محجوب حسين
SEPTEMBER 21, 2014
قبل قطع السودان الى قطعتين، فأصبح كيانين قسرا، من طرف نخبة الحكم الإسلاموي، بدوافع تنتمي الى حقل الخاص جدا، الذي يقع في جانب منه ضمن نسق فكر الكراهية والنزعات والطموحات الذاتية لإسلامويي الخرطوم، التي تحركها مكنونات ثقافية، مجتمعية، تاريخية وأيديولوجية أكثر من غيرها، ومن جانب ثان هي وثيقة الصلة وفي ارتباط عضوي باستراتيجية منظومة «التمركز» السودانية، الرامية الى إيجاد صيغة «بديلة» أكثر سهولة، لديمومة استمرار
التحكم والهيمنة على مستقبل ومصير ما تبقى من شعوب سودانية، وبالطبع استعمار جغرافيتهم أو تفكيكيها وإلغاء تاريخهم وحضارتهم التي ينتمون إليها، لصالح منهاج الإخضاع قوة او سلما، إكراها أو طواعية.
في تلك الفترة الزمنية وما بينهما التي تُصنف على أنها أعلى مراتب التاريخ الإجرامي للحكم السوداني، تم تكليف ما عُرف بلجنة «حكماء أفريقيا» برئاسة الرئيس السابق لجنوب أفريقيا ثابو مبيكي من طرف الاتحاد الأفريقي، وتحت رعاية الأخير لمعالجة قضايا الحرب والسلام في السودان، ومنها أزمة دارفور السودانية ذات الترمومتر العالي عالميا حينها، لتمتد مهام اللجنة في ما بعد الى ما عُرف بقضايا المناطق الثلاث، ولتتوسع فتشمل إشكاليات الدولتين السودانيتين والصراعات الداخلية المتعلقة بهما، أو في كل منهما، وهي في مجموعها ذات مرجعية واحدة هي، مرجعية صناعة دولة «الخرطوم» في ماضيها وراهنها، وفي الوقت ذاته، آنيا ما زالت تعمل بالماكينة نفسها للقادم من أيامها الباقيات.
هذه اللجنة الأفريقية تطورت في مهامها واختصاصاتها، بل الإطار القانوني لشرعيتها الدولية، سواء من خلال مجلس الأمن الدولي، المعني وفق القانون الدولي، بحفظ السلم والأمن الدوليين، أو شرعيتها الإقليمية، باعتبــارها انبثقت من مجلس الأمن والسلم الأفـــريقي، الذي يعمل وفق تنسيق مباشر وعالي المستوى مع مجلس الأمن، بل منفذا لقراراته.
وهذا يبدو واضحا من خلال التقارير والخطط والقرارات التي يرفعها الرئيس ثابو مبيكي الى مجلس الأمن الدولي، الذي يتخذ قراراته وتوجيهاته استنادا الى تلك التقـــارير المقــدمة له في ما يتعلق بمسار الأزمة السودانية. بهذا أصبح السيد مبيكي هو الذي يمتلك مفاتيح الحل الدولي للسودان قبل التقسيم وبعده.
يذكر في هذا السياق ان آخر زيارة دولة رسمية ـ أو قل إحدى الأخريات- قام بها الرئيس ثابو مبيكي الى الخرطوم، قبيل ايام من تقديم استقالته، بسبب قضايا داخلية في الحزب الوطني الأفريقي الحاكم، والتقى خلالها الرئيس السوداني، وبعده جاء البيان البروتوكولي الكلاســـيكي في الأدبيات الدبلوماسية في أن الرئيسين بحثا العلاقات الثنانية بين البلدين، وأكدا على تطوير العلاقات في ما بينهما في كافة المجالات، إلا أن اللافت فيه كان دعم الرئيس ثابو مبيكي، أو قل دولة جنوب افريقيا لقرار الاتحاد الأفريقي القاضي برفض قرارالمحكمة الجنائية ضد الرئيس السوداني.
معلوم أن هذا القرار لم تنتزعه الدبلوماسية السودانية رغم لهاثها في عدد من العواصم العربية والجامعة العربية التي فيها فشلت كما فشلت في العواصم الافريقية لولا تدخل معمر القذافي الذي انتزعه من القادة الأفارقة باعتباره كان يهيمن على مركز القرار في الاتحاد الأفريقي من زوايا متعددة لصالح الرئيس البشير، الذي لم يف له بشيء، بل كافأه بدعم مليشات الإسلامويين الليبين للإطاحة بنظامه، عبر بوابة مدينة «الكفرة» الصحراوية الذي أعلنه في إشهار سياسي جماهيري كبير.
أذكر في هذا الاتجاه إننا التقينا لجنة «حكماء افريقيا» برئاسة الرئيس ثابو مبيكي في صيف عام 2009 لمرتين، في جلسة استماع، كما التقت اللجنة آخرين كثرا، في خطة عمل، على ما يبدو، في ذاك الزمن سعي اللجنة للإحاطة بالازمة في دارفور، التي تعتبر عنوانا للأزمة السودانية في عموميتها، فضلا عن أن لجنة الحكماء واصلت لقاءاتها مع العديد من القوى في المناطق الملتهبة في السودان ومركز قرار الحكم.
الرئيس مبيكي الذي يتوسط لجنته، يستمع كثيرا ولديه دفتر كبير ومن نوع خاص، يشبه دفتر «الجرورة» عندنا في السودان، يكتب كل شيء وبدقة متناهية، وحده من دون أن يعهد ذلك لأحد من سكرتاريته أو مساعديه، الذين قال لي احدهم وهو اثيوبي، مختص في تحليل المعلومات وصياغة الاتفاقات، وعمل مع العديد من المنظمات الدولية والإقليمية مثل، الأمم المتحدة ومنظمة» الإيقاد» أثناء اتفاق سلام «نيفاشا»، بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والحكومة السودانية عام 2005، قال، ان هذا الرجل- ثابو مبيكي- سوف يحل قضية دارفور والقضية السودانية.
المؤكد أن الرئيس مبيكي فحص اليوم كل المعلومات وحللها ونقحها وقام بتشريحها وصنفها وعمل على تصميمها وتبوبيها، وعرف كذلك مرجعياتها، وبالتالي قد لا يحتاج للكتابة إلا في ما هو مستجد الآن، ومن خلال رحلته هذه قد عرف مكمن الخطأ السوداني وإشكاله البنيوي الذي يدور في فلكه الجميع، خصوصا وفي ذهنه المقاربة السياسية التي قام بها الزعيم مانديلا في بلاده ومدى صلاحيتها في السودان، في ظل دعم بعض الأطراف السياسية لها مثل زعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي.
إن السؤال والمساءلة الآن تقودان الى القول، هل بمقدوره صناعة الإنجاز وحل الأزمة، من دون ان ننفي كم المخاوف التي يعيشها الشعب السوداني خلال هذه الأيام، وبالأخص قوى المناطق التي تعيش أحداثا استثنائية، وخاصة، من أن يتم تمييع قضاياها، إنها مخاوف شــرعية عندما يتعلق الأمر بالمظلة الأفريقية محل التجريب وفشل التنفيذ، بل التورط في قضايا فساد، كما حصل في قوات اليوناميد عديمة الفاعلية في دارفور، والمحكمة الجنائية محل الدعم الأفريقي للرئيس السوداني وموضوع التساؤل في المعايير الدولية لأجل وقوع التنفيذ.
مهمة أمبيكي في السودان ترتبط عموديا وأفقيا في ظل مؤشرات التفاوض الواسعة في أديس أبابا، بين الأطراف المتصارعة في السودان، تقوم على مرحلتين، أولها التفاوض مع القوى المسلحة والحكومة السودانية، وفيها لا يمكن تقديم وقف العدائيات أو وقف إطلاق النار بصورة مجانية، من دون الحصول على استحقاقات بالضرورة دستورية أو محاصصة للشأن العام السوداني.
وثانيها الحوار الوطني بين كل شركاء الشأن السوداني للتأسيس للدولة السودانية، من دون خلط أو تعويم للقضايا، كل هذا يرتبط بمصير البشير في المعادلة السياسية، وهنا يجب وبالضرورة أن يسائل الرئيس مبيكي الرئيس السوداني ويقول له، نحن ماضون في التسوية فهل انت ما زلت المُرشح والفائز والرئيس المنتخب؟ حتى نتوقف ونذهب الى أعمالنا ويذهب السودانيون الى أعمالهم بل حربهم، إن السبب الرئيس في الأزمة، الذي يعرقل كل حلول التسوية، هو مضي البشير في ترشيح نفسه وفوزه، بل تجديد ديكتاتوريته مرة أخرى أو لدورة «ديمقراطية» جديدة، عبر حزب وهمي، وهو المؤتمر الوطني، اما شروط الحزب الحاكم الذي تبناه «ولد» نافع الذي حاز موقعه ولسانه أعني «غندور» في أن الحوار الوطني مكانه بالداخل وفي الخرطوم، نقول إن الخرطوم عاصمة غير صالحة، ولو كانت كذلك، لما اختلف السودانيون وتصارعوا حولها، وما دام الحديث عن الموقع، وهو ليس محط إشكالية كإشكالية السودان، حيث كل مشاكله تم حلها خارجه، نطرح ان يتم موقع الحوار داخل الأراضي المحررة الواقعة تحت سيطرة الجبهة الثورية السودانية، في مركزية «كاودا»، عوض مركزية الخرطوم، والجبهة تمنح الضمانات ولا تتحول الى «داعش» سودانية.
٭ كاتب سوداني مقيم في لندن
محجوب حسين