في أربعين المرحوم/ علي محمد موسي (شمهروش)
بقلم/ عبد العزيز سام – 20 أغسطس 2014م
علي محمد موسي، أو علي شمهروش، أو الزعيم كما يحلو لأهله ورفاقه وجيرانه وأحبابه الكُثر وأهل أم بدة السبيل مناداته، علمتُ مؤخراً بإنتقاله إلي الرفيق الأعلي إثر عِلةٍ لم تمهله طويلاً بقاهرة المُعِز لدينِ الله الفاطمي التي قصدها مستشفياً من عِلةٍ لم تمهله طويلاً، فقَضي نحبُه فيها في 17 رمضان 1435هـ الموافق 14 يوليو 2014م، وعلي شمهروش هو الزعيم الذي لا نستكثره ولا نزكيه علي الله، كان رجلاً أمَّة، وتربطه بكل الناس علاقة حميمة ودافئة، فهو رجل رحيم وحميم وهميم، يحنو علي الصغير ويوقر الكبير ويحب الناس كل الناس، كريمٌ مثل حاتِم الطائي، يصل الرِحم ويقف مع الأهل والرفاق والجيران في السرَّاء والضرَّاء وحين البأس.
تعرَّفتُ علي المرحوم/علي محمد موسي وإخوته وأسرته الكريمة في العام 1983م عندما قدِمتُ إلي الخرطوم أولَ مرَّة بسبب قبولي في الجامعة، وتعرفت للوهْلة الأولي علي شقيقه حامد محمد موسي الذي كان في سِنِّي، وكان له دكان في آخر المحطة(القديمة) السبيل ضِمن بيت خالِنا عبد الرحمن محمد حامد، وكُنَّا نلتقي هناك ونتجاذب الحديث، وكنَّا ثلة من الأهل والأقارب جمع بيننا الحي الذي يسكنه أقاربنا ونأتي أيام الخميس والجمعة نقضيها بينهم.. فتعرفت علي المرحوم منذ ذلك الوقت فخبِرتُ طيبته وتواضعه وخفة دمه وهي الصفة العظيمة التي منحها له الخالق، ففي أحلك الظروف يحكي لك المرحوم طرفة أو موقف ساخر ينسِيك همّك. الحقيقة أنه كان مجرد حضوره أو ملاقاته في أي مكان وزمان تشكل لحظة كوميدية شيقة تزيل عنك نكد الحياة وغمِّها. المرحوم رجل حباه الله القبول وخِفة الدم والمُزحة الحاضرة في زمن لئيم، كئيب ومقطَّب الجبين.. فكان علياً حِلو الحديث طيبِه، ورحيم وحفِي بالناس وكريم، لذلك أحبَّه الناس ويأوون إليه يلتمسون الرَوْحَ والريحان فيجود عليهم ويحفف عنهم عناء الحياة بظرفِه وسخريته الجميلة وخياله الخصب وحُسن الحَكِي.. كان المرحوم رجلاً كريماً دائم الإبتسام، وكان رجلاً إجتماعياً لا يُشقُ له غبار.. ثم أنه كان رياضياً مطبوعاً، وقد أنفق مال كثير في تطوير الرياضة في منطقته أم بدة، حتي صار رئيساً لنادي أم بدة الرياضي وقد كرمه النادي العام 1993م.
وُلِدَ المرحوم/ علي محمد موسي بقرية أم حراز شمال كتم بولاية شمال دارفور في العام 1950م وهو الأخ الأكبر لستة إخوة هم: المرحوم، عمر، خاطر، حامد، آدم، وحواء.. والمرحوم متزوج من بنت خاله السيدة الفضلي/ حليمة حسن محمد آدم وقد رزقهما الله تسعة من البنات والبنين، هم: عبد العزيز، عبد الماجد، صلاح، محمد، علوية، سميرة، رشا، رشيدة وأميرة.. وللمرحوم ثمانية أحفاد.
نال المرحوم قِسطاً معقولاً من التعليم كأبناء جيله، فقد درس بمدارس كتم الأولية بعد أن درس القرآن الكريم في خلاوي المنطقة ثم دخل الحياة العملية تاجراً بكل من الفاشر ونيالا ثم لبدو وخزان جديد. وكان المرحوم يجلب البضائع من مصر وليبيا ثم إنتقل بأسرته الصغيرة إلي أم درمان في بداية السبعينيات من القرن الماضي حيث إزدهرت تجارته وراجت.. ثم إغترب إلي المملكة العربية السعودية وعمل لدي الأسرة المالكة، ثم عمِل مستورداً للبضائع عبر ميناء بورتسودان، فراجت تجارته وكثر ماله ولكنه لم ينتقل إلي أحياء الأثرياء في العاصمة الخرطوم، لكنه آثر البقاء بين أهله وعشيرته في أم بدة السبيل، فكان المليونير الذي يسكن حياً عشوائياً لإرتباطه بالناس الذين أحبهم فبادلوه الحُبَ والإحترام.
ولما قفزت طغمة “الإنقاذ” علي سُدة الحكم في البلاد 1989م، وإستهدفوا العِباد في أسباب رزقهم كان المرحوم أحد ضحاياهم وقد حاربوه في تجارته وماله بسلاح الضرائب والجمارك فضيَّقوا عليه الخِناق، فأنهي إقامته بالمملكة العربية السعودية وعاد وإستقر بأم بدة يرعي أسرته ويشرف علي تعليم أبناءه ويشارك أهله وجيرانه في السرَّاءِ والضرَّاء، فضلاً عن إدارة أعماله التجارية التي ظل يديرها من سوق ليبيا، يشاركه ويعاونه إخوته وأبناءه.
ثم أنَّ علياً قد أفني حياته في خدمة بيوت المال والأعمال فهو رجل إقتصاد شديد المِراس وذو خبرة عملية كبيرة، رجل إقتصاد له مساهمات ثرّة في مجالس إدارات البنوك والمصارف والغرف التجارية، فكان عضواً بمجالس إدارات عدة بنوك منها: بنك تنمية الصادرات، بنك الخرطوم، بنك الثروة الحيوانية، بنك فيصل الإسلامي.
ثم أن المرحوم كان سياسياً فذاَ ورجل مواقف بطولية وله صولات وجولات في حزب الأمة، وشارك بفاعلية في حركة الإصلاح والتجديد الواسعة التي شهدته الحزب خلال العقد الماضي، وقد شارك مع طلائع قيادات حزب الأمة في حركة الإصلاح والتجديد العام 2002م فكان عضواً قيادياً ومؤسساً لحزب الأمة الإصلاح والتجديد ضِمن هياكلها العليا.. ولمَّا إختل السَعِي وطفَح الكيل بقيادة حرب الأمة الإصلاح والتجديد، وآصل المرحوم ضِمن دُعاة التحرر والإنعتاق حركة التصحيح داخل حزب الأمة الإصلاح والتجديد، فكانت الثورة الثانية علي القيادة الأسرية المُستبدَّة داخل الحزب، إنتهي إلي إنقسام ثالث وتأسيس حزب الأمة الفدرالي الحالي برئاسة الدكتور أحمد بابكر نهار.. وما إنفكَّ المرحوم علي شمهروش قائداً مُلهٍماً ورُمحَاً مُلتهِباً ومناضلاً قوي الشكيمة وصعب المِراس ضمن طليعة القيادة الشعبية المتقدمة بحزب الأمة الفدرالي حتي لقي ربه راضياً مرضياً بإذن الله.
وقد خاض المرحوم الإنتخابات البرلمانية الماضية 2010م مُرشَحاً لحزب الأمة الفدرالي بدائرته بأم بدة، وعقب الإنتخابات المزورة ذهبتُ إليه في منزله العامر أواسِيه في خسارته الإنتخابات “المخجوجة”، وأهنئه علي شجاعته لخوض الانتخابات وفضح زيف حزب المؤتمر الوطني وحكومة الإنقاذ المتخصصة في تزييف وخج الإنتخابات.. فوجدته كعادته ساخِراً وظريفاً مرِحاً، يحفه ثلة من زملائه وأهل منطقته يلتفون حوله كالسوار بالمِعصَم، يحكي لهم بموهبة تصويرية فائقة كيف “خَجَّ” المؤتمر الوطني الإنتخابات وزوَّرَها بغباءٍ لا ينطلِي علي أحد. ذكر لي المرحوم أن هؤلاء الناس أغبياء لدرجة لا يصدقهم عاقل، قال: “أنا وزوجتي وأولادي وضيوفي الساكنين معاي في البيت، وعُمَر أخوي وأولاده وقرايبنا الساكنين معاهو في البيت الذين سجلوا في السِجِل الإنتخابي وصوتوا لي بالتأكيد، وما في زول فيهم أتلف صوته لأنهم مدربين علي الانتخابات، وكان معظمهم مناديب لي في الدائرة، هل تصدق يا أستاذ الناس ديل في النتيجة أدوني أصوات أقل بكتير من أصوات ناس بيتنا؟؟!! خليك من الأهل والجيران والزملاء الكانوا واقفين معاي بمالهم وعيالهم وعرباتهم ينقلوا في الناس من الصباح للمساء!! يا أستاذ والله الناس ديل (يقصد المؤتمر الوطني) يشككوك في أسرتك ذاتها، في مرتك وأخوانك وأولادك” ويضحك بأعلي صوته ليُغرِق الذين من حوله في ضحكٍ الصاخب يخفف عنهم ما هُم فيه.. ذاك هو علي محمد موسي الذي عرفناه لعقدين ونصف من الزمان، لم يغب يوماً عن لمَّة فرح أو كره، وأيه الدنيا غير لمَّة ناس في خير أو ساعة حُزن. ولم يُرَ المرحوم غاضباً أو وآجِماً أو متجهِماً أو شاكياً، بل كان علي الدوام هاشَّاً باشَّاً باسِماً طول الوقت، يتَحلَّق حوله الناس أينما حلَّ يلتمسون جمال الروح والأنس الجميل والمُزحة الأنيقة، وطيب الخُلق وحسن المعشر، والكرم والشهامة، فكان سمحاً في كل أحواله.
وقد أكرمه أهله في مسقط رأسه أم حراز فكلفوه بمهام الإدارة الأهلية في الخرطوم فهو عُمدَة إدارة أم حراز بالعاصمة القومية، فقد إستحق ذلك التكليف لأنه فريد في خدمة الأهل وقضاء حوائج الناس، وأيقونة السفارة الشعبية لأهلِ دارفور، وتميَّز بالحِكمة في حل المشاكل، وإسداء النصح والرأي السديد بالقولِ اللين، كما وصّي ربنا سبحانه تعالي رسوله سيدنا موسي وأخاه هارون عليهما السلام عندما أرسلهما إلي فرعون لإنقاذ بني إسرائيل منه.
أربعون يوماً خلونَ علي رحيل المرحوم/ علي محمد موسي، الأخ الفاضل والرجل متعدد الأنشطة والمواهب، في التجارة والمال والأعمال، والسياسة، والرياضة، ثم في شئون الإدارة الأهلية، وقبل هذا وذاك عميد أسرة متماسِكة وزعيم عشيرة كبيرة وممتدة. والأهم من كل ذلك تصدقه الدائم في وجوه الناس بالإبتسام فهو رجل حنون وأخ فاضل وكريم، وظلَّ سندٌ وعضض للكل. والمرحوم راجل قبيلة وفارس حوبه.. علي أنَّ الظروف تمنعنا من حضور مأتمه وأربعينه، لنقف مع أسرته الكريمة والممتدة ورفاقه وأهله وجيرانه، وأن نقوم بالواجب فللرجل حقٌ علينا. ولا نملك إلا أن نبكيه ونعززي أهله ونسرد بعض مآثره في هذه الكلماتٍ الباهتة التي قد لا تُعِين في إظهار جزءٍ يسير من تأريخ رجل عرك الحياة فصرعَها قد أن يأتيه اليقين، فإنِّا لله وإنَّا إليه راجعون.. وأحسن الله عزاء أسرته، زوجته وبناته وأبناءه وإخوته وأهله ومنطقته التي فجِعت بفقده الجَلل، ولجيرانه في أم بدة السبيل وزملاءه في السوق وبيوت المال والأعمال، ومسقط رأسه أم حراز.
ولا حول ولا قوَّة إلّا بالله العظيم. الفاتِحَة.
[email protected]