زعيم «العدل والمساواة»: متمسكون بمنبر الدوحة حتى تحقيق السلام

الدوحة – محمد الشياظمي

نفى الدكتور خليل إبراهيم زعيم حركة العدل والمساواة أن يكون مسار مفاوضات الدوحة حول دارفور بين الحركة والحكومة السودانية قد توقف بعد التطورات الأخيرة التي ظهرت في موقف الحكومة، وقال إبراهيم الذي يزور الدوحة حاليا برفقة قيادات عليا في الحركة: “لم نجمد المفاوضات، ومسار التفاوض مستمر وقائم، ونرغب أن يبقى مستمرا حتى تحقيق الأهداف، وليست لدينا أية نية في نقله إلى أي مكان آخر غير الدوحة”، وأضاف: “طلبنا من الوساطة ضرورة تحديد أطراف ومنهج المفاوضات، تفاديا لتعقد الأمور وصعوبة الاستمرار فيها”.

وأكد إبراهيم خلال مؤتمر صحفي أمس بالدوحة “أن وصوله إلى الدوحة جاء بناء على رغبة قوية من قادة الحركة في التشاور مع القيادة القطرية والوساطة المشتركة بغرض إعطاء دفعة جديدة لمسار المفاوضات، وبقصد المضي في العملية السلمية في منبر الدوحة”، ورأى إبراهيم أن الحركة تريد الوقوف على مدى استعداد الحكومة السودانية في الخرطوم للاستمرار في العملية التفاوضية، وتحقيق السلام”، مشيرا إلى أن “الحركة لم تحاول تنزيل أية معطيات جديدة على الأرض من جهتها، بل أبدت استعدادها للمضي في تقديم أكبر التنازلات بما يخدم تحقيق الوحدة الوطنية والسلام الشامل في كل ركن من ربوع السودان”، وهو ما يفرض اليوم -بحسب إبراهيم- على القيادات تحمل مسؤولياتها كاملة بهذا الصدد.

واتهم إبراهيم الحكومة السودانية بإعداد حشود عسكرية استعداداً لشن حرب على أهالي دارفور، وقال: “لدينا معلومات بأن الحكومة تستعد لشن حرب في الإقليم، وهو ما يوضح تنصل الحكومة من اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في الدوحة في فبراير الماضي، ويظهر أن حكومة البشير ليس لديها أي استعداد لمواصلة جهود السلام، في الوقت الذي تحتفظ فيه الحركة بخيار السلام كخيار استراتيجي، وملتزمة به مع باقي الأطراف، إلى جانب اتفاق حسن النوايا لإنهاء الصراع في دارفور”.

وقلل زعيم “العدل والمساواة” من شأن المزاعم التي نسبت إلى حركته بخصوص دعوتها إلى تأجيل الانتخابات في السودان لخمس سنوات مقبلة، وقال إبراهيم: “لم نقل هذا الكلام.. لا شفاهة ولا كتابة، بل قلنا إن من شأن أي تأجيل للانتخابات في البلاد أن يسهم في إنجاح فرص السلام، حتى يتمكن الشعب السوداني والنازحون من دارفور من المشاركة فيها بقوة، وبكل ديمقراطية وحرية، ويتمكن من الاختيار الحر في ظل سلام عادل وشامل”، مبرزا أنه من شأن التعجيل بالانتخابات تعقيد جهود التسوية والسلام، وتأخير تأمين عروض التنمية التاريخية للنازحين”.

وبخصوص موقف الحركة من الحكومة السودانية شدد إبراهيم “على ضرورة أن يلتزم الطرف الآخر -الحكومة- بالجدية والإخلاص في سبيل تحقيق السلام، وأن يبتعد عن منطق المراوغة وسياسة كسب الوقت، من خلال التهليل للانتخابات في السودان”، وقال: “نحن لم نلمس أية نية صادقة من الحكومة في تحريك المياه الراكدة، ويظهر ألا رغبة لهم في تحقيق السلام الشامل، بل هم لم يتخذوا قرارا للسلام بعد”، وأردف: “هم خائفون من حركة العدل والمساواة، وهم يرهبهم أي وجود لها في الخرطوم، ونحن نقول لهم لا تخافوا، بل اقبلوا بنا شركاء في السلام ووحدة السودان”.

إبراهيم لم يفوت الفرصة للتذكير بأن أي تبرم أو إفشال لمسار المفاوضات بالدوحة من طرف حكومة الخرطوم، سيكون ثمنه غاليا، وتساءل: “لو رفضوا السلام ماذا نفعل؟ الأكيد أننا سنترجم موقفنا الواضح من هذا الفشل، وهو الاستمرار في جهود الإطاحة بالبشير”، لأن القاعدة الجماهيرية لـ “العدل والمساواة” تنتظر وتستفسر، هل هناك فرص للسلام في دارفور أم لا؟”، مشيرا إلى أن “الحركة ليست جيشا فقط، بل هي امتداد شعبي لقاعدة واسعة من أهل دارفور الذين يريدون حقوقهم كاملة، وعلى استعداد للقتال وكسب الحرب”.

وبخصوص موقف الحركة واتهامها بأنها “استئصالية” ولها موقف من حركة “التحرير والعدالة”، التي استطاعت إعلان توحدها في الدوحة في فبراير الماضي، قال إبراهيم “إن الحركة تنفي هذه التهم جملة وتفصيلا، وهي بالمقابل تعتبر نفسها جزءا من النسيج السوداني المتعدد الذي يدعو إلى وحدة الصف”. وقال أيضا: “على الجميع تحمل مسؤوليته التاريخية للوصول إلى السلام، وتحقيق وحدة الصف، والحركة اليوم تدعو إلى وحدة شاملة”، أسماها إبراهيم: “وحدة لا غالب فيها ولا مغلوب”.

وبشأن اتهامات “العدل والمساواة” لحركة “التحرير والعدالة” بأنها حركة مجتمع مدني لا أقل ولا أكثر، ولا أهلية لها، ولا يمكنها التعامل بشأن القضية الكبرى في السودان، وهي قضية دارفور، نفى إبراهيم هذه التصريحات، وقال: “أصلا لا يوجد مجتمع مدني في السودان في ظل مصادرة الأحزاب والنقابات، وفي ظل نظام بوليسي يعين الأشخاص في البرلمان”.

وفي معرض حديثه استعرض إبراهيم خلال المؤتمر الصحفي أطوار المفاوضات مع الحكومة السودانية خلال الفترة الأخيرة، واعتبرها مرحلة إخفاقات لم تتحقق فيها أبسط المطالب من القضايا التي كانت مدار اتفاق بين الحركة ووفد الحكومة السودانية، وقال إبراهيم: “قدمنا أوراقا بمجمل المطالب التي نرى أنها ضرورية في معالجة الموضوع، لكن الطرف الآخر -الذي هو الحكومة- لم يتعامل بالجدية المطلوبة، ورفض الالتزام بأية استحقاقات حقيقية، أو الالتزام بأية أرقام مالية تجاه حقوق النازحين واللاجئين، كما رفض أي شكل من أشكال التعويض لهم، سواء كانت فردية أو جماعية”.

واعتبر في سياق سرده لوقائع التفاوض أن “المبادرة المهمة والمشكورة التي عرضتها القيادة القطرية بإنشاء بنك في دارفور برأس مال يقدر بملياري دولار، كان من الواجب أن تقدم الحكومة من جانبها 10 مليارات دولار كجزء من إسهامها في إنهاء معاناة النازحين والمهجرين من دارفور، بل هي مطالبة بذلك”، ورأى أن من شأن ذلك أن يسهم في إنشاء بنية تحتية وترحيل اللاجئين من المناطق التي هجروا إليها، لكن بحسب إبراهيم فإن الحكومة في الخرطوم رفضت كل هذا، رغم أنه لا يمثل إلا الحد الأدنى من المطالب، وأضاف: “رفضوا حتى التعويض الفردي المتمثل في مبلغ 1500 دولار للفرد”.

وبشأن الدعوة التي طالبت بها الحركة الحكومة السودانية فيما يتعلق بإنشاء قوة مشتركة لحماية اللاجئين والنازحين، وطلب فترة انتقالية لمدة خمس سنوات، قال إبراهيم: “لقد رفضت الحكومة السودانية أية ترتيبات أمنية لتأمين عودة الخائفين، ورفضت أيضا أي تنسيق في هذا الإطار”، مشيرا إلى أن الحركة دعت إلى الاحتفاظ بسلاحها وقواتها خلال الفترة الانتقالية حتى تتمكن من معالجة قضايا جيشها، لأنها حركة عسكرية لها جيش كبير من الصعب إذابته في جيش الحكومة بين ليلة وضحاها، وتحويله إلى جيش الحكومة أو الحزب.

وأشار إبراهيم إلى الترتيبات التي طالبت بها الحركة في ظل أي اتفاق مع الحكومة، وقال: “طالبنا بمستوى جديد في الحكم في السودان، يدخل ضمن إصلاح فيدرالي شامل، لكن الحكومة السودانية ردت وتصدت لهذه المطالب، وقابلتها بالرفض”، منتقدا في الوقت نفسه سوء فهم دعوة الحركة التي تركز على أنه يجب على كل إقليم في السودان أن يحكم نفسه بنفسه، استرجاعا لنظام قديم كان معمولا به في السودان”، ومفندا أية نية لحركته في الانفصال أو رفع دعوات لتقرير المصير في الأقاليم السودانية المتعددة.

واتهم إبراهيم الرئيس السوداني عمر حسن البشير “بأنه استفرد بحكم السودان، وقسم البلاد إلى ولايات صغيرة خاضعة للحكم في الخرطوم، مشيرا إلى أن الوضع الحالي الذي تعيشه البلاد يهدد وحدة السودان، ويشجع على انفصال الجنوب عن باقي مناطق البلاد، وبالتالي بات على حكومة البشير التخلي عن سياسة التشدد، وأن تنظر بروح المصلحة العامة والواقعية والموضوعية للقضية في دارفور والسودان من جوانبها المتعددة، في بلد معروف بتعدد أعراقه”.

ومن جانب آخر سلط زعيم الحركة الضوء على الأوضاع التي يعيشها السكان في دارفور، ووصف حال الناس هناك بأنهم يعيشون أوضاعا مزرية، وأكثر سوءا من ذي قبل، وسط موجة غلاء فاحش، وانهيار للخدمات، وقتل للمواطنين في جنوب دارفور بمنطقة “جبل مرة”، متهما الحكومة بأنها ما لبثت تخرق الاتفاق الموقع من جانبها الذي يتعلق بوقف إطلاق النار في السودان كله.

ودعا إبراهيم الوسيط التفاوضي لتحديد منهج واضح للعمل، كما دعا الموقعين على البيان المشترك لوحدة شراكة، لمصلحة الشعب والقضية، وأهاب إبراهيم بزعيم حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور بالقبول بالوحدة والدخول في مسار المفاوضات التي ستنهي معاناة شعب دارفور، وتساءل: “كيف يتوحد المقاتلون اليوم تلقائيا، وتستمر القيادات في الشتات على رفض الوحدة؟”.

ويظهر من خلال هذا السجال الإعلامي بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة أن الأمور وصلت إلى مفترق طرق، تعددت فيها المطالب وكثرت فيها “اللاءات” المرفوعة من طرف الحكومة السودانية، وهو ما ينذر -بحسب مراقبين- بصفحة جديد من التأزم في المحادثات والمفاوضات في غمار جهود الوساطة القطرية لإنهاء الأزمة في دارفور.

العرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *