صور من فساد الصحافة السودانية.. بيع الخبر والمانشيت والتقرير والحوار والصحيفة

فصل الصحفيين بسبب مواقفهم
تمييز الصحفيين علي طريقة (القلب ومايريد)
حسن فاروق
المكان صحيفة يومية جلس في أحد مكاتبها أحد صحفييها وسط مجموعة من زملاءه وبعض الضيوف وهويتحدث في هاتفه الجوال بصوت عالي وكأنه يتعمد أن يسمعه الجميع : ( لن أغادر معهم مالم أعرف المبلغ الذي سيقدمونه لنا .. ثم يرفع صوته أكثر لا ياسيد لن أكرر خطأ المرة السابقة فقد كان المبلغ ضعيفا للغاية لذا اذا ارادوا نعكس لهم هذه الجولة عليهم أن يكشفوا لنا من البداية المبلغ وإلا انا شخصيا لن اغادر) دار هذا الحوار بتفاصيله المذكورة بدون حذف أو إضافة .. وهذا النموذج من الفساد الصحفي مع نماذج أخري أصبح يشكل الصحافة السودانية بالدرجة التي اصبح معها اصبح معها الفساد هو الأخلاق والاخلاق هي الفساد في صورة تعكس الإنهيار الرهيب للأخلاقيات التي تأسست عليها المهنة ..
ولم يعد من الاسرار بيع الاخبار والتقارير والحوارات وأعمدة الرأي وعندما لم يعد في الامكان السيطرة الرائحة التي فاحت ولم يعد من سبيل لمنع إنتشارها صار النقاش مفتوحا وعلي مصراعيه في محاولة لإيجاد سبل للعودة للصحافة المهنية الراشدة المهمومة بتمليك الحقائق للرأي العام ..
مصدر نافذ بإحدي الصحف فضل حجب إسمه رأي أن عدد كبير من الناشرين ورؤساء تحرير الصحف يقفون وارء هذا الفساد الذي وصل مرحلة التفسخ كما أطلق عليه مفسرا ذلك بقوله : ( ادارات الصحف تبيع بإختصار الصحفيين الذي يعملون بها للجهات التي يباشرون دوائرها سواء كانت هذه الدوائر حزبية أو حكومية أومؤسسات وشركات أو منظمات تعمل في مجالات مختلفة لأن هذه الجهات تطلب الصحفيين بالاسم وتخاطبهم بشكل مباشر بعيدا عن إدارة الصحيفة والصحيفة في الغالب لغياب السياسة التحريرية الواضحة في هذا الجانب توافق سريعا عندما يطلعها الصحفي علي نيته المغادرة مع الجهة الفلانية رغم علمها أن هذه الرحلات تعتبر واجهة للفساد لاترفض لأنها وفي حالة من حالات الانهيار الاخلاقي تفضل بيع الصحفي لهذه الجهات علي أن تتكفل بكافة منصرفاته المالية من إقامة وإعاشة ونثريات يومية فتكون النتيجة إرتماء هؤلاء الصحفيين في أحضان هذه الجهات التي تلتزم بكافة منصرفاتهم من الألف للياء ) .
الصحفي خالد فتحي عاش تجربة النزاهة وقدسية الخبر عندما غادر إلي منطقة الشمالية مع وفد حكومي وتعامل مع الرحلة بمهنية ولكن النتيجة كانت محبطة له كما ذكر في سرده التالي لتفاصيل هذه الرحلة وكانت وقتها يعمل بصحيفة (الصحافة) قال خالد: (في مارس 2007م ذهبت في رحلة مع والي الشمالية عادل عوض سلمان استغرقت اربعة ايام بلياليها بدأت من دنقلا حتى وادي حلفا في موكب بالسيارات, اذكران الوالي كان حديث العهد بالمنصب اذ لم يكن قد مرعلى تعيينه سوى اشهرقليلة. وكان من المقرر ان تكون (كجبار) احدى محطات الرحلة وكما هو معروف كانت المشاعر متأججة وقتها على خلفية الاحداث الدامية التي شهدتها المنطقة المناهضة لقيام سد “كجبار” . المهم وصل الوفد ونحن برفقته الى المكان وقام الوالي بمخاطبة الحشد الذي جمع في احدى مدارس المنطقة وتماما كما كان متوقعا كان الاجواء عدائية وردد المواطنين هتافات مناوئة لقيام السد شعارات مناوئة مثل «مأساة عبود لن تعود» ، و «لا دال ولا كجبار ارض النوبة للاحرار»، كما رفعوا ملصقات تحمل صورا لضحايا احداث كجبار الشهيرة ، مطالبين بالقصاص من الذين تسببوا في مقتلهم. واوشك الاحتفال ان ينحرف الي اشتباكات بين الشرطة والمواطنين لولا تدخل قائد قوة الشرطة الذي قام باحتواء الموقف حيث امر قواته بالابتعاد عن المكان وعدم الاحتكاك بالمواطنين ، لكن الاوضاع عادت الى التوتر ثانية عندما تقدم معتمد دلقو السابق ومستشار الوالي وقتها ، شيخ الدين مختار لمخاطبة الاحتفال حيث قوبلت كلمته بالرفض والاستهجان الشديدين، مما اضطر الوالي للنهوض سريعا والتدخل ومخاطبة الجمع. في كلمته حاول الوالي امتصاص غضبة الحشود قائلا يا «اهل منطقة فريق، انتم اهل كرم ومروءة وشهامة» ، واضاف ” انا هنا ومعي اعضاء الحكومة تقديرا لأهل فريق واهتماما بالمنطقة والوقوف على مشاكلها والعمل على حلها واحدة تلو الاخرى،” وتابع “جئنا بقلب مفتوح لفتح صفحة جديدة”.
بعدها وكما درجت العادة قمت بارسال الخبر الى جريدة “الصحافة” وكنت وقتها احد محرريها وحرصت على نقل المشاهد كما وقعت دون حذف اواضافة وفي اليوم التالي جن جنون بعض كبار بالوفد المرافق للوالي واتهموني بانني بالغت في نقل الصورة وانني بتلك الطريقة قد اسهم في تأجيج النيران المشتعلة اصلا في وقت يريد الجميع اخمادها مما يعني افشال الخطوة برمتها في خاتمة المطاف. ولاحظت ان البعض اصبح يتحاشون حتى مجرد الحديث معي وضربوا علي نوع من العزلة بالدرجة التي حرصت على قضاء معظم الاوقات داخل السيارة لا اترجل منها الا لحضور مخاطبة رسمية. والدرس الذي تعلمته من الحادثة ان الصحفي يجب ان لايذهب ابدا في مرافقة اي جهة لانها حال تكفلت بترحيله واقامته واعاشته فلا شك ان ذلك سيكون خضما على مهنتيته وعلى قدرته على قول الحقيقة ونقل الحقائق لجمهورالقراء بصدق كما وقعت وليس كما ترغب الجهة التي قامت بدعوته.) ..
محمد عبد القادر نائب رئيس تحرير الرأي العام: لم نفصل صحفي بسبب موقفه
ولأن الاسباب تتعدد والفساد واحد مع تعدد التسميات هناك بعض الصحف تلجأ لتصفية حساباتها مع الصحفيين العاملين لديها بتصنيف قربهم وبعدهم عن سياسة تحريرها المنحازة للنظام الحاكم أو لمؤسسات وشركات وأفراد فلتجأ لأسلوب الفصل التعسفي من العمل وكثرت في الآونة الاخيرة داخل الصحف إتجاهات التضييق علي الصحفيين إما بإجبارهم بأساليب ملتوية علي المغادرة وتقديم إستقالاتهم أو فصلهم عن العمل.. صحيفة الرأي العام لجأت لأسلوب الفصل عن العمل لعدد من الصحفيين وفي إتصال هاتفي جمعني مع نائب رئيس تحريرها محمد عبد القادر وجهت إليه إتهام فصلهم لعدد من هؤلاء الصحفيين بسبب مواقفهم السياسية فنفي ذلك بقوله: (
الرأي العام تختلف بحكم تكوينها التاريخي أنها صحيفة كلها قيم ومباديء صحفية ومهنية راسخة عمرها 66عاما لذلك هي مميزة كمؤسسة وهذا التميز اراه في صالح المحرر لأن الصحفي يتقدم في الرأي العام بمواهبه وقدراته وإمكانياته وعقيدة الصحيفة قائمة علي تشجيع التنوع لذلك لايوجد صحفي في الرأي العام يقيم حسب مواقفه والدليل علي ذلك أن اغلب رؤساء التحرير تخرجوا من مدرسة الرأي العام وأنجح الصحفيين الموجودين تخرجوا منها .
وظلت الصحيفة تقدم كادر مهني والمهنية فقط هي المعيار في تقدم أو تأخر الصحفي ويرجع ذلك لوجود نموذج مؤثر حيث بها هيكل مؤسسي لتقدم التجربة ).
وعن الانتماءات السياسية ووضعها كتقييم للصحفي بعيدا عن الكفاءة يقول عبدالقادر:
(لدينا صحفيون يمثلون مختلف الإنتماءات السياسية ولم يحدث أن تم إبعاد أو إيقاف صحفي علي خلفية إنتماءه السياسي .. وهنالك نماذج لقيادات صحفية في الوسط والرأي العام نالت حظها من الترقي والنجاح دون أن يكون السبب في ذلك سند سياسي أو علاقة قرابة ولاحتي رضا النظام فالنظام والمؤسسة لايصنعان الصحفي الجيد صحيح هناك مؤسسات تصنع الصحفي وهذه (كناتين) مثلها مثل مؤسسات الأسر الصحفية وهذه عطاءها محدود للغاية ..
قد يكون هناك صحفيون والحديث لمحمد عبدالقادر محظوظون إستطاعوا أن يجدوا علاقات ترفعهم للامام ولكن النجاح في أيديهم بالامكانيات والقدرات والكفاءة ..)
ويعترف نائب رئيس تحرير صحيفة الرأي العام بإيقاف صحفيين ولكنه يرفض الاسباب المذكورة قائلا :
(عندنا في الرأي العام لم يحدث إيقاف صحفي بسبب موقف سياسي والإيقاف الذي حدث عندنا في منتصف الشهر الجاري حيث أوقف ولأسباب متعلقة بالهيكلة 12صحفي متعاون وهذا الإجراء إستهدف بند التعاون وبين الموقوفين من ينتمون للمؤتمر الوطني واليسار والمستقلين)
*هيثم كابو / : أعترف أنني جاملت في كتاباتي
أيضا من أشكال الفساد المهني المنتشرة في عدد من الصحف العلاقات الشخصية ومزاج رئيس التحرير أو الناشر في وضع خطوط حمراء بالصحيفة تمنع المساس بجهات أو افراد له معهم تقاطعات ومصالح
هيثم كابو رئيس تحرير صحيفة فنون نفي لجؤه داخل الصحيفة التي يرأس تحريرها لهذه الأساليب قائلا : (بالنسبة لي لم تتحكم العلاقات الشخصية في سياسة تحرير الصحيفة فطبيعة شخصيتي لا تسمح بذلك والجهه أو الفرد الذي يستخدم هذه الأساليب يعرف جيدا كيف يختار فريسته لتمرير أجندته وشخصيتي ككاتب لاتسمح بتمرير مثل هذه الاجندة وكرئيس تحرير يتم إنتقاد أصدقائي في الوسط الفني في الصحيفة والآراء عندنا متباينة مابين كاتب وآخر .)
ويعترف كابو أن كتباته لم تعد كما كانت في السابق بقوله : (أعترف أنني في الفترة الأخيرة جاملت في كتاباتي علي حساب بعض الاشياء التي لم أكن أجامل فيها فهناك بعد إنساني بدأ يتسلل لكتاباتي في السابق إذا هاجمني أحد كنت أهاجمه بشراسة لكن في الفترة الاخيرة صرت أغض الطرف .)
ويؤكد هيثم علي سيطرة التقاطعات مثل الاعلان والعلاقات المشبوهة علي سياسة تحرير الصحف أوغالبيتها قائلا: (بصفة عامة يوجد في الصحافة سيطرة وتقاطعات خطيرة مثل الاعلان والعلاقات المشبوهة ونجد مثلا هناك قضايا تمس حياة المواطن لاتنشر لأنها مرتبطة بالاعلان .. ولو كنت محررا إقتصاديا هناك ملفات كثيرة يجب أن تفتح ولكنها لاتفتح ورؤساء التحرير لايكونوا حريصين علي فتحها مثل مايحدث في شركات الطيران .. والاخطر الاتهامات أن فتح هذه الملفات يقابله إتهام بالابتزاز لكسب الإعلان ويغلق الملف بمجرد وصول الإعلان .ويضيف :العلاقات الفردية موجودة أيضا ولكنها ليست كثيرة وعدد كبير من المحررين يفهم نفسية رئيس التحرير لذا يتجنب بعضهم مايعتبره مساسا بعلاقاته وتقاطعاته والعلاقات الفردية وتحكمها في سياسة تحرير الصحف نجدها أكبر وإنتشارها أكثر في الصحافة الرياضية .)
رئيس تحرير يوزع صحيفة لوحده
من غرائب اشكال الفساد الموجودة في الصحافة السودانية هذه الرواية التي جاءت علي لسان صحفي فضل أيضا حجب إسمه اقدمها كما هي قال الصحفي : ( الصحيفة التي أعمل بها يومية في كل الإجتماعات التي كانت تجمعنا برئيس تحريرها نواجه داوما بإنتقادات في العمل وحديث مباشر أن إرتفاع توزيع الجريدة يعود في الاول والآخر لشخصه من خلال كتاباته وأن الصحيفة عدا ذلك لاتساوي شيئا رغم أنها تصدر ستة عشر صفحة مؤكدا أن هذه النوعية من رؤساء التحرير يصعدون علي أكتاف الصحفيين ويبنون مايظنونها أمجاد شخصية بمجهود الصحفيين وهذه الشخصيات والحديث للصحفي التي أعتبرها مريضة بالبرانويا تمارس فساد الاقصاء للصحفيين وتحدد حركتهم في مساحات تختارها مع التركيز علي أن يظل رئيس التحرير هوالنجم الاوحد والافضل والاميز دوما ويضيف الصحفي ساخرا هذه الكلمات ليست من عندي ولكنه من يرددها علي مسامعنا بإستمرار وقد لاتصدق والحديث للصحفي لو قلت أن قمة السعادة عند رئيس التحرير عندما يقال جريدة فلان بإسمه وليس إسم الصحيفة الاصلي.
عثمان فضل الله / الصحفي المميز الاقرب عندي ولاأتعامل مع الغبي
الخيار والفقوس و(القلب ومايريد) ظاهرة يري كثير من الصحفيين الذين إستطلعتهم أنها إنتشرت مثل النار في الهشيم في الحياة الصحفية وصار المنصب علي حسب تعبيرهم يعني الحاشية والصحفية المقربة والصحفي المقرب وهؤلاء يتمتعون بإمتيازات تفوق الخيال لاتتناسب كمايقولون من الامكانيات الصحفية ويري بعضهم أن الامكانيات والقدرات يمكن أن تكون أشياء أخري لاعلاقة لها بالتقييم المهني وهذه الامتيازات تظهر في الراتب الشهري والتمييز في أبراز المواد في الصحيفة وحتي المكان داخل الصحيفة يختلف عن بقية الزملاء إما مكتب خاص أو تواجد دائم في مكاتب القيادات وهي تعتبر عندهم فساد مهنة لأن من يتواجد في كرسي القيادة أكد بهذه الممارسات أنه أصغر بكثير من الموقع الذي يشغله ..
حملت هذه الاتهامات لعثمان فضل مدير تحرير صحيفة السوداني الذي بدأ حديثه معي بقوله 🙁 هل انا من هذه النوعية؟ لاأستطيع أن أحكم لأنني أفترض في نفسي الصواب وأترك الحكم للآخرين في ماقلته .. ولكن بقدر ماأستطيع الصحفي صاحب العمل المميز هو الاقرب لي وهي قد تكون محمدة وقد لاتكون ولكن في كل الأحوال لاأتعامل مع الصحفي (الغبي) .. وبجانب ذلك لدي حساسية تجاه التسييس واعني الصحفي الذي يوظف العمل لصالح حزبه .)
. وعن الخيار والفقوس والتمييز بين الصحفييين قال عثمان: (بالنسبة للوسط الصحفي والمجاملات والعلاقات الشخصية التي تحكم تمييز هذا الصحفي أو تلك الصحفية هناك شكاوي ولاأستطيع التعميم ولكن هناك بعض الحالات ضعيفة في عملها تلجأ لترويج مثل هذه الأشياء ولدي نماذج بدون ذكر أسماء مثل القول فصلوني لأسباب سياسية او يتم ترصدي من القيادي الفلاني لأن كفاءتي أفضل منه وهو في الأساس فاشل وهناك نماذج حية .
كما توجد والحديث لعثمان فضل الله مشاكل بقيادات الصحف وبعض هذه القيادات لإرضاء الناشر يمكن أن تظلم الصحفي وقد يصل الامر عند هذه القيادات أن تقوم بإيصال رسالة للناشر انها قادرة علي إنتاج صحيفة بأقل التكاليف وتظلم الصحفيين كثيرا .
ويضيف : (أيضا الفراغ الموجود في بعض الصحف وقلة الكادر المؤهل جعل بعض عاطلي الموهبة وأصحاب الخبرات القليلة يتبوأون مناصب قيادية في الصحف وهؤلاء أحكامهم شخصية ووجوده في هذا المنصب يجعل ثقته في نفسه معدومة لأن جلس في هذا المكان لأسباب لاعلاقة لها بالكفاءة لذا أقول وصول صحفي إلي موقع قيادي بطريقة ملتوية عمله بكل تأكيد يكون ملتويا .
هناك أيضا مشكلة تتعلق بإختيار الناشرين للقيادات الصحفية التي لاتتم وفق معيار الكفاءة ولكن لمعايير أخري منها الولاء السياسي والعلاقات العامة والشخصية .. بشكل عام صحافتنا بها أزمة حقيقية في الإدارة .
(عن فيسبوك ؛ ملاحظات الكاتب الصحفي حسن فاروق )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *