ولا تزال هذه الدعوة الأمريكية متفاعلة في المجتمع السياسي السوداني وخارجه، وتطرح أكثر من سؤال حيال الدوافع الأمريكية القريبة والبعيدة؟
واللافت في كلام المبعوث الرئاسي الأمريكي غرايشن أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ توضيحه أن العقوبات هي (قرار سياسي)، ومن شأنها وقف عجلة التنمية الاقتصادية في هذا البلد الإفريقي (كذا) . . وبصورة عامة يمكن القول إنه دعا الى إقامة علاقات جديدة مع الخرطوم، من شأنها معالجة مصير الجنوب مع اقتراب الاستفتاء على مستقبله في عام ،2011 وإيجاد حل لمشكلة دارفور .
هذه المواقف غير مألوفة لأنها غير متوقعة من الإدارة الأمريكية، وإن كانت أعلنت مراراً بأنها تعتمد سياسة الحوار والانفتاح لتسوية المشكلات الإقليمية والدولية بعيداً عن الحرب . هذا مع الإشارة إلى احتمال بروز انقسام سياسي داخل فريق إدارة أوباما حيال السودان بين اتجاه يتبنّى الضغط والإكراه واتجاه آخر يفضل الحوار والدبلوماسية .
لماذا هذا الموقف الأمريكي الجديد واللافت؟
قد تتعدد الأسباب والدوافع، بيد أن الدافع الاقتصادي يبقى في المقدمة وله الأولوية، ثمة تعاظم أكيد للدور الصيني الاستثماري في القارة السوداء، في مجالات الطاقة والمياه والتكنولوجيا والتنمية، وهو دور بارز في السنوات الأخيرة داخل أمريكا اللاتينية . وأمام تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية العالمية تبقى إفريقيا خزان الاحتياط الاستراتيجي للطاقة والزراعة والاستثمارات الآتية . هذا ما يفسر عودة التنافس الدولي على إفريقيا، وفيها، بحثاً عن الموارد الجديدة والثروات الضائعة .
قد تتقاطع، والحال هذه، المصالح الأمريكية والسودانية بما فيها مصالح حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وتتراجع تالياً تحديات التقسيم أو التفتيت الذي يهدد وحدة السودان بدوافع إثنية قبلية . بيد أن الموقف المتعنّت للحركة الشعبية في جنوب السودان هو المستهجن .
الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم يطالب بعدم رفع اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب قبل تنفيذ اتفاق السلام، وحل أزمة دارفور . والمقصود باتفاق السلام ما جرى توقيعه في عام 2005 بين حزب المؤتمر الحاكم والحركة الشعبية، ويقضي بإجراء استفتاء عام في عام 2011 حول مصير الجنوب، وعما إذا كان سيبقى جزءاً من السودان الموحد أم لا؟
ما يؤسف له أن تستقوي القوى السياسية السودانية بالخارج بحثاً عن مكاسب سلطوية، أو فئوية، حتى ولو أدى ذلك إلى إطالة أزمة السودان وتهديد وحدته . ومن المعروف أن انفصال الجنوب إذا ما حصل سيقود إلى تفتيت السودان شمالاً وجنوباً، غرباً وشرقاً، تبعاً للتعددية الإثنية القائمة والنتيجة هي مزيد من البؤس، واتساع أزمات القرن الإفريقي لتهدد أمن وادي النيل وصولاً إلى مصر في الشمال، وتهديد الاتحاد الإفريقي بالتصدّع السياسي .
صارت مشكلات السودان مطروحة في الأوساط الدولية كافة، وعلى منابر الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات، فيما تبقى مجموعة الدول العربية عاجزة عن تسوية الأزمة أو وضع حدٍ للتهديد الأمني الآتي من القرن الإفريقي (أثيوبيا والصومال وجيبوتي وأريتيريا) . دلالة جديدة على ضعف متوارث، وعلى احتمالات تدويل الحل في تلك المنطقة المضطربة، أو على الأصح مزيد من التدويل ما يؤدي إلى إطالة أمد النزاعات الداخلية والإقليمية، وانكشاف الأمن العربي بدءاً من أمن وادي النيل .
هل ثمة فرصة أمام الاتحاد الإفريقي للتدخل في السودان، وتمكينه من النهوض والتوحّد؟ مثل هذا التدخل يعزّز من دور هذه المنظمة القارية الفتيّة ويساعدها على معالجة أزمات أخرى .
عدنان السيد
الخليج الإماراتية