نتف وخواطر من بيت الحبس
كنت في قائمة الطابور الخامس للعدل والمساواة
مدرسة البلال
الغموض، كان المينشيت الرئيس لسائر صحفنا السيارة فى أمثال هذه الأيام قبل إثنتي عشر سنة، ذروة الغموض خبرا في العاشر من مايو من سنة ثمانية وألفين،أخبار اليوم مدرسة مهنية أحمد البلال الطيب الصحفية الخبرية كالعهد به تتقدم صفوف إنباء وإعلام الناس وإحاطتهم خبرا، مارس مهنيته نحو ست عقود في سودان المتقلبات، لم يكسب احدا لجانبه بيد أنه كسب رهان المهنية خدمة لبلده وأهله محتفظا بمسافة وإحساس واحد من كل المكونات حتي من يأبي منها غير آبه بما يجره خطه المهني من متاعب، نشهد له تلاميذه بإدارة ازمة قضية دارفور بحب المهني المخلص ودرنا كلنا في ركابه وأصبحت أخبار اليوم صحيفة الحركات المسلحة الدارفورية متخذة قياداتها العليا والوسيطة والقاعدية منها منبرا مستقلا مجربا غاضين الطرف عن صدورها وفقا لقوانين ونواميس دولة الإنقاذ المخلوعة بإمرة شعب ضاق ذرعا وشظف عيشا، ذلك أن الحياة لايمكن أن تكف عجلتها عن الدوران ثلاثين سنة تفرقت فيها السبل بين السودانيين تفرقا الجمع بعده إلا بعزم الرجال،فمن فتح كنتينة،فتحها مضطرا وكذا من إمتهن ما إمتهن ، خرج الشعب غير منتمٍ ناشدا تغييرا شاملا لا يضارع ويضاهى ماضيا بائسا ولكن،ولكن هذه دعوا تتمتها ليوم لا شك مشهود! منسوبو الحركات المسلحة أصحاب أقداح أعلي في ثورة التغيير التراكمية ودفعوا اثمانا باهظة، تعاملوا مع أخبار اليوم صحيفة تصدر تحت إدارة نظام مؤدلج فتحت كوة تتسع رويدا رويدا حتي أصبحت منفذا وطنيا و مرجعية تاريخية لحقبة سودانية ينبغى دراستها بعيدا عن أدبيات المهرجلين ورجرجة ودهماء السياسية فن الممكن وطلب المستطاع، تلك توطئة وحفظ لحق الأستاذ أحمد البلال الطيب عميد واحدة من مدارس الصحافة السودانية العصامية المعاصرة الشاهدة على مرحلة تؤسس لسودان قادم لازال فى رحم أمومته مجهولا وموجات كشفه الصوتية لم تخترع بعد بينما الجنين يتخلق بين شد وجذب وتحت جوائح كورونا أصغرها وأتفهها ولكن لايصح إهمالها ولا تهويلها والتعامل معها كشف أهمية الخبرات التراكمية العملية في شتي الحقول والشتول المهنية المتطلب الأداء فيها هدوءً لا إنفعالا ولو غايته نبيلة.
بعيدا عن القطيع
كانت أخبار اليوم والصراع فى أوجه بين الحكومة والحركات المسلحة على أشده، صحيفة الدارفوريين بمختلف مستوياتهم، يتتبعون عبرها مجريات الأحداث بالخبر الصادق والتحليل الناضج والقراءة العميقة،كنت اتردد على أحد الحرفيين من أبناء دارفور في مقر عمله طلبا لحرفيته وعلو مهنيته وصنعته وسمو خلقه وصدقه ورقى تعامله، منهمكا دائما في عمله وكان يناديني بالدسوقى ولم أصححه وحتي لما أبعث أحدهم لمحله إنابة ، اذكره بأن يقول بأنه من طرف الدسوقى، في معيته دائما شاب دارفورى يجالسه وهو يطالع أخبار اليوم وفي تلك الحقبة كانت تفرد صفحتين تزيد ولاتنقص لمختلف أحداث دارفور بكل فنون وقوالب العرض الصحفى، كنت اراقب قراءاته باهتمام كلمة كلمة للملف وأعجب لصبره وجديته، مشهد تكرر عشرات المرات ولم يمنحني وقتا لتعارف يصحح لصديقى غير المهتم بأنى عاصم وليس دسوقى،ذات يوم سألته سر إهتمامه بأخبار اليوم ومطالعتها يوميا، تسعده وتطربه بتغطيتها ومهنيتها لقضية دارفور التى يعتز ويفاخر بالإنتماء لها ويهتم لأمرها ومعرفة كل كبيرة وصغيرة ليسهم فى شأنها العام بعد وعى وفهم بالوقوف على رؤى وأفكار ووجهات نظر كافة بنيها بمختلف جهوياتهم وعرقياتهم ليكون موقفه الخاص ولايكون ممن يوسمون بالقطيع تبهيما للإنسياق الأعمى بلا فهم وتبصرة، وعى شبابى دارفوري متقدم هو السر وراء شبابية الحركات المسلحة التي ما كانت تغضب من وصفها بالحركات المتمردة بحسبان أنها متمردة علي الظلم وكما أسلفنا ما كانت تدع كوة مفتوحة متاحة لها ونفاجا ينقل رؤاها للداخل، فتعاملت مع الصحف بصدق وأخلاق دارفورية بصمة، ولم تجنح لتصنيفات بليدة وتعاملت مع زيد وعبيد ومع الملاك والشيطان، وندعى بأننا فى أخبار اليوم حزنا على نصيب الأسد فى تغطية أزمة دارفور ودار الوثائق خير شاهد ودليل نأمل أن يتوجه لها شباب الثورة المختصين للوقوف على تجربة مثيرة وجريئة وعريضة أوقعت أخبار اليوم في مطبات ومزالق غير مرئية خاصة لدهاقنة وأساطين الإنطباعية والتصنيف وفقا لهواهم وأغراضهم متخذين توزيع الإتهامات والتبشيع والتشهير وسائل رخيصة ليقضوا وطرا رخيصا، مثلهم سبب النكسة، لا كذاك الشاب الدارفورى الحريص علي فهم قضيته لئلا قطيعا ينساق وينقاد.
خليل وقرنق
سر صمود وتكاثر الحركات المسلحة إذن قوامتها علي عناصر شبابية واعية لم تنجر لحمل السلاح عبطا واعتباطا إنما فلاحاً فى التعبير عن قضيتها مسنودة بقيادات واعية تحمل سمات شخصيات رجال الدولة ويا للأسف خسرنا قيادات مثالا بحجم الدكتور خليل إبراهيم الثائر ضد ظلم الإنقاذ وشهيد العدل والمساواة الذي لم يساوم ويهادن ولو اراد لنصبوه في موقع يرضاه ولكنه لم يفعل مستهدفا نظاما يقوم علي أسس العدالة والمساواة بفرض سلام مستدام بالتراضى سودانيا،دكتور خليل يحفظ التاريخ تقدمه لجنده فى كل خطوط المواجهات المسلحة مع نظام الإنقاذ إستجابة لنداء شؤم من جهته لمن أراد تغييره ان يحمل سلاحه فى سياق تتفيهه للآخرين وتلك كانت مقصلته،ولأن السيرة بمثلها تذكّر فإنى والله أتحسر على فقد قائد بحجم الراحل الدكتور حون قرنق، ذاك لو عاش ولم يجهز عليه أعداء الإنسانية، لكان عراب تغيير للسودان يضعه في مصاف مفقودة، قراءة هادئة في أسفار شخصيات و َتجارب تفيد وتنفع وتلفت الأنظار للقيادات الحقيقية التى فقدنا منها ما فقدنا بصراعاتنا غير المنتهية وبتقديمنا لصفوفنا لمن لا يستحق حتي ينط السور ليلا آخر لايستحق غير الركل للصفوف الخلفية والركل يستحقه كذلك من تقدم نطة دون تسوير بتسلله خلسة من بين جموع في غفلة من أمرها، والفرص لا زالت تتواتي وتتواتر ولنا دروس وعبر في حرب جنوبنا قبل فصله، ولكنها تتكرر في ملف أزمة دارفور في ظل وجود حركات سودانيةصاغا سليما حاملة لجينات وهويات الشخصيات السودانية المتعددة المتبوتقة فطرة في السودان المفقود جراء ممارسات ناهضتها الحركات المسلحة بقيادات واعية طالبت بحل القضايا الجهوية بقومية أخذا بأسباب الحلول الكلية، شباب دارفوري ممن تواصلنا معهم وحربهم ضد الإنقاذ مستعرة، آمنوا بالقضية السودانية إيمانا صادقا، عرفت منهم من فقدناهم وبينهم كان متحدثا ميدانيا باسم حركة العدل والمساواة و َآخر ترك العيش في اروبا وفضل حمل السلاح في ميادين المواجهة لتغيير النظام والتواصل مع إعلاميين إختارنى بينهم، كلاهما استشهد بصورة أو أخرى، بينى وبينهم حكايات جديرة بالدراسة والتقصى والتأمل الإستفادة مما مضى من تجاريب قيادات وحركات و شخصيات سعت لتغيير مجرى الحياة السودانية،وترن فى أذنى أصوات الشبيبة الدارفورية التي وثقت من حرصى علي حل شامل بسلام مستدام بروح الإيثار والبناء وليس المحاصصة البغضة، صوت مالك تيراب المتحدث الميداني باسم حركة العدل والمساواة حقبة في حياة الدكتور خليل إبراهيم وتلميحاته هيأتني لاستيعاب عملية الذراع الطويل لدى وقوعها وربما كانت سبب جرجرتي في الأمن السياسى متهما بالإنتماء للطابور الخامس المعين لحركة العدل والمساواة لتنفيذ عملية الهجوم الأجرأ علي أمدرمان التي تلقيت بعد فشلها لأسباب غامضة إتصالا مفاجئا من الدكتور خليل إبراهيم بينما كان مانشيت أخبار اليوم في يوم الإتصال منسوبا لوزير الدفاع وقد كان الفريق عبدالرحيم محمد حسين وجاءت العنونة التى أذكرها:
وزير الدفاع :خليل إبراهيم محاصر في جبل مون.
وللتداعيات باقيات مثيرات أنشرها للمرة الأولي.. فترقبوها فى نتفي وخواطري من بيت الحبس
*نقلا غن صحيفة اخبار اليوم الالكترونية