صلوات’للرئيس السوداني’في انتظار القضاء أو الكفارة

محجوب حسين


في تأكيد مكرر ومعاد ومتجدد، أكد الرئيس السوداني،’وفي خطاب جماهيري بمدينة ‘ الأبيض’ غرب السودان ‘أن نهاية هذا العام 2013، الذي لم يتبق منه إلا أســـابيع، سوف يقضي على التمرد’. هذا التصريح أيضا شبيه ومماثل لأول بيان عسكري له في أواخر العام 2003، بصفته القائد الأعلى للجيش، الذي أعــــلن فيه آنذاك ‘حسم التمرد نهائيا في دارفور’، حيث فاجأته قوات الحركات وبعد أيام معــــدودات بدخول مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور واعتقال قائد القــــيادة العسكرية الغربية ‘وتدمير كل الطائرات العسكرية الرابضة في المطار، وانتشار قوات الثورة المسلحة جنوبا’في جنوب دارفور، فيما الصراع العسكري استمر إلى يومنا هذا من دون آفاق جدية لحل الصراع.

عينة التصريحات السابقة’ذات صلة وارتباط ‘بتصريحات أخرى للرئيس السوداني تصب في نفس السياق، حيث قال ‘في شهر ايار/’مايو من العام 2012، وفي احتفال بمنطقة تلودي غرب السودان انه ‘بمثل ما صلى في هذه الجمعة أي وقتئذ بمنطقة تلودي فإنه سوف يصلي الجمعة القادمة في كاودا’، وكاودا تمثل رمزية عسكرية’لتحالف قوى الجبهة الثورية السودانية، التي تسعى لإسقاط نظام البشير وتحقيق معاني الاستقلال الثاني بإعادة هيكلة الدولة من جديد، فيما أضاف نائبه الثاني’في أواخر كانون الاول/ ديسمبر من العام ذاته قائلا، ‘سنلاحق المتمردين شبرا شبرا، خورا خورا، غابة وغابة، وإن عام 2013 سيكون عام حسم التمرد في السودان’، مضيفا قوله ‘سنصلي في كاودا قريبا’.

ضمن هذا الإطار، وفي مقاربة جمعية لمسلسل التصريحات الرئاسية الرامية لحسم ‘التمرد’ عبر السحق أو الملاحقة، ومن ثم الصلاة من جانب، ومن جانب ثان’ثورة الاستحقاقات الوطنية للشعب السوداني التي تساوي ‘التمرد’ عند السلطة، نجد أن ترمومتر الحراك السوداني الطامح لوضع أطر عقلانية ‘لمستقبله في الأمد القريب والمنظور واقعا بين رمزية تلك الصلاة المرتقبة’في كاودا، التي لم يحققها النظام حتى الان، ومشروعية سعي الشعب السوداني في العمل على تثبيت وتحقيق ‘الاستقلال الثاني’ بالصلاة في القصر الجمهوري، بعدما فشل الاستقلال الأول، الذي تم خطفه وشوهت معانيه ورمزياته في سيناريو تراجيدي ومؤلم.

إن وقوع هذه ‘الصلوات الرئاسية’ المرتقبة، التي ترمز لانتصار النظام الحاكم على ما سموه بـ’التمرد’، هو’كسر لإرادة الشعب السوداني في إنهاء الاستبداد وإسقاط ‘نظام البياض، عبر سحقه للمقاومة ومن ثم الصلاة في كاودا في توظيف جيد من السلطة لمعاني ودلالات فريضة الصلاة، كفعل ديني’في صناعة الخطاب السياسي، هذا من دون أن ننسى أن الصلاة نفسها فريضة للمسلمين، فكما يجوز للآخر ‘الحاكم’ الصلاة في كاودا يجوز أيضا ‘للثوار’ الصلاة في القصر الجمهوري، فقط الاختلاف في أدبيات وفلسفة كل طرف أو فريق وعلاقته بتوظيف المقدس، حتى لو جاء في هزائمه، وفي حال كهذا’المؤكد ان وقوع ‘تلك الصلاة المنتظرة والمرتقبة’قد’تقطع الطريق أمام الثورة السياسية المسلحة ممثلة في ‘الجبهة الثورية’ والقوى المدنية الديمقراطية الأخرى المتحالفة معها،’لأجل التقدم والانتصار، وهذا يأتي’رغم انتشار قواتهم المسلحة الثورية والمدنية الثورية في جميع أجزاء السودان، لا سيما الغربية والجنوبية ‘الجديدة’، بعد مؤامرة تقسيم الوطن.

وفي المقابل نجد أن إنتفاء وقوع وتحقيق الصلاة الرئاسية’في كاودا التي طالت، بل تعثرت، ولا يمكن من ناحية عملياتية إنجازها كوعيد بحسم التمرد’منذ العام 2003، هذا معناه تغيير في موازين القوى لصالح تقدم قوات المقاومة بثبات نحو الهدف الوطني، انتصارا لإرادة الثورة السودانية’ونجاحها في تحقيق أهداف الثورة ‘بالزحف والصلاة في القصر الجمهوري – في مقابلة الصلاة في كاودا-’لغرض إعادة رفع العلم السوداني مرة ثانية، بعد’تطوير مفاهيمه ومراجعتها وغربلتها ‘كاستحقاق تاريخي، وفي استقلال جديد للشعوب السودانية لترجمة معاني الاستقلال الحقيقية،’في الحرية والكرامة الإنسانية، بعدما تعرضت تلك المعاني للذبح والمصادرة أكثر من نصف قرن، ولكن بشكل أكثر ضراوة في العقدين الماضيين، جراء سيطرة ‘منظومة اللاهوت العسكرية الحاكمة، التي تبوأت اليوم الحكم والثروة واحتكرت الدين الرسمي والشعبي، وتعمد الى’إنتاجه والإفتاء فيه كما ترى، وتوزيعه في شكل صكوك وكمبيالات وأتاوات وشيكات من دون رصيد.

إن ثنائية كاودا مع حلفائها الديمقراطيين و’سرايا غردون’ الذي يؤمه نفر من ‘العسكريين من فئة التجار الذين يبيعون ويتاجرون في كل شيء عدا كرسي السلطة، حيث تم بيع كل السودان في أراضيه ومائه ولم يتبق إلا شعبه في انتظار عرض جيد! هؤلاء حصريا يشكلون’جوهر صراع القيم السوداني القائــــــم، وما بين هاتين المركزيتين، سواء عبرت عنها أجهزة الحــــكم بأمل الصلاة في كاودا، أو عبرت عنها الأخيرة بالزحف إلى الخرطوم للصلاة في القصر الجمهوري ـ مركز الحكم السوداني – نجدها معادلة مبررة مع الفارق في مستوى ودرجات الشرعية بين المصادر للحقوق والآخر الذي يسعى لإرجاع حقوق الناس، ممثلة في’الدولة الواقعة تحت حكم وصايا ‘لوبي ‘البزنسعسكرتاريا’ أي العسكر التجار. ما سبق هو رسم بياني لشكل الصراع السوداني،’الذي’وصل إلى سدرة منتهاه، وتوقف معه العقل الحاكم عن النحت الإيجابي ‘للإقرار بحقيقة الأزمة السودانية في تمثلاتها المختلفة وكارثيتها،’التي تتطلب تسوية تاريخية شجاعة في عقد جديد’قائم على إلغاء كل المنتجات القائمة والمفروضة والقهرية القسرية كمدخل منهجي للمعالجة، ومن ثم التوافق على منتجات جديدة، ممكنة ومقبولة وعقلانية تستطيع أن تجيب على كل المسكوت عنه، وهو أس الجدل السوداني والعبور إليه لا يتم من دون استعادة الدولة أولا، ثم مساءلة الدولة في الحقوق والواجبات والقانون والمواطنة والعدالة وإرسائها بموضوعية… إلخ. إن عمق الصراع هو صراع تضاد حاد بين ‘فكر الإلغاء’ و’حق الوجود’، والأخير لا يمكن التنازل عنه لأنه يجسد قيمة إنسانية فطرية قبل أن تترجم إلى فعل دستوري أو قانوني مؤسسي تنتظم فيه حياة الناس، سواء جاء في شكل دولة أو إمارة أو ثكنة أو بلاط ملكي.

إن الصراع السوداني اليوم يختلف عن سابقيه بعدما انكشفت واتضحت فيه كل أجهزة الصمت والفكر والتكوين والمنطلقات والمرجعيات والتابوات، التي تتعاطى مع الشأن السوداني تاريخيا، وتعمل على إلغاء الشعب السوداني بمفردات أيديولوجية متباينة، وهو’الشيء الذي ‘أحدث ردة عميقة في كل بنيات تفكير الذات السودانية، التي تقود اليوم مشروعا سياسيا حول تحقيق الذات في تشكلاتها السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية، وتلغي كل أدوات التشويه والخلل التي سيطرت على هذه الذات التي بدت غير متصالحة مع ذاتها، ولا تقبل ذاتها كما لا تقبل الآخر، وبالتالي فإن الأمر حاد وعميق ولا يتحقق إلا بتحقيق تلك الذات ذاتيتها، وهي الذات الجمعية للشعب السوداني، كذات عاقلة وطموحة ومتفائلة عمدت الإنقاذ الى إلغائها وتسعى لقتلها لتمضي في ‘كذبة’ الحكم الوطني والإسلامي والديمقراطي والسماوي والتنموي والطاهر والقانوني والمؤسسي والإنساني والفريد والراشد والاستثنائي، وعندما تحصل المصادمة والحراك الشعبي والعسكري ضدها يبقى افراد الشعب ‘شذاذ الأفاق’ وعليهم ‘لحس كوعهم’ إن أرادوا المنازلة، أو مخربين يتم اصطيادهم. أما القوى العسكرية الثورية فهم عملاء للأجنبي وخونة وأعداء ومتمردون وحاقدون…. إلخ من النعوتات السلبية، هذا يتم من’دون مجهود أو عناء في التفكير’لمساءلة موضوعية للواقع وأسسه القائمة والقائلة، إننا مختلفون ولم نكن متفقين في شيء، في حين هناك قابلية للاتفاق وفق مشتركات معروفة ومعلومة،’وبالتالي ليس هناك معنى للإسقاطات الجاهزة والمعلبة ‘المستوردة أو المصنعة محليا، ما دام ليس هناك شيء في الأصل متفق حوله أو عليه، هذا من’دون أن ننسى مسعى الجميع المصوب تجاه الاتفاق والتوافق لنتاجات جديدة لإنهاء ‘الجدل والصراع السودانيين، ودونها تبقى شرعية إعلان الاستقلال الثاني’في القصر الجمهوري رغم أنها مكلفة،’إلا أنها ‘قائمة وقادمة لا محالة، بل واقعة، خصوصا ان الشعب رفع التمام للتغيير وحدد المؤذن لرفع الصلاة، إنه سيناريو الحسم ‘الذي هو تاريخي كما تقول مؤشرات نهاية الصراع السوداني،’التي حددت في العام الجديد، عام 2014 وفي شهوره الإثني عشر’التي سوف تبدأ ‘في كانون الثاني/يناير القادم’وتنتهي وفق التقويم في ديسمبر، وما بين يناير وديسمبر القادمين قد يرفع العلم السوداني في’ سرايا غردون’ من دون أن تتحقق أو’تقع تلك الصلاة المزعومة في كاودا، ولصاحبها عندئذ حق القضاء أو الكفارة إن أراد. ‘
كاتب سوداني مقيم في لندن

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *