ثروت قاسم
1- نميري في مملكة البحرين ؟
الايام البئيسات التي يمر بها الوطن حالياً تذكرنا بايام شبيهات في اواخر ايام نظام نميري في النصف الاول من ثمانينات القرن العشرين المنصرم .
وقتها كانت صفوف البنزين تمتد لعشرات الامتار امام كل محطة بنزين ، حالياً تمتد لمئات الامتار امام كل محطة بنزين . وقتها قارب الدولار ان يصل لحاجز 10 جنيهات ، حالياً تجاوز الدولار حاجز ال 30 الف جنيه ، في دقة للدلجة حرة ما انزل الله بها من سلطان . وقتها كان الرئيس نميري مرفوع الراس ( وبه ومعه السودان ) يقول للاعور من الزعماء العرب اعور في عينه ، حالياً الرئيس البشير مجهض الجناح ( وبه ومعه السودان ) وطريد العدالة الدولية ، واسمه وصورته في مخافر شرطة الحدود في مطارات ومواني ونقاط الحدود الدولية .
صورة الرئيس البشير وهو يهرب من مطار حربي في جنوب افريقيا ، والعرق يتصبب من جبينه ، تذكرنا بقصة محكية للرئيس نميري مع ملك البحرين .
في زيارة رسمية له للهند ، هبطت طائرة الرئيس نميري في مطار المنامة في البحرين للتزود بالوقود . لم يحضر امير البحرين وقتها لمقابلة الرئيس نميري في المطار ، حسب البروتوكول الدبلوماسي .
غضب الرئيس نميري غضبة مضرية ، وذهب للفندق للإستجمام قبل معاودة الرحلة .
رفض الرئيس نميري أن ينزل من غرفته في الفندق ، عندما حضر امير البحرين لتحيته .
قال للملأ من حوله :
قولوا للزول ده ، نميري عنده جزيرة في الخرطوم اسمها توتي أكبر من امارة البحرين ، ونميري ما عايز يقابلك . قولوا ليهو ، علي الخريطة الجغرافية ، اسم بلدك البحرين مكتوب علي مياه الخليج لضيق الرقعة الارضية البحرينية عن استيعابه .
فتأمل !
حتي سفاحو ومجرمو هذه الامة العظيمة ، علي ندرتهم ، لا ينبرشون !
هذه أمة الأمجاد . امة محمود ود أحمد ، كتال قوم هكس . أمة كسار قلم مكميك .
وأعظم بها من أمة .
ولكن جاء الرئيس البشير ليمرغ انف الامة السودانية في الوحل والطين ، ويصير اول رئيس دولة تطارده العدالة الدولية في التاريخ الانساني .
2- نميري والبشير ؟
عندما تستفحل الازمة البترولية والمالية وتشتد حلقاتها ، كان الدكتور بهاء الدين محمد ادريس يستنجد بزميله رئيس مكتب الرئيس الامريكي ، ليطلب من السعودية ان تدعم السودان بالبترول ، فتستجيب السعودية ، ويوافق الملك فوراً على الطلب الامريكي ، وترسل السعودية عدة شحنات بترولية ، يذهب اكثر من نصفها للسماسرة والوسطاء في السعودية والسودان .
لم يكن نميري يطلب الدعم مباشرة من السعودية ، بل عبر الوسيط الامريكي . وهذا ما فعله قوش ، كما سوف نفصل لاحقاً في هذه المقالة .
في هذا السياق ، نذكر ان الرئيس سلفاكير اتصل بالقس فرانكلين جراهام ليطلب من الرئيس اوباما الاتصال بالملك عبدالله ملك السعودية ، ليقنع الرئيس البشير بتمرير قانون استفتاء جنوب السودان من المجلس الوطني لتشرف عليه الحركة الشعبية حصرياً ، ويكون مُلزماً للإنفاذ بواسطة نظام البشير .
وقد كان .
ودخل الرئيس البشير التاريخ كأول رئيس سوداني يقضي احتفال الاستقلال خارج السودان .
بدعوة من الملك عبدالله ، زار الرئيس البشير الرياض في الفترة من الاربعاء 30 ديسمبر 2009 الي يوم الجمعة اول يناير 2010 .
كان يوم الجمعة اول يناير 2010 المرة الاولى في تاريخ السودان التي لم يشارك راس الدولة في احتفالات عيد الاستقلال .
تم استقبال الرئيس البشير في الرياض استقبال 6 نجوم بمشاركة جميع الامراء الكبار .
اقنع الملك عبدالله شقيقه الرئيس البشير بان يترك للحركة الشعبية الاشراف على عملية الاستفتاء ، ولا يتدخل في مراقبتها . وافق الرئيس البشير على طلب الملك عبدالله تنصيب المجرم شرطياً ، ورجع إلى الخرطوم محملاً بشنط الشرهات الملكية ، مقابل موافقته الكريمة .
استعمل الرئيس البشير بعض هذه الشرهات في بناء مجمع كافوري ، وتم تحويل الباقي لحسابه الشخصي في بنك بي إن بي باريبا الفرنسي .
وفي يوم الاحد 9 يناير 2011 ، التزم الرئيس البشير بوعده للملك عبدالله ، وتمكنت الحركة الشعبية من خج عملية الاستفتاء في الجنوب ، لتكون النتيجة حوالي 99% للإنفصال ، في مبالغة غير ذكية لعملية الخج .
سوف يسجل التاريخ للرئيس البشير إنه قسم السودان إلى قسمين في مقابل شرهة لا تغني ولا تسمن من جوع ، بل تخرج مع فضلات الطعام .
إذا لم تكن هذه فضيحة بجلاجل ، فما هي الفضيحة يا حبيب ؟
اواخر سورة ابراهيم تصف حال الرئيس البشير ، وكأنها قيلت فيه :
وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ . سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ . لِيَجْزِي اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ .
3- قوش في الامارات ؟
في يوم الاثنين 12 مارس 2018 ، بدأ قوش زيارة سرية لابوظبي ، في محاولة لمقابلة الشيخ محمد بن زايد ، ليتكرم بتقديم دعم مالي عاجل للخزينة السودانية ، التي سكنها العنكبوت .
لم يستطع قوش مقابلة الشيخ محمد بن زايد ، ولكنه قابل الشيخ منصور بن زايد ، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة . قدم الشيخ منصور لقوش عدة شروط تعجيزية للموافقة على دعم السودان ، نختزل ادناه اربعة منها :
+ عدم سحب السودان لجنوده من محرقة اليمن .
+ مقاطعة دولة قطر ، وقطع الصلات الدبلوماسية معها .
+ وقف التعامل تحت التربيزة مع ايران .
+ قبول الرئيس البشير عدم الترشح في انتخابات 2020 ، حسب الطلب الامريكي .
وكان الطلب الامريكي الرابع بمثابة وقف الحوار وعودة قوش للخرطوم اباطه والنجم .
4- قوش وجينا هاسبل ؟
اتصل قوش من الخرطوم بصديقته القديمة الروح بالروح جينا هاسبل ، مرشحة ترامب لرئاسة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي إيه”، لتتوسط لدى رؤساء المخابرات والامن الوطني في السعودية والامارات لكي يقدموا دعماً عاجلاً للسودان ، وإلا فالنظام في خطر . ذكر قوش صديقته جينا بانه ومعه الرئيس البشير يعملان على إنفاذ الاجندة الامريكية ، لانها هي نفس الاجندة السودانية ، وركز على اربعة محاور ، كما يلي :
+ قطع السودان علاقاته مع ايران ، ووقف التعاون مع حماس ، وقطع اي علاقة مع حزب الله .
+ قطع اي علاقات ، حتى تحت التربيزة ، مع كوريا الشمالية .
+ الاستمرار في مكافحة الارهاب ، ووقف الهجرة غير القانونية عبر السودان للدول الغربية .
+ احترام حقوق الانسان الدينية في السودان ، والاستمرار في محاولة حلحلة مشكلة دولة جنوب السودان .
بعدها اتصلت جينا برؤساء الاجهزة الامنية والاستخباراتية في السعودية والامارات ، الذين لهم قنوات مباشرة مع الامير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد .
نذكر في هذا السياق ، ان جينا هاسبل في عيص بيص حالياً ، وربما رفض الكونغرس تثبيت تعيينها ، لاتهامها بممارسة التعذيب كما صديقها قوش .
المهم كانت نتيجة اتصالات جينا مع السعودية والامارات تباشير انفراجة ، كانت بمثابة القشة التي تشبث بها الشعب السوداني ، وعطلت انفجار انتفاضة مايو 2018 التي غطى غيمها سموات السودان .
5- نتائج وساطة جينا هاسبل ؟
نختزل ادناه نتائج وساطة جينا هاسبل لدى السعودية والامارات :
بدعوة من وزير النفط السعودي ، زار السعودية وفد مكون من وزير النفط السوداني ، عبد الرحمن عثمان، ووزير الدولة بالمالية عبد الرحمن ضرار، ومحافظ البنك المركزي حازم عبد القادر .
في يوم الخميس 10 مايو 2018 ، اعلن وزير النفط عبدالرحمن عثمان عن ابرام مسودة اتفاقية مع السعودية ، لإمداد السودان بالنفط لمدة الخمس سنوات القادمة ، بواقع مليون و800 الف طن سنوياً .
برافو جينا هاسبل ؟
في يوم الخميس 10 مايو 2018 ، انهى السيد محمد مشرف مساعد ، وزير الخارجية الاماراتي للشؤون الاقتصادية زيارة للسودان استمرت لثلاثة ايام ، اجرى خلالها محادثات مكثفة مع الوزراء والمتنفذين المعنيين في السودان . اكد السيد محمد مشرف مساعد رفع التبادل التجاري بين الامارات والسودان الى 4 مليارات دولار . كما أكد السفير الاماراتي في الخرطوم حمد محمد الجنيبي ان الفترة القادمة سوف تشهد المزيد من مذكرات التفاهم والاتفاقيات الثنائية ، سوف تصل بالاستثمارات الاماراتية في السودان إلى 7 مليار دولار .
والفضل من بعد الله لجينا هاسبل .
وطبعاً قوش ، الذي احتل موقع الفريق طه عثمان الحسين ، فصار عين الفرعون التي يرى بها ، واضانه التي يسمع بها ، ويده التي يبطش بها … حتى اعفاء آخر ، ترونه بعيداً ونراه قريباً .
بعد وساطة جينا ، صار المواطن السوداني ينظر في السماء فيرى بعض الآمال ، التي ربما تحققت ، وربما لم تتحقق ، وهي رهينة بالمواقف السياسية الدولية .
الانتفاضة قادمة قادمة اذا استمرت الضائقة المعيشية الحالية ، وامتدت صفوف البنزين وتطاولت ، رغم حالة الانكار التي تعتري الرئيس البشير و( نعم ) جيته من الوزراء والسياديين .
انتظروا إنتفاضة البغتة ، إنا معكم منتظرون .