المشهد في الخرطوم كان مشهداً كوميدياً بامتياز “النصف الحاكم” يعتقل قادة ورموز النصف الحاكم الآخر.
الشرطة السودانية تقوم بضرب وزير العدل بالدولة وكذلك نائب والي الخرطوم -حسب رواية المعارضة- رغم انه من المفروض ان تأخذ منه الأوامر لا أن تضربه … باقان اموم الأمين العام للحزب الشريك في الحكومة يتحدث لفضائية الجزيرة من “المعتقل” التابع للحكومة التي يفترض ان حزبه يتحمل المسؤولية أو نصف المسؤولية عنه.
في كل برلمانات الدنيا لا يجوز اعتقال النائب الذي يتمتع بالحصانة البرلمانية في فترات انعقاد البرلمان والاستثناء الوحيد ان يجري القبض عليه متلبساً في جريمة جنائية وحتي في هذه الحالة يجب علي السلطة التنفيذية ان تخاطب رئيس السلطة التشريعية فورا ودون إبطاء بأمر القبض وتطلب جلسة استثنائية للتصويت علي رفع الحصانة عنه تمهيداً لمحاكمته أمام القضاء أما في السودان فإن الشرطة تعتقل النواب بالجملة بمن فيهم نائب رئيس البرلمان .
المدهش أيضا أن رئيس كتلة الحزب الشريك في الحكم ياسر عرمان المتمتع بالحصانة البرلمانية والذي يملك نصف السلطة يجري جلده كما جاء في خبر علي وكالات الأنباء من قبل ضابط شرطة في السجن قبل تحويله للمستشفي للعلاج .
الشريك انفرد بشريكه في الخرطوم فأشبع قياداته اعتقالاً وتنكيلاً فما كان من الشريك المنكل به إلي أن رد في ولاية بحر الغزال بحرق مقر شريكه في الحكم وهو رد يؤشر إلي ما يمكن أن تصل إليه الأمور بالفعل ؟؟
المشهد في الخرطوم ينبئ بالكثير قبل أشهر قليلة من الانتخابات التشريعية والرئاسية التي ستحدد وجه السودان وربما مصيره في السنوات القادمة ومشهد يدفع المراقبين للتساؤل حول مصير السودان “الوطن الواحد” الذي يبدو أن تشظيه وانقسامه أصبح مسألة وقت يدفع إلي هذا المصير الحائط المسدود الذي وصل إليه شريكا الحكم في السودان وتكاد تصل إليه الحكومة والمعارضة بمختلف تلاوينها بعد أن فشل الجميع في إدارة خلافاتهم السياسية.
بقلم : أنور صالح الخطيب ..
[email protected]
تصاريف .. حصار البرلمان وسقوط الأقنعة
احرق المؤتمر الوطني كل اوراقه، وخلع عنه كل ثوب ومحا عن وجهه كل المساحيق التي كان يتزين بها امام العالم حين سقط في اول اختبار بمنعه وقمعه للمسيرة السلمية التي دعت لها المعارضة السودانية.
واغلق بذلك كل باب امام التحول الديمقراطي. وظهر للداخل وللخارج علي حقيقته التي طالما حاول جاهدا اخفائها حين كشف عن نهجه الفرداني واهدر جهود بعض عقلائه المبذولة طيلة العقدين من سلطته المتحورة .
لم يك احد يظن ان الرعب الشامل قد اخذ بتلابيب ذلك الحزب للدرجة التي يحشد فيها كل هذه القوات والقوي الامنية والعسكرية لمواجهة عدد من المواطنين رغبوا ان يقولوا للبرلمان ، نحن مع اتفاقية نيفاشا ومع السلام ومع الدستور الانتقالي ونحترم كلمته ، فقط نريده ان يستعجل لنا اصدار القوانين الموضوعة علي منضدته والتي تساهم في اسراع عجلة التحول الديمقراطي ،وتؤكد في ذات الوقت مصداقيته في الاجماع الوطني والسعي لتجنيب الوطن مما هومقبل عليه من مسارات لا يعرف احد نهاية لها سوي اندثار اسم الوطن السودان وزوال دولته.
ولكن ما رأيته كشاهد عيان البارحة امام البرلمان من ارتال الجنود والسيارات والاسلحة البيضاء والحمراء والنارية لا يمكن ان يظن عاقل انها لمواجهة مواطنين عزل . ولو توفر نصف هذه الجيوش الجرارة المدججة لصد حركة العدل والمساواة لما قطعت نصف كيلومتر داخل الحدود دع عنك وصولها لداخل العاصمة .
ما اقدم عليه المؤتمر الوطني مزع كل لحمة تلصقه بشريكته الحركة الشعبية ،حين اقدم دون اية مواربة علي اعتقال قياداتها والقيادات الحزبية الاخري المشاركة في المسيرة السلمية من امام البرلمان بعد ان احكم حصاره ملغيا بذلك كل التزاماته امام السودانيين وشركاء اتفاقية السلام وغيرها من الاتفاقات التي ابرمها مع الجماعات الاخري في هوة لا قرار لها، وارسل للعالم رسالة شديدة الوضوح تقول ” انا المؤتمر الوطني هكذا جئت للسلطة وهكذا بنيت نظامي وهكذا احافظ علي بقائه وهذه هي القواعد التي اسير عليها فأنظروا ما انتم فاعلون .
لم يك بالطبع هنالك حاجة لتكرار القول بانه قد جير كل مفاصل الدولة لصالحه .وظل ينكره علي الدوام . ولكنه بالامس فقط بعد قمعه المسيرة اكد كل ذلك ولن يستطيع بعدها ان يقنع نفسه بغيره.
واثبت بما لا يدع مجالا للشك ان الدولة لم تعد دولة الكل. وان الحكومة القائمة لم تعد حكومة الشريكين او حكومة الوحدة الوطنية . لم يعد هنالك الكثير الذي تبقي لتوضيحه للرأي العام حول جدية هذا الحزب في التعامل مع قضايا الوطن بروح الوطنية اومجرد الميل نحو الديمقراطية بعد ان اغلق كل ابواب امام العقلاء.
بقلم : إبراهيم بخيت ..
الراية القطرية