ثروت قاسم
1- موسوعة غينيس للارقام القياسية ؟
في يوم الاحد 5 نوفمبر 2017 ، نحتفل بالذكرى 134 لمعركة شيكان ، التي دخلت ، وبجدارة ، مجموعة غينيس للارقام القياسية . في هذه الذكرى نسترجع بعض ما كتبناه في مقالات سابقة حول معركة شيكان ، تذكرة للمؤمنين ، خصوصاً وآفة حارتنا النسيان . لم تدخل معركة شيكان مجموعة غينيس عبثاً ، وإنما لانها تمثل كشكولاً من الإستثناءات والابداع
ات والإختراقات ما انزل الله بها من سلطان . نحاول تجميع هذه الإستثناءات تحت اربعة ابواب ادناه ، لتضح الصورة اكثر ، بالتركيز على كل إستثناء على حدة .
هذه الابواب ، وإن شئت الدقة ، رؤوس المواضيع هي :
+ نبذة مختصرة عن معركة شيكان ، مع فيديو مصاحب .
+ معركة شيكان والنظرية الشيوعية .
+ عبقرية الامام الاكبر عليه السلام في التخطيط والتعبئة والتنفيذ .
+ الفكرة المهدية حاضنة شيكان .
2- نبذة مختصرة عن معركة شيكان ، مع فيديو مصاحب .
قبل أن يؤذن المؤذن لصلاة الفجر خارج غابة شيكان في مديرية كردفان الخديوية في يوم الأثنين 5 نوفمبر 1883 ، ينطلق حمدان أبوعنجة على صهوة جواده الابيض متبختراً أمام صفوف الرآية الزرقاء . عندما يحاذي الأمير حمدان وفرسانه الإمام الاكبر عليه السلام ، وهو واقف كالطود علي الفروة تحت التبلدية ، يهتف الأمير حمدان:
الخير قرّب ، ياسيدي .
يبتسم الإمام الأكبر عليه السلام ويجيب:
صدقت يا حمدان … الخير قرّب.
خلال معركة لم تدم أكثر من 15 دقيقة، أبادت قوات الإمام المجاهدة جيش الخديوي توفيق الغازي ، بقيادة الجنرال هكس ، إبادة كاملة.
ودخلت شيكان موسوعة غينيس للأرقام القياسية ، كأقصر معركة في التاريخ ، وكأول وآخر معركة يفني فيها جيش جيشاً آخر عن بكرة أبيه .
بعدها وقف اللورد فتز مورس حزيناً في مجلس اللوردات في لندن وهو يقول :
… لعلّ التاريخ لم يشهد، منذ أن لاقى جيش فرعون نحبه في البحر الأحمر كارثة، مثل تلك التي حلّت بجيش هكس في صحاري كردفان، حيث أُفني عن آخره، وقضي عليه قضاءً مبرماً .
معركة شيكان معركة خاضها كل ابناء السودان من كل القبائل المهمشة ، وهم يرفعون رايات الدين الإسلامي الحنيف . جسد الدين الإسلامي الوحدة الوطنية السودانية في أنبل معانيها ؛ وإستطاعت نيران الدين المُجسدة في الوحدة الوطنية أن تهزم التفوق في العدد والعتاد الخديوي . وأن تفل بالدين والإيمان والتخطيط السليم البارود والمدافع.
كانت تلك أيام نضرات .
كانت تلك ثمار الوحدة الوطنية في شيكان في ذاك الاثنين 5 نوفمبر 1883 . فهل لنا بوحدة وطنية جديدة تخرجنا من عنق الزجاجة ، ومن هذه الايام البئيئسات .
إنتظروا . إنا معكم منتظرون .
من نتائج معركة شيكان ، يمكن الاشارة للآتي :
+ كسب الامام الاكبر مادياً ، حيث غنم عتاد حملة هكس ، خصوصاً الاسلحة الثقيلة .
+ كسب الامام الاكبر معنوياً ، حيث بدأت الوفود تتوافد عليه ، مؤيدة وداعمة ، من داخل وخارج السودان .
+ ارسل الامام الاكبر الامير محمد خالد زقل لضم دارفور ، والامير كرم الله كركساوي لضم بحر الغزال ، وإستعد الامام الاكبر للتوجه للخرطوم .
+ اصاب الاحباط والذعر والخوف قوات الخديوي ، وأبدت بريطانيا رغبتها في إخلاء السودان .
صارت كل الانوار خضراء امام الامام الاكبر عليه السلام في الطريق من الابيض إلى الخرطوم .
شاهد شريط فيديو يصور معركة شيكان على الرابط أدناه :
3- معركة شيكان والنظرية الشيوعية .
في فبراير 1844، قال الفيلسوف والمفكر الالماني كارل ماركس ، مقولته التي سارت بها الركبان :
Die Religion ist das Opium des Volkes .
الدين أفيون الشعوب !
بعد 39 سنة من مقولته ، وبعد أقل من شهر من معركة شيكان ، وبسبب معركة شيكان حصرياً ، غير ماركس موقفه ، وموقف النظرية الشيوعية من الدين ، من الرأس إلى العقب .
في كتابه المقرؤ … قراءة عصرية في منشورات المهدية … يحدثنا الدكتور محمد وقيع الله ، بأن كارل ماركس قد كتب في يوم الثلاثاء 27 نوفمبر 1883 ، بعد أقل من شهر من معركة شيكان ، لصديقه فردريك انجلز مفكر الشيوعية الأبرز رسالة مفتاحية في الأدبيات الشيوعية ، غيرت موقع الدين في النظرية الشيوعية رأساً على عقب .
قال ماركس في رسالته :
… إن الأخبار التي تأتينا من السودان، في هذه الأيام، أخبار مثيرة للفكر، وإنها ستدفع بنا إلى أن نحيل النظر في مجمل بنية المذهب الشيوعي، الذي ندعو إليه، وستجبرنا على إعادة التأمل في حديثنا عن أن الدين إنما هو مجرد إفراز للوضع الطبقي! .
ثم يستطرد ، حسب الدكتور محمد وقيع الله ، قائلا :
… فإن الدين الإسلامي، بهذه الصيغة الثورية المهدوية المتفجرة في السودان، أصبح، وسيضحى وقوداً للثورة العالمية ضد الإمبريالية !
غير الإمام الأكبر عليه السلام المفاهيم الأساسية في النظرية الشيوعية ، وقلبها رأساً على عقب .
بعد شيكان ، لم يعد الدين مجرد إفراز للوضع الطبقي ، كما كان يدعو كارل ماركس ، وبالتالي النظرية الشيوعية !
بعد شيكان ، صار الدين وقوداً للثورة العالمية ضد الإمبريالية في النظرية الشيوعية حسب كارل ماركس ، وليس ستالين الذي شوه النظرية الشيوعية وأخرجها من إطارها الفكري ، بإستعمال الدين للتخلص من أعدائه الوهميين .
بعد معركة شيكان ، لم تعد النظرية الشيوعية تفصل الدين عن المجتمع ، ولا عن السياسة ولا عن الدولة . صار الدين وقوداً ومحركاً للثورة العالمية ضد الإمبريالية.
في كلمة كما في مية ، بسبب شيكان ، لم يعد الدين افيون الشعوب ، بل الصاعق المفجر للثورة العالمية ضد الظلم .
4- عبقرية الامام الاكبر عليه السلام في التخطيط والتعبئة والتنفيذ .
ذكر الواقدي أن أول ما قال الرسول ( ص ) ، الحرب خدعة ، في غزوة الخندق .
التخطيط السليم ، والتعبئة الروحية ، والتنظيم الصارم ، والضبط والربط ، والخطة العسكرية المفصلة ، وتوزيع المهام العسكرية على القادة ، وتوقيت ساعة الهجوم ، والاختفاء على رؤوس الاشجار في غابة شيكان … هذه وتلك من عبقريات الامام الأكبر عليه السلام الميدانية في شيكان ، سهلت الانتصار على قوات هكس في معركة شيكان في اقل من ربع ساعة زمان .
في المقابل ، وعلى سبيل المقارنة لتضح الصورة أكثر ، استمرت معركة او بالاحرى عملية كرري الانتحارية ساعتين من الساعة السادسة الى الثامنة صباح الجمعة 2 سبتمبر 1898 ، ومات خلالها 18 الف من انصار الله واكثر من 30 الف جريح ، الذين كانوا يرمون بانفسهم كالخراف تحت وابل من نيران المدفعية والرشاشات الاتوماتيكية من باشبوزوق كتشنر .
تمثل كرري قمة الغباء الانساني بالمقارنة مع التخطيط الذكي للامام الاكبر عليه السلام في معركة شيكان … فالحرب خدعة ، كما برهنت غزوة الخندق ، ومعركة شيكان .
برهن الامام الاكبر عليه السلام ، في شيكان ، أن أرادة الشعوب من أرادة الله ، وكم من فئة قليلة العدد ومزجاة السلاح غلبت فئة كثيرة العدد وماضية السلاح بأذن الله اولا ، وبارادة الشعب السوداني ثانيأ ، وبالقيادةالرشيدة الملهمة ثالثا .
برهن الامام الاكبر عليه السلام أنه :
اذَا التَفَّ حَوْلَ الحقِّ قَوْمٌ ، فَإنّهُ يُصَرِّمُ أحْدَاثُ الزَّمانِ وَيُبْرِمُ !
والوزن يؤمئذ الحق .
5- الفكرة المهدية حاضنة شيكان .
لا يؤمن الامام الاكبر عليه السلام بعودة الامام الشيعي الاثني عشر محمد المهدي ، بعد اكثر من الف سنة على غيبته الكبرى ، ليشارك في معارك عسكرية آخر الزمان ، كما يقول المذهب الشيعي .
لا يؤمن الامام الاكبر عليه السلام بظهور المهدي المنتظر آخر الزمان لينشر العدل ، كما يقول بعض أمة المذاهب السنية .
حسب الامام الاكبر عليه السلام فان مهديته ، مهدية وظيفية ، ذات مهام واهداف محددة ، نذكر منها ثلاثة ادناه ، مثالاً وليس حصراً :
اولاً :
+ إحياء وتجديد الدين الصحيح حسب قطعيات الوحي في الكتاب وصحيح السنة ، وعلى سنة الحديث النبوي الشريف :
إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا ،
وعلى نهج :
لكل وقت ومقام حال ، ولكل زمان وأوان رجال .
نعم … المهدية حركة بعث ديني ، حركة اصلاح ، حركة تعبير وتوكيد للمرجعيات الإسلامية الصحيحة والأصيلة الواردة في قطعيات الوحي وصحيح السنة … حركة إحياء وتجديد ديني بأمتياز.
ثانياً :
+ الجهاد المسلح لنيل الاستقلال الوطني ، وطرد المستعمر الخديوي الاجنبي ، وتحرير الانسان السوداني ، على سنة 157 الاعراف :
… ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم …
تميزت الفكرة المهدية بانها كانت إقصائية لكل الوافد ، خصوصاً المستعمر الخديوي المستبد ، لأن البلاد كانت تعاني من درجة كبيرة من الظلم ، ومن الاستلاب، ومن التمزق، ومن الاحباط ، ما أوجب خلق طاقة هائلة لبناء الذات ، واستنهاض الهمة ، لتأسيس النظام الجديد .
ثالثاً :
+ خلق المواطن الصالح المستقيم حسب 13 الاحقاف :
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ .
الفكرة المهدية … ثورة لبناء دولة المواطنة ، وتجسيد للخصوصية السودانية ، ثورة لخلق دولة حية متعددة الإثنيات واللغات والأديان والثقافات بمرجعية اسلامية ، وترسيخ مبدأ السودان للسودانيين
.
الفكرة المهدية … حاضنة شيكان ، ومن كانت حاضنته الفكرة المهدية فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون .