بسم الله الرحمن الرحيم
عودة لمفوضية حقوق الإنسان (2)
علي أبو زيد علي
في المقال السابق أشرنا إلى الاهتمام الكبير الذي أبدته منظمات المجتمع المدني والمنظمات الطوعية الناشطة في مجالات الحماية والحقوق والعون المدني والقانوني تجاه إنشاء المفوضية القومية لحقوق الإنسان التي تعتبر من أهم المفوضيات التي جاءت في دستور السودان الإنتقالي لعام 2005م عقب اتفاقية السلام الشامل إذ أن مهام المفوضية المنصوص عليها في المادة 142 من الدستور تعتبر من أكبر مهام المفوضيات وأكثرها مهاماً مسئولية الحقوق، فالمفوضية معنية بتطبيق الحقوق والحريات الواردة في وثيقة الحقوق في المادة 27 من الدستور والوثيقة تمثل الرباط والعقد الاجتماعي بين الشعب وبين الحكومات في المستوى الاتحادي والفيدرالي والمحلي وهي ترتبط بالحريات الأساسية وتعزيز الديمقراطية وتحقيق المساواة والمواطنة بين جميع أفراد الشعب وتحقيق العدالة الاجتماعية بين القطاعات المختلفة، وفي تلخيص غير مخل فإن وثيقة الحقوق تضمنت الحقوق والحريات الفردية للمواطن ممثلة في عدم الحرمان من الحرية وتحريم الإتجار في البشر وأشكال الرق المختلفة والسخرة وعدم جواز التعذيب البدني والنفسي وتوفير أسباب المحاكمة العادلة والتقاضي والمساواة أمام القانون كما أشارت الوثيقة إلى حقوق الفئات المستضعفة من ذوي الحاجات الخاصة وحقوق الطفل والمرأة والتزمت الوثيقة بالتعهدات الدولية في القانون الدولي الإنساني وبرتوكولات حقوق الإنسان في جنيف وباريس .
أيضاً فإن أهمية المفوضية وشمولها أتى من خلال الحقوق السياسية التي اشتملت عليها وثيقة الحقوق في دستور السودان الانتقالي حيث أشارت إلى حرية العقيدة والعبادة والفكر وإلى حرية التعبير وتلقي ونشر المعلومات وإلى الحق الدستوري الأصيل في التجمع والتنظيم من خلال الأحزاب السياسية والنقابات المهنية والمنظمات والجمعيات والاتحادات وتمكينها من المشاركة في الشئون العامة من خلال الاختراع والتصويت والمنافسة الحرة لتولي الشئون العامة.
وفي الجانب الاجتماعي شملت الوثيقة الخاصة بالحقوق أشارة إلى حق المجموعات العرقية والثقافية أن تمارس معتقداتها ولغاتها وثقافاتها وأشارت الوثيقة إلى مسئولية الدولة في كفالة التعليم دون تمييز عرقي أو ديني أو ثقافي كما تكفل الدولة للمواطنين الرعاية الصحية الأولية، وأن تكفل الدولة الكرامة الإنسانية والفرص المتساوية في الخدمات للأشخاص ذوي الحاجات الخاصة والمسنين .
تلك هي الحقوق والحريات التي أشار الدستور الإنتقالي إلى قيام مفوضية حقوق الإنسان بمراقبة تطبيقها، وأن تتلقى الشكاوي من المواطنين والتنظيمات حول انتهاكها وإبداء الرأي وتقديم النصح لأجهزة الدولة بشان أي مسألة تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان أو تمس بالحريات الواردة في وثيقة الحقوق وهي في مجملها تسعى لتمكين المواطن من حقوقه المدنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية وهي الركيزة التي تقوم عليها التنمية البشرية والتقدم للمجتمعات الإنسانية . وهي في الأصل وقبل أن تصدر في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948م فإن الثقافة الدينية الإسلامية قد مكنت للقيم والمبادئ الإنسانية فهي قد تناولت قيم المساواة بين بني البشر وأوجبت التكافل الاجتماعي وحرمت السخرة والعبودية وهي قد حققت المنظومة القيمية والأخلاقية التي نادى بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
إن أهداف ومرامي مفوضية حقوق الإنسان هو تنظيم الموروثات الدينية والثقافية لمجتمعنا السوداني والنص على هذه الحقوق والحريات في الدستور تعبير عن إرادة الأمة السودانية وهو إنجاز معاصر يتجاوب مع متغيرات العصر والتقدم العلمي والمعرفي وتشمل المسئولية المجتمعية المحايدة والبعيدة عن الاستقطاب والانتماء الحزبي وقد أشار الدستور إلى أن تتكون المفوضية من خمسة عشر عضواً من المشهود لهم بالاستقلالية والكفاءة وعدم الانتماء الحزبي والتجرد تحقيقاً للخدمة الإنسانية والحقوق والحريات المتساوية دون تميز في العنصر أو الجنس أو الفكر .
إن العبرة في فعالية المفوضية القومية لحقوق الإنسان بعد اكتمال الإجراءات الإدارية والمرسوم السيادي بإجازة القانون الخاص بها فإن من بين اهتمامات وهموم منظمات المجتمع المدني أن تنشأ المفوضية بعيدة عن أزمات المحاصصة في تولي الوظائف القيادية والتي لازمت اتفاقية السلام الشاملة في حصص السلطة والثروة، حتى تكون بعيدة عن الصراعات السياسية، وكما أشرنا فإن مسئولية الدولة المجتمعية لا تحتمل التنافس السياسي والكسب الحزبي، ولحظتها فقط سوف تشعر منظمات المجتمع المدني السوداني بالأهمية والنتائج الإيجابية لاتفاقية السلام الشامل وجدية السعي لإرساء معالم دولة الديمقراطية والحريات والحقوق .
ولله الحمد