بسم الله الرحمن الرحيم
عذرا يارفاقي !
ربما يسالني احد الاصدقاْء فيم اعتذر، فاقول اعتذرعن موقفي الخطأ انذاك لرفقائي ورفيقاتي ، عندما انحزت لمؤتمر حسكنيتة . ذلك المؤتمر المشؤم الذي وضع قاعدة اساس لتقسيم شعب دارفور . ومعروف هذا المؤتمر الذي خطط له مناوي للاطاحة بالاستاذ عبد الواحد محمد نور، وساعده في ذلك المغتربون الذين طالت غربتهم وازداد حنينهم شوقا للسودان واهلهم ، ففكروا في هذه المؤامرة الهزيلة . ان المؤتمر الذي افرز قيادة جديدة من اشخاص لا يعلمهم شعب دارفور ولا السودان ، منذ ذلك الحين ، ظل البعض منا يتشاءم عن مستقبل القضية في دارفور ، واخرون تركوا الحركة وذهبوا لاتجاهات اخري يبحثوا فيها عن الكفاءة واليد الامينة ، فاختاروا طريقهم . ظللنا منذ ذلك الحين نحن واخرون نلتف حول دائرة مناوي حتي انشق منا كثيرا من القيادات العسكرية والسياسية واصبحت مواقف الحركة دوما في حالة انهزام فكري و سياسي ، مما احدث حالة من الارتباك والانغلاق في التعاطي مع الاحداث السياسية في البلاد .
هذه الظروف مجتمعة جعلتنا نعيش في دوامة صراع داخلي عنيف وحالة من الجدل الداخلي للحركة ، بحثا عن بعض الاصلاحات الجذرية في الجوانب التنظيمة والادارية داخل الثورة ، فعلي الدوام تعترض بعض المجموعات الانتهازية وترفض الترتيب والتقيم وتريد فقط ان تعيش في هذا الوضع المختل بحيث انها تستأثر بالسلطة والمحافظة علي مصالحهم الخاصة ، وهم اليوم يبكون علي السيادة الضائعة ويوهمون انفسهم ويضللون الراي العام بان مجموعة الاصلاح والدعوة الي التغيير هي ذات مصالح شخصية وتبحث عن سلطة ، فهذه اوهامهم واهوائهم تحدثهم بها انفسهم . ولكننا نحن كمجموعة للتغيير والدعوة الي الاصلاح ندعوا الي عقد مؤتمر عام استثنائي يتم اختيار قيادة فاعلة واعية بمرحلة الثورة ، ومنها يختار من يختار لمواصلة المسيرة . وفي ذلك تكون السلطة والارادة للمؤتمرين وليست للمتسلطين . ولولا هم لما كانت الحركة اكثرا افتقارا من الكوادر المؤهلة واصبحت تحصد ندما . هذه الدوامة هي التي دفعتنا لهذه الخطوة ، وكانوا اكثر الناس تفهما لقضايا الوطن الذي اصبح يقف علي حافة الهاوية ، خاصة عند قضايا الوحدة والانفصال . ان معظم المؤشرات والوقائع تشير علي حتمية الانفصال ، ومعروف للجميع ان هنالك حالات شد وجذب بين الخرطوم وجوبا من كل وقت لاخر . هذا الخطر يستوجب منا نحن كحركة ثورية ان نقف لتذليل الصعاب ، لكن للاسف غادر مناوي ومكث في جوبا دون رؤية ودون برنامج وبلا مشورة لمؤسسات الحركة . منذ زمن طويل ظل مناوي يعمل علي الاتصال بالحركات المسلحة من اجل تاسيس عمل جبهوي عريض ومسلح معها . هذه الخطوة برغم ايجابيتها الا انها اضرت بشكل كبير في عملية تنفيذ اتفاقية ابوجا لعدم مؤسسيتها . هذه التعقيدات كادت ان تسبب انهيار كامل للاتفاقية اذ ظل الجميع يراقب ويتحدث عن مستقبل الاتفاقية وكيفية الاستفادة منها . وعلي ذلك رفضنا مسالة اعادة انتاج الحرب التي هي ليست مزاجية كما يتحدث البعض عن مزاجية دعوة التغيير.
من واقع تجربتنا ووجودنا داخل هذه الحركة الثورية وجدنا ان الفرصة للسلام اكبر من العودة للحرب ، مما حدا بنا لاعادة النظرة الثاقبة اتجاه خطوات الرئيس السابق مناوي في ادارته لدولاب عمل الحركة . ان الواقع يملي علينا ان نتريث كثيرا حتي لا نعود للعمل المسلح الذي فيه صعوبة بالغة وليس كما يتصورة المزاجيون واصحاب المصالح الذاتية الخاصة .
نخشي ان ينكسر كثير من قيادتنا عند العودة للحرب نتيجة لعدم معرفتهم ودرايتهم وادراكهم بمخاطر الصراع ، وقصر نظرهم لابعاد القضية ، كما حدث في ابوجا انفراديا . والان يريدنا مناوي ان يجرنا الي الحرب انفراديا بنفس الكيفية التي وقع بها اتفاقية ابوجا .
هل تعلم يا دكتور الريح محمود ماذا يدور في جوبا؟ هل تعلم ماهو ثمن الرجوع الي الحرب ؟ وهل حقيقة لديكم الرغبة في الرجوع الي الميدان ؟ اذا هذا التخبط من الحين لاخر حسب المزاج الشخصي نحو قضايا الشعب هو الذي يجبرنا لمراجعة انفسنا واتخاذ القرار الصائب لمصلحة الشعب . وحتي اذا افترضنا جدلا ان تحركات مناوي لم تكن للحرب بل لمصلحة الحركة ، اذن باي برنامج مؤسسي يتحرك مناوي ؟ ومن هنا ياتي السؤال لدكتورنا ايهما مزاجي نحن ام انتم (عفوا هم؟؟) . نحن نستطيع ان نقول للرفاق ان فضائلنا تتقدم فضائلهم ، ولا نسمح لجنودنا ومواطنينا بالقتال مرة اخري الا للضرورة القصوي . ان الذين قاتلوا من قبل ، وحينما وقعت الحركة الاتفاقية وعادوا الي الداخل ، كثير منهم ظلوا غرباء وبعضهم متشكك عن وقوف الحركة معهم ، فاصبح يلازمهم شعور الاحباط وبالتالي الحيطة والحذرمابين الانتماء والواقع .
اما اهلنا المواطنون الذين وقفوا ودعموا ورحبوا بالثورة ، رغم تفاؤلهم وجهدهم الا اننا لم نقدم لهم شيئا ، فكيف بالله نزج بهم مرة اخري في معارك وهمية ذات دوافع شخصية وسلطوية دون ان نحقق لهم حقوقهم المكفولة في الاتفاقية . لم تقدم الحركة حتي الان شيئا يذكر وتريدهم ان يقفوا معك من جديد .
هذه الدعوة ، دعوة باطلة ومكشوفة وتوضح مدي ضحالة الفكر وسذاجة المزاج فهل هذه المعطيات هي للتخوين ام انها قول حق لمجموعة مدركة ابعاد الصراع وافرازاته .
يا رفيقي دكتور الريح ، حينما تجلس امام الكاميرات لا تصيبك الدهشة والغرور الزائد حتي تقول مالم يقوله مالك في الخمر. التاريخ لا يمكن ان يندثر بمجرد الدفاع عن المناصب والاطماع الشخصية لكنك فعلت ذلك ونراك الان تقاتل وتكيل التهم فقط من اجل منصب وزير الدولة ، الذي رشحت فيها نفسك دون الرجوع حتي لمؤسسات الحركة ، انت والذين معك ولا يتعدي عددكم اصابع اليد الواحدة . من فيكم لا ياخذ من الراتب مالا يقل ان عشرة مليون جنيه في الشهر الواحد وما خفي اعظم . فاني لك من الناصحين هذه الحركة قدمت ارتالا من الشهداء ومازالت تقدم مزيدا من التضحيات من اجل التغيير وارجو الا نستطعم ابناءنا بدماء شهدائنا . انت تتحدث ونحن نعمل حتي انعقاد المؤتمر الاستثنائي . فلذلك صدقني يا اخي اننا في الحق لا نخشي لومة لائم ، لو كنا نريد ان نحارب كانت الظروف قبل التوقيع علي اتفاقية ابوجا اكثر وضوحا وجلاء ولكن هيهات . فبعد مرور اربع اعوام علي توقيع الاتفاقية لم نقدم للمواطنين شيئا ونصر علي عودة الي الحرب ؟ وانني وبعد الوقوف مع النفس لفترة لم تقل عن شهر بعيدا عن العاطفة قررت ان انضم الي قيادات الحركة الطالبة للتغيير الساعية لايجاد خارطة طريق لانقاذ ما يمكن انقاذه . كما لا انكر بان مستقبل اتفاقية ابوجا مازال مجهول ويبدو ان تحقيق هذا الاصلاح متعذرا بعض الشئ ، لوجود بعض المتاريس السياسية بجانب الثرثرة الاعلامية من مجموعة العشائريين واصحاب المصالح الخاصة . ان هذا العمل الهدام سوف لن يكون له اي تاثير في عملية التغيير، لان الواقع يفرض علينا ان نتحرك من اجله وبحزم ، ومن الاهمية بالزمان والمكان ان ناخذ بعض الوقت من اجل مجابهة مواجهة هؤلاء منهم من خان كتاب الله وظهر في كاميراتكم زورا وبهتانا ، ولنا معهم مواقف اخري . ولكن رغم ذلك اننا ندفع بواقع تجربتنا لإحداث واقع افضل مما كنا عليه في الحركة . نحن ندرك حجم هذه الخطوة الجريئة التي ارتجف لها البعض ونحن علي قدر هذا التحدي كما نشكر الذين هاتفونا في الداخل والخارج واكدوا رغبتهم ودعمهم لهذه الخطوة الاصلاحية . كما نذكر رفاقي بالمقولة التي ظل يكررها المناضلون بان الثورة يخطط لها المفكرون وينفذوها الشجعان ويستفيد منها الانتهازييون .
هذه الاستضاحات قد يفسرها البعض تفسيرا سالبا ولكن الدعوة للتغيير لم تات من فراغ ، بل جاءت بعد دراسة متانية للمازق الحقيقي . كما ينبغي البحث عن ايجاد خطوات تساعد فيما يمكن انقاذه . اما فيما يتعلق بجانب الترتيبات الامنية ومكتسبات السلطة الانتقالية والدفع بمشاريع تنموية للاقليم يجب ان تاخذ اولوية في المرحلة المقبلة . وان نؤمن بقضايا التحولات السياسية في البلاد . لا نحتاج الي مزيد من القتل والاقتتال والفرقة والشتات بين ابناء السودان والاقليم بشكل اخص . لذلك يجب علي الجميع ان يبذل قصاري جهدهم من اجل الاستقرار وصون هذه البلاد ، كي تعم الفائدة للجميع وان ننعم بالسلام .
بقلم / الاستاذ / محمد ابكر حسن حمدين
رئيس مكتب حركة تحرير السودان بزالنجي
25/ 10/ 2010م
الخرطوم السودان
[email protected]
0912759372