قراءة فى الفوز الكاسح للمدنيين والليبراليين فى ليبيا فى انتخابات ٢٥ يونيو ٢٠١٤، وانعكاساته على خريطة المنطقة ؟!
+ اولى التحديات البرلمان الليبي الجديد .. التوافق الوطنى لبناء دولة وطنية ديمقراطية امنة!!
++ انعكاسات فشل الربيع الاسلامى على السودان؟!
انتخابات ٢٥ حزيران فى ليبيا تطوى عهد الربيع الاسلامى الفاشل!
جرت الانتخابات البرلمانية فى ليبيا فى ٢٥ يونيو / حزيران ٢٠١٤ ، وسط تجاهل كبير من العالم للعملية الديمقراطية الكبيرة التى تجرى فى ليبيا ، ذات الموارد و العائدات البترولية الكبيرة والموقع الجغرافى المهم ، كون ليبيا تشاطئ اوروبا فى مساحة واسعة ، وتجاور مصر التى خرجت لتوها من نفق الاخوان المسلمين المظلم ، وكون ليبيا تمثل بوابة العالم السياسية للتغيير فى كل منطقة الساحل والصحراء ، بما فى ذلك تشاد والسودان.
افرزت نتائج انتخابات يونيو / حزيران ٢٠١٤ فى ليبيا سقوطا شنيعا للاسلاميين ، مقابل فوز كاسح للمدنيين والليبراليين ، و هذه المسالة تشكل نقطة تحول كبرى فى تجارب تحرر الشعوب من الاثار الكارثية لثورات الربيع العربى ، التى تحولت الى ( جفاف وتصحر) ، وعمل معادى للحرية والديمقراطية وحقوق الانسان ، والعيش الكريم والامن والاستقرار . القراءة فى ليبيا تقول ان جماعة انصار الشريعة والارهابيين لا يؤمنون اصلا بالديمقراطية ، وصناديق الانتخابات ، الا اذا كانت نتائج الانتخابات ستكون لصالح الاسلاميين ، وانهم لا يؤمنون بالتداول السلمى للسلطة ، وسيقولون : (لن نخلع ثوبا البسنا اياه الله ) ، لانهم لا يؤمنون بحكم الشعب ، بالشعب ، ولمصلحة الشعب.
بهذا الفوز الكاسح للمدنيين والليبراليين فى ليبيا فقد انطوى دستوريا ، وقانونيا عهد الاسلاميين المتقوقعين الظلاميين ، فاذا كانت دولة مرسى/ الاخوانية فى مصر قد سقطت بعد عام واحد بشرعية الشارع وانحياز الجيش ، فان عهد الاخوان المسلمين فى ليبيا قد انتهى بشرعية صندوق الانتخابات التى يحتج بها اخوان مصر زورا وبهتانا ، فهم فى كل مكان لا يؤمنون بالديمقراطية والتداول السلمى للسلطة.
اولويات ليبيا ما بعد عهد الاخوان .. الامن والاقتصاد:
شىء طبيعى ان يكون ( الامن) على راس اولويات ليبيا بعد فوز الليبراليين وسقوط الاخوان المسلمين ، وذلك لسببين اساسيين:
الاول : ليبيا فى حالة الدفاع عن النفس ، فالمشروع الاسلاموى الاخوانى لا يؤمن اصلا بالديمقراطية والتداول السلمى للسلطة ، لذلك ، القراءة تقول : لن يستسلم الظلاميون وجماعة انصار الشريعة لقرار صندوق الانتخابات الذى طوى عهد الربيع الاسلامى ، لذلك فان البرلمان الجديد مطالب بالتحرك السريع لجمع شمل اطرافه وخلق توافق وطنى للاتيان بحكومة انتقالية توفر الامن ، وتصفى اثار عهد القذافى وعائلته ، وتعيد بناء الجيش الوطنى ، وجهاز امن وطنى . كل الدلائل تشير الى ان اللواء المتقاعد خليفة حفتر سيلعب دورا مهما لاعادة الامن الى ليبيا عبر تفويض برلمانى يخوله بناء جيش وطنى قادر على الدفاع عن الوطن الليبيى فى مواجهة البربرية الاسلاموية / جماعة انصار الشريعة وحلفائها من الارهابيين والمليشيات القبلية . لقد اثبت التاريخ المعاصر ان الاسلاميين لايعرفون فنون الحكم الديمقراطى الرشيد ، ولكنهم يجيدون المعارضة الهدامة المدمرة للوطن نفسه وللمؤسسات الوطنية بما فى ذلك الجيش الوطنى.
الثانى : هو تاثير الاوضاع فى ليبيا على امن دول الجوار والاقليم ، ان دول الجوار التى تتخوف من تداعيات الاوضاع الامنية فى ليبيا على اوضاعها سوف تجعل الملف الامنى فى اعلى سلم اولويات ، ان ليبيا اليوم مكتظة بالارهابيين / الموالين للقاعدة وانصار الشريعة ، قدموا من سوريا مباشرة ومن ايران عبر السودان . ان هؤلاء يهددون امن مصر وتونس والجزائر وتشاد والسودان ، وكل منطقة الساحل والصحراء . ان دول اوروبا المشاطئة لليبيا تشعر بالقلق لما يجرى فى ليبيا، لذلك فان هذه الدول سوف تدفع بالملف الامنى الى اعلى سلم الاولويات فى ليبيا.
اولويات ليبيا الجديدة ، هى الاقتصاد السياحى والرياضى:
القراءة التحليلية تقول ان مستقبل ليبيا الاقتصادى يكمن فى الاقتصاد السياحى والرياضى ، فالدولة الليبية لديها شواطيء مائية مطلة على البحر الابيض ، وعلى اوروبا، وان فرص ليبيا فى خلق مناخ استثمارى سياحى لا تقل عن تونس باى حال ، فضلا عن ان ليبيا اساسا لديها مدخرات من عائدات النفط ، معلوم ان الاعتماد على عائدات البترول شيء خطير ، فالبترول منتج ناضب ، واسعاره متارجحة.
لقد كان العقيد القذافى يتوجس من صناعة السياحة فى ليبيا ، لكونه يعتبر السياح مجرد جواسيس ، لذلك جعل الدولة الليبية طاردة للسياحة بعدم توفير مدخلال السياحة من فنادق وشاليهات ومشروبات كحولية لاستهلاك السياح الاجانب كماهو متوفر فى تونس الاسلامية ودولة المغرب الاسلامية.
الدولة الليبية بامكاناتها البترولية تستطيع ان تبنى اقتصادا رياضيا ، وتوفير مدخلات الاقتصاد الرياضى من اندية وميادين خضراء بمستوى اوروبا ، وتستطيع تفريخ وانتاج اللعيبة والاداريين الرياضيين اسوة بما يجرى فى دول الجوار المشاطئة مثل ايطاليا واسبانيا . المطلوب من المدنيين والليبراليين تقديم نموذج جيد من النجاح فى مجالى تنمية الديمقراطية ، وتنمية موارد البلاد الاقتصادية ليشكلوا البديل الجيد لحكم الاسلاميين . الامن مهم للدول ، ولكن الشعوب محتاجة للنجاح الاقتصادى ، فى تركيا تقبل الشعب اردغان وحزبه الاسلامى ، واعاد انتخابهم بسبب النجاح الاقتصادى ، فالمطلوب من المدنيين والليبراليين الليبيين ( بعد هذا الفوز الساحق ) ، معالجة الاقتصاد جنبا الى جنب مع الامن.
انعكاسات فشل الربيع الاسلامى على الاوضاع فى السودان؟؟
بالامس ، عندما كان الربيع العربى فى عنفوانه ، كان السؤال الذى يدور : ما هى انعكاسات الربيع العربى على السودان واليمن وسوريا .. الخ؟ وكانت الاجابة ان السودان ( غير تونس ومصر وليبيا ) ، وعندما كشف الربيع العربى عن وجهه الاسلاموى الظلامًى ، القائم على ( التمكين) و الغاء واقصاء الاخرين، وتحويل الدولة الى مؤسسة حزبية يحكمها المرشد وليس الرئيس الصورى المنتخب ، ثارت الشعوب على حكم المرشد المتخلف فى مصر، وفى ليبيا سقط المتاسلمون عبر صناديق الانتخابات فى ٢٥ يونيو / حزيران ، ويعود السؤال مجددا : ماهو اثر فشل الربيع الاسلاموى على نظام المؤتمر الوطنى؟
١- لا تنطح عنزتان حول حقيقة فشل المشروع الحضارى الاسلامى فى السودان ، فقد تسببت الدولة الدينية الانقاذية فى تقسيم الوطن السودانى عندما اقامت الدولة الجهاد على ( المواطنين) الجنوبيين ، وبذلك فشلت دولة الانقاذ وبسبب مشروعها فى الحفاظ على حدود وطن الجدود.
٢- فشلت دولة المشروع الحضارى فى النهوض بالاقتصاد السودانى ، وفشلت فى ميزان القيم الاسلامية حين ثبت فساد الاسلاميين للقاصى والدانى ، وتبين ان ليست لديهم رؤية اقتصادية سوى اقتصاد البنوك الاسلاميةالمتكلس ، الواقف مكانك سر فى ذات محطة بنك فيصل الاسلامى منذ عام ١٩٨٠ . لقد فشلت دولة الانقاذ ( الفاسدة) اقتصاديا ، وسياسيا واجتماعيا ، واهم من ذلك انهاخسرت تماما مشروعها الاسلامى ، ولو جرت انتخابات حرة ونزيهة سيكون مصير المؤتمر الوطنى هو ذات مصير جماعة انصار الشريعة فى ليبيا من السقوط المدوى.
٣- بفوز الليبراليين الساحق الذى جرى فى ليبيا فى انتخابات ٢٥ يونيو / حزيران ، اصبح النظام السودانى معزولا تماما من محيطه العربى ، بدءا بالسعودية ومصر وليبيا والجزائر، بل وجد السودان نفسه محصورا فى معسكر ( ايران / حماس ) المعادى ، والمهدد لدول المنطقة.
٤- اذا كان سقوط نظام الاخوان فى مصر بعد تجربة عام واحد ، قد تم بقوة الشارع والجماهير حين خرج عشرات الملايين فى كل انحاء مصرمطالبة برحيل مرسى ، وانهاء حكم المرشد ، قد ادى الى تقارب الاسلاميين فى السودان ( وطنى وشعبي) ، فان سقوط الاسلاميين فى ليبيا عبر صناديق الاقتراع سوف يدخل الرعب فى نفوس الاسلاميين فى الخرطوم والذين ( استهلكوا مشروعهم الاسلامى تماما) ، ورحم الله الشيخ يس عمر الامام الذى قال بما معناه انه يستحى ان يقدم المشروع الاسلامى لاولاده او للمجتمع السودانى ، لان هذا المشروع ارتبط بكل ما هو منافى للاسلام ، ارتبط بالفساد ، والرشوة والمحسوبية والجهوية وتقسيم البلاد . القراءة العقلانية تقول ان الاسلاميين فى الخرطوم سيتحدون من اجل الاحتفاظ بالسلطة ، وسوف يتجهون الى تزوير الانتخابات فى العام القادم ٢٠١٥ ولن يجراوا على اقامة انتخابات نزيهة ، لان ليس لديهم اى رصيد ايجابي من الانجازات وقد استهلكوا مشروعهم الاسلامى الذى فقد بريقه كبديل فى كل الوطن العربي.
الحل ؟ اما الانتفاضة المدعومة بسلاح الحركات ، او التفكيل الى دويلات:
الحل المثالى هو الذى ياتى على يدى الشعب السودانى ، عبر الانتفاضة ، وتجربة انتفاضة سبتمبر ٢٠١٣ واعدة ، وحتى لا نكون حالمين ، فان الانتفاضة ( على نموذج اكتوبر وابريل ) تفتقر الى المدخلات ، اعنى النقابات ، والكوادر الحزبية ، فقد شاخت احزاب المركز ، والامل معقود على الشباب والطلاب والنساء ، والخلاصة ان انتفاضة المركز سوف تشجع الحركات للمغامرة للحضور للخرطوم للدفاع عن الشعب السودانى ، ولكف ايدى مليشيات قوات الدعم السريع التابعة لجهاز الامن ، من ابادة جماهير الخرطوم الاعزل . هذا الخيار وارد وهو المثالى والمطلوب.
خيار التفكيك ( الشامل للسودان من حلفا الى نملى ) الى دويلات:
معلوم ان الدولة عندما تضعف تؤكل من اطرافها . القراءة تقول : اذا فشل مشروع الحوار الوطنى الشامل ، الذى يشمل حاملى السلاح ، فان مشروع التفكيل الشامل ( الى دويلات ) هو البديل ، والتفكيك هو مصير كل دولة فاشلة ، لذلك ، لن يكون التفكيك قاصرا على شمال السودان ، وانما سيشمل دويلة جنوب السودان التى وصلت لحالة الفشل فى زمن قياسي ، خلال عامين فقط !! والسيناريو بسيط جدا ، هو ان تطالب حركات الهامش الحاملة للسلاح بحق تقرير المصير ، وتطالب بالحماية الدولية ، وفرض حظر الطيران على دارفور وجبال النوبة والانقسنا ، اسوة بتجربة اقليم كردستان الذى بدا يتبلور كدولة رغم الحوافز المقدمة للوحدة الطوعية بمنحهم مقعد الرئاسة الشرفى.
فاذا كان الخيار الاول هو الاريح ، فان الخيار الثانى هو الارجح ، وذلك لان الاسلاميين يكنكشون على السطة ، انهم وثنيون ، يعبدون الكرسى ، وحده ، لا شريك له ، لذلك فان خيار الانفصال هو المتاح للحركات ، وهو الخيار الذى سيجد الدعم من المجتمع الدولى الذى كان القابلة التى ولدت على يديها دويلة جنوب السودان ، وسوف يضطر المجتمع الدولى الى قبول تفكيك دولة الجنوب الى ثلاث دويلات على الاقل بكل اسف ، دولة لرياك مشار/ النوير ، ودولة للدينكا / سلفاكير ، ودولة لابناء الاستوائية – الجيل الثانى بعد جوزيف طمبرة.
ابوبكر القاضى / عتيق
كاردف/ جنوب ويلز
[email protected]