ثروت قاسم
1- قطع الأيدي والأرجل من خلاف في الأسواق أمام الناس ؟
ليلة السبت 11 اغسطس 2018 ، خاطب الرئيس البشير الجلسة الختامية لمجلس شورى المؤتمر الوطني ، شاكراً ترشيحه لولاية رئاسية ثامنة .
قال :
نحن ما عندنا حرج في تطبيق الحدود بالشريعة الإسلامية، وقطع الأيدي والأرجل من خلاف في الأسواق أمام الناس . نحن حركة إسلامية كاملة الدسم وما بندفن دقنا .
بهذه الكلمات ، ونحن في نهايات العقد الثاني من القرن ال 21 ، اكثر من 70 سنة على اعتماد المجتمع الدولي الاعلان العالمي لحقوق الإنسان في باريس في يوم الجمعة 10 ديسمبر 1948 . الاعلان الذي كرم الانسان ، خليفة الله في الارض وسفيره وممثله لتعميرها ، والذي كرمه سبحانه وتعالى ، وفضله على بقية خلقه :
ولقد كرمنا بني آدم … وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا .
بعد كل هذه القرون الطوال في تكريم بني آدم ، إختزل الرئيس البشير الشريعة الاسلامية في ( قطع الأيدي والأرجل من خلاف في الأسواق أمام الناس).
يا لها من ردة بجلاجل ؟
2- ما هي الشريعة الاسلامية ؟
قال ابن القيم :
عاش الناس على مرادهم فهلكوا ، ولو أنهم عاشوا على مراد الله وشرعه لنجوا ونجحوا .
فما هو شرع الله ، وما هي الشريعة ؟
نختزل في النقاط ادناه ، بعض البعض مما جاءت به الشريعة من احكام واوامر وموجهات ، آيات لقوم يتفكرون :
اولاً :
جاءت الشريعة بل رسالات الرسل كلهم جميعهم :
… ليقوم الناس بالقسط …
اي لمنع ظلم الانسان لاخيه الانسان .
الشريعة في كلمة … عدم الظلم ، لأن الظلم ، او بالاصح الشعور والاحساس به ، هو سبب كل الحروب ، والنزاعات والمشاكل بين بني آدم .
الشريعة ليست الحدود والعقوبات . الشريعة ليست تقطيع ايادي وارجل الجوعى من خلاف في الاسواق والاماكن العامة ، ليشهد الناس عذاب الجوعى المقطوعين والمقطعين ، في مجتمع الرمادة .
نسي الرئيس البشير ان الخليفة الراشد عمر بن الخطاب قد جمد تطبيق الحدود والعقوبات في عام الرمادة ، عام 17 هجري الموافق 638 ميلادي ، وان السودان يمر منذ يوم الجمعة 30 يونيو 1989 وحتى يوم الدين هذا باعوام الرمادة . وآخرها عام 2018 ، حيث بكي اطفال مدارس الاساس في العاصمة الخرطوم من الجوع .
ثانياً :
جاءت الشريعة لتكون حياة الناس أكثر عدلاً وإحساناً ورفقاً ورحمة وبالتالي سعادة . وكل من حاد عن الشريعة بهذا المفهوم الواسع ، غير المرتبط بالحدود والعقوبات في ديار الرمادة ، تعب فى الدارين الدنيا والآخرة ، وأتعب من حوله ، وشقى وأشقى من حوله.
ثالثاً :
جاءت الشريعة لتأمرنا بالاستقامة ، اي الاخلاق السمحة وبالتالي عدم ظلم الآخر :
إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
رابعاً :
جاءت الشريعة لكي لا نظلم الآخر بالصراخ في وجهه ، بل ان نحترمه بضبط اصواتنا حين نتكلم مع بعضنا البعض ، وان لا ننادي بعضنا البعض من وراء الحجرات ، وأن نوقف الكواريك في ونساتنا العادية ، ونوقف الضجيج الفظيع والتلوث السمعي ، ويصير مجتمعنا إلى سكينة وهدؤ :
… وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ …
هذه هي الشريعة وليست تطبيق الحدود والعقوبات في مجتمعات الرمادة .
خامساً :
جاءت الشريعة لتمنع ظلمنا للآخر ، فتضبط سمعنا ، فلا نتجسس على الآخر ، ولا نتلصص عليه :
… وَلَا تَجَسَّسُوا …
سادساً :
جاءت الشريعة لتمنعنا من ظلم الآخر ، بضبط مجالسنا ، ووقف الغيبة والنميمة في الاخر ، وعدم اكل لحم الآخر ميتاً فكرهتموه :
… وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً …
سابعاً :
جاءت الشريعة لكي تحثنا على عدم ظلم الآخر ، بأن لا نحرمه من حقه من الزكاة .
قال الكرار :
ما جاع جائع إلا لأن غنياً حرمه من حقه من الزكاة .
ثامناً :
جاءت الشريعة لتضبط طعامنا وشرابنا بالوسطية ، فلا نظلم انفسنا بالاسراف في الاكل فنموت من السمنة . ولا نظلم الجوعى بمنع فائض طعامنا عنهم ، فندخله في بطوننا وتكون التخمة والمرض والموت .
ثبت ان الموتى من الاسراف في الاكل والسمنة اكثر من الموتى من الجوع . ولو توقف الناس عن الاسراف في الاكل ، ووزعوا فائض اكلهم على المحتاجين ، لاختفت المجاعات . طعام الأرض يكفى الجميع ، ولكن سرف البعض وجشعهم هو الذى خلق المجاعات ، واضاع الجوعى .
نعم … جاءت الشريعة لتقول :
وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا …
وليست الشريعة تقطيع ايادي وارجل الجوعى من خلاف في مجتمع الرمادة .
تاسعاً :
ثم ان الشريعة ليست ان نولي وجوهنا قبل المشرق والمغرب فقط ، ولكن الشريعة ان لا نظلم الآخرين من ذوي الحاجات ، وبالتالي نتصدق على الاكباد الجائعة :
لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ من …َ آتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ … وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ .
في هذا السياق ، قال :
تصدق على السائل ، ولو جاء على فرس .
هذه هي الشريعة ، وليست تقطيع ايادي وارجل الجوعى من خلاف في الاسواق ، في مجتمع الرمادة .
عاشراً :
جاءت الشريعة ليقول الانسان للناس حسناً :
وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً…
الناس كل الناس:
اليهودي والمسيحي والهندوسي والبوذي والكجوري والملحد والشيعي والشيوعي والمجوسي والصابئي واللاديني والمسلم ، والاسود والاصفر والابيض وخاطف لونين .
تامرنا الشريعة ان نقول لكل هؤلاء … حسناً . وان لا نامرهم بان يلحسوا كوعهم ، وان يبلوا اتفاقياتنا معهم ويشربوا مويتها .
اتت الشريعة لتطييب الحياة للجميع وبالجميع . اتت الشريعة لتتزين الدنيا بالكلمة الطيبة ، والقول الحسن ، فإبتسامتك في وجه الآخر صدقة .
اتت الشريعة لتمنعنا من ظلم الآخر .
نقطة على السطر .
صفحة جديدة .
3- المؤتمر الوطني ما حزب علماني … إنما حزب استبدادي ؟
وفي نفس ليلة السبت 11 اغسطس 2018 ، عندما خاطب الرئيس البشير الجلسة الختامية لمجلس شورى المؤتمر الوطني ، صرخ الرئيس البشير منفعلاً :
المؤتمر الوطني ما حزب علماني … إنما حزب إسلامي قائم على مبادئ إسلامية.
في هذه الاجواء الشعبوية التي تخاطب العواطف وليس العقول ، وتدغدغ المشاعر ، وتهيج العصبيات ، ضجت القاعة بالهتاف والتكبير والتهليل ، وسط أجواء حماسية طاغية .
دوت القاعة بشعار الإخونجية فارغ المحتوى :
في سبيل الله قمنا نبتغي رفع اللواء .. لا دنيا قد عملنا.. نحن للدين فداء .
في الحقيقة ، هم للجيوب فداء ، بعد ان ماتت الضمائر ، وولغوا حتى الركب في الفساد ، والسايكوفانسية اي حمل المباخر وحرق البخور ولحس التراب الذي يطاه الرئيس البشير .
صرخوا في هيستيرية كلهم جميعهم :
أيدناك أيدناك أيدناك أيدناك أيدناك أيدناك … لفترة راسية ثامنة ؟
تبرؤ الرئيس البشير من العلمانية ، وكأنها رجس من عمل الشيطان ، يدفعنا لمراجعة مفهوم العلمانية ، حتى لا ينجح الرئيس البشير في خلط حابلها بنابلها ، في خطبه الشعبوية .
4- العلمانية ؟
في كلمة ، العلمانية هي اسم الدلع ل ( المدنية ) . ولكن ارتبطت كلمة العلمانية في الثقافة السودانية بالدولة الكافرة . وهذا مفهوم غير صحيح ، ويروج له انصاف الجهلاء من المنكفئين الظلاميين . فالدولة العلمانية او الدولة المدنية هي الدولة ذات السلطات المقيدة بكوابح تمنع الاستبداد والفساد . وهي الدولة حيث الفصل الكامل بين السلطات الاربع : التشريعية والقضائية والتنفيذية والاعلامية . وهي الدولة حيث التبادل السلمي للسلطة بين الحكومة والمعارضة ، وعدم الكنكشة في السلطة ، كما يفعل الرئيس البشير . وهي دولة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات امام القانون . وليست دولة التمكين ، حيث يمكن الرئيس البشير للاخونجية في السلطة والثروة على حساب بقية المواطنين .
الدولة العلمانية هي الدولة التي تعمل وفق التوجيه الرباني :
لا إكراه في الدين ، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر .
دولة المسلم والمسيحي والكجوري ومن لا دين له . وليست دولة المسلمين حصرياً ، كما اكد الرئيس البشير في خطبة القضارف الشهيرة .
هذه هي الدولة العلمانية كما في دول الغرب ، في مدابرة لدولة الرئيس البشير الامنجية – العسكرية -الاوتوقراطية ، التي يحكمها ويتحكم فيها الرئيس البشير ، كما الفرعون الاله في زمن غابر سحيق .
نواصل …
Facebook.com/TharwatGasimOfficial