية (FBI) الى الكونغرس و التي أشار فيها إلى وجود ايميلات من (أو) الى هيلاري كلينتون في كومبيوتر النائب السابق أنثوني وينر الزوج الأسبق لهوما عابدين التي تعتبر الصاعد الأيمن لهيلاري كلينتون و أخبرهم فيها ايضا بأن مكتبه سيقوم بالتدقيق و فحص فحوى هذه الإيميلات لمعرفة ما اذا كانت تحتوي على معلومات حكومية عالية السرية أم لا. عند ابتعاث هذه الرسالة كانت هيلاري تتقدم في كل إستطلاعات الرأي ب ١١ نقطة او أكثر و بعد ثلاثة ايام فقط من المذكرة تراجعت هيلاري في الإستطلاعات لتتساوى مع ترمب او تتقدم عليه بثلاثة نقاط فقط في بعض المؤشرات. و قد سحبت المذكرة الزخم (the momentum) من السيدة هيلاري ، و منحت الفرصة لدونالد ترمب للتركيز على اخطاء هيلاري و تعريتها و نعتها بأنها سياسية فاسدة لا يهمها سوى مصالحها و ركز على العشوائية التي أدارت بها بريدها الالكتروني و عدم المسئولية التي تعاملت فيها مع حادثة بنغازي و هي اسباب تجعلها غير جديرة بتبوء كرسي الرئاسة الأمريكية، و أعفت هذه المحن دونالد ترمب عناء الدفاع عن نفسه و تفنيد الاتهامات الموجهة له بأنه يحتقر النساء و يتحرش بهن جنسيا او يتعامل معهن عكس رغباتهن مستغلا نفوذه المالي و شهرته .
أدارت هيلاري حملتها الإنتخابية و كأنها فترة رئاسية ثالثة للرئيس اوباما ، و أعتقدت ان شعبية الرئيس أوباما العالية و النجاحات الإقتصادية التي حققها مثل تخفيض معدل البطالة من 9.5% عشية تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة الى 4.9% قبيل الانتخابات و منع إنهيار شركات السيارات و استعادة بورصة نيويورك ( Wall Street ) لعافيتها و تحقيقها لنقاط إضافية تعتبر الأعلى في تاريخها حيث تجاوزت البورصة لأول مرة حاجز ال ١٨ الف نقطة و الانتعاش الاقتصادي الذي تعيشه أمريكا ، ما جعلت هيلاري تعتقد ان هذه النجاحات ربما تساعدها في الفوز برئاسة أكبر دولة في عالم إقتصاديا و سياسيا و عسكريا ، لكن لسوء طالعها صدر تقرير من وزارة الصحة الأمريكية أواخر ايام الانتخابات أوضح بأن تكاليف التأمين الصحي المعروف بأوباما كير سترتفع بشكل مهول في بعض الولايات مثل فلوريدا و أيوا و اريزونا و غيرها، ما زادت من مخاوف الناخبين لمصير تأميناتهم الصحية رغم تطيمينات إدارة أوباما بأن هذا الارتفاع سيتأثر به أقل من 20% من المستفيدين لأن الحكومة ستدعم التأمين الصحي للطبقات الفقيرة و المستضعفة، إلا أن ذلك لم يُهدّْئ مخاوفهم و بالتالي هروبهم من معسكرها الى معسكر غريمها.
أعتبرت هيلاري كلينتون أن الولايات التي ظلت تصوت ديمقراطيا خلال الانتخابات الماضية و المعروفة إصطلاحا بالحائط الأزرق ( Blue Wall ) إعتبرتها دوائر مغلقة لها ( جبراكتها الخلفية) و لم تكلف نفسها بزيارتها خاصة تلك التي صوتت في مرات سابقة للجمهوريين مثل ويسكونسن التي لم تزرها مطلقا بعد المؤتمر العام للحزب و الذي إختارها مرشحة رئاسية للحزب الديمقراطي و كذلك ولايات مثل بنسلفانيا و متشجن التي لم تزرها الا في اخر اسبوع ، هذا الأمر خلق شعور وسط الناخبين الديمقراط بأنها غير مبالية بهم و بمشاكلهم و اضف الى ذلك الغبن الذي ظل ملازما لأنصار ساندرز بالتحامل على مرشحهم.
يلاحظ أن عدد الناخبين الذين يصوتون للحزب الجمهوري خلال الربع قرن الماضي لم يتجاوز ال 60 مليون شخص أبداً، بينما يتجاوز الديمقراط هذا العدد في كل مرة يفوزون فيها بالبيت الأبيض ، فالرئيس اوباما مثلاحصل على ما يقارب ال ٧٠ مليون صوت في دورته الاولى و على ٦٤ مليون صوت في الدورة الثانية. بينما حصل دونالد ترمب على ٥٩ مليون و نيف صوت رغم أن هيلاري كلينتون حصلت على بضعة آلاف أكثر منه.
هذه النتيجة تؤكد عزوف الديمقراط خاصة الشباب و الأفارقة عن التصويت لعدم وجود محفز حقيقي للتصويت و لفضائح حزبهم تجاه السناتور ساندرز و انحيازه لهيلاري، وتسريبات يكليكس و مذكرة ال FBI و ركون هيلاري على ان الولايات الزرقاء مضمونة في يدها و لذلك خسرت هذه الولايات التي كانت ستضمن لها الفوز و كانت المحصلة النهائية الخسران المبين و السقوط المريع لهيلاري كلينتون.
و شكّل سقوطها في الإنتخابات صدمة كبيرة ليست لها و لحزبها فحسب و لكن لكل العالم، فقد أدخلت تصريحات دونالد ترمب المناوئة للأجانب و المسلمين و التي لاقت استحسانا عند بعض المواطنين المغبونين من سياسات الديمقراط و القوميين البيض، و مواقفه من حلف الناتو و دول الخليج و اليابان و الصين، أدخلت الرعب في العالمين و جعل الكل يفكر في مآلات الأمور بعين الريبة و التوجس.
خلاصة القول أن عدم حماس الديمقراط
لا سيما الشباب البيض و الأمريكان ذوو الأصول الأفريقية للتصويت لأسباب كثيرة ذكرناها في هذا المقال ، في مقابل نجاح دونالد ترمب في مخاطبة هواجس و مخاوف بعض شرائح المجتمع الأمريكي خاصة الجمهوريين و التي حفزتهم للالتزام بالتصويت له من الأسباب الجوهرية في سقوط السيدة هيلاري رودام كلينتون و فوز دونالد ترمب .