دارفور من أزمة دولة إلى صراع القوى العظمى

لبنان  – أنور عقل ضو:  يطل الدكتور عبده مختار موسى في كتابه “دارفور من أزمة دولة الى صراع القوى العظمى” الصادر عن مركز الجزيرة للدراسات 2009 – بيروت، على الوضع القائم في اقليم دارفور السوداني، ويلقي الضوء على مختلف الجوانب التي ادت الى الصراع الدامي الحالي وتحوله الى قضية شائكة انعكست آثارها المدمرة ولا تزال على ارض هذا الاقليم ومواطنيه.
ويرى ان انفجار الوضع في هذا الاقليم جاء في لحظة توافرت فيها الظروف الموضوعية الخارجية والداخلية مجتمعة، إضافة إلى معطيات اقليمية ترافقت مع التغيرات والتوازنات الدولية، دون ان يسقط المؤلف الاسباب التاريخية الداخلية التقليدية، فضلاً عن أن الإقليم عانى خلال عقود من الزمن، الاهمال المستمر من قبل الحكومات المركزية السودانية، ما اوصله الى حالة مذرية من التخلف والفقر ولم يقف ابناء الاقليم من النخبة المتعلمة الواعية موقف الصامت، فحاولوا بجميع الوسائل المتاحة لهم، وعبر العديد من المنابر اسماع صوتهم للسلطات مطالبين بالحصول على الخدمات الاساسية، من بينها التنمية فلم يحصلوا على الاستجابة الكافية ولا على الاهتمام اللازمين.
من هنا، يركز الكاتب على ضرورة فهم الجانب التاريخي من هذه القضية، فيشرح بإسهاب طبيعة المجتمع السوداني وتركيبته الداخلية وميزان القوى الذي يتحكم بها. كما يحدد دور النخبة السياسية فيه والتي اسهمت في تعقيد المشكلات الموروثة وفي تعميق الأزمات التي ادت الى انفجار الوضع لينكشف عجز الدولة وهشاشتها ما عرّض استقرارها وتماسكها ووجودها للخطر.
يهدف الكتاب الى تلمس جوهر الأزمة وشرح ابعادها والغوص في اسبابها الحقيقية بغية الوصول الى فهم أعمق لأي حل جذري يتلاءم مع اقليم دارفور، وذلك تزامناً مع قرار المحكمة الدولية الجنائية اصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير، والذي ايدته حركة العدل والمساواة وابدت استعدادها مد يد المساعدة من اجل تنفيذه، فيما كانت التظاهرات تعم الخرطوم منددة به.
تبقى أهمية هذا الكتاب في أنه يساعد القارئ العربي على فهم أبعاد هذ الأزمة في ظل دور أمريكي يسعى للاقتصاص من السودان، مستحضراً إقليم دارفور واجهة لنوايا مبيتة.

 

صدر حديثاً عن {الدار العربية للعلوم ناشرون} و{مركز الجزيرة للدراسات} الطبعة الأولى من كتاب {دارفور: من أزمة دولة إلى صراع القوى العظمى} للكاتب والباحث السوداني عبده مختار موسى.

يعالج الكتاب قضية دارفور للبحث عن حل جذري لأجل الإنسان الذي أصبح يعاني الحرب المستمرة وآثارها المدمرة يومياً، بعد أن تحوّل الإقليم إلى مسرح لصراع القوى العظمى.

يضع الكتاب الأزمة السودانية في أبعادها الكاملة، ويلمس جوهرها وأسبابها الحقيقية، لا سيما أنه يركّز على أهمية فهم طبيعة المجتمع السوداني وتركيبته. كذلك يهتم بعرض طبيعة هيكل القوى وعلاقته بالتركيبة الاجتماعية ودور النخبة السياسية، وكيفية مساهمتها في تعقيد المشكلات الموروثة وزيادة تعقيداتها، التي أدّت إلى تشكيل أزمات لولبية كشفت هشاشة بنية الدولة في السودان، وبدأت تهدد ليس استقرارها فحسب، بل تماسكها ووجودها.

يؤكد المؤلف على أهمية كتابه، لأن النزاع في دارفور معقد ويتطلب فهمه وخلفياته، إضافة إلى تحليل خلفيات التطورات في الإقليم، وعلاقة تطور المشكلة بالديناميات القومية والإقليمية والدولية. ويحاول الكتاب من خلال منهج تاريخي- وصفي تقديم خلفيات كاملة عن المشكلة وكشف سياقها المحلي (أزمة الدولة) وإطارها الإقليمي (التداخل الأنثربولوجي والجيوسياسي) وبعدها الدولي (صراع القوى العظمى)، وتوصيف عوامل أدت إلى تفاقم هذه الأطر مع محاولة استشراف المستقبل من خلال اقتراح لتغيير منهج التعاطي مع أزمات الدولة السودانية.

يتعامل المؤلف مع أزمة دارفور، على مستوى المعالجة النظرية، باعتبارها تضم محورين: محلي- داخلي، وخارجي- دولي. ويعالج المحورين في ثمانية فصول: أربعة لكل محور. يبدأ الأول بفصل يتناول موضوع أزمة الدولة ومشكلة الهوية. ويفحص الفصل الثاني مسألة التهميش على المستوى المفاهيمي (النظري)، وعلى المستوى العملي يقدّم إحصاءات حول ظاهرة التهميش مع توضيح الأطروحات، والأطروحات المضادة في هذا السياق.

أما في الفصل الثالث فيستعرض الكاتب تطورات المشكلة منذ جذورها الأولى وإلى ظهور الحركات المسلحة. بينما يحاول في الفصل الرابع تقديم مسح شامل لدور الحكومات الوطنية في المشكلة، وجهودها في الوصول إلى اتفاق أبوجا للسلام.

تدخل دولي

يبدأ المحور الثاني بالفصل الخامس الذي يتناول الجزء الأول من التدخل الدولي، وفيه يدرس موسى تطور قضية دارفور من مشكلة داخلية إلى كارثة إنسانية وأزمة دولية، ويتناول دور الاتحاد الأفريقي ودور الاتحاد الأوروبي. كذلك يتناول في الفصل السادس الجزء الثاني من التدخل الدولي المتمثل في دور الأمم المتحدة، متطرقاً إلى موقع قضية دارفور في مجلس الأمن، وقرارات الأخير والقوات الأممية بشأنها، إضافة إلى مشاكل هذه القوات والعقبات التي تواجهها وآثارها على دارفور، ثم السودان والمحكمة الجنائية الدولية.

يتطرق الكاتب أيضاً إلى مذكرة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بالمطالبة بتوقيف مسؤولين سودانيين، وعلى رأسهم الرئيس البشير، المتهم بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور. كذلك يعرض تداعيات المذكرة داخلياً وخارجياً. أما في الفصل السابع فيتناول موسى الجزء الأول من صراع القوى العظمى، مشيراً إلى أطماع فرنسا وطموحات الصين.

وحول ظهور المنافسة الدولية يؤكد المؤلف أنها تشتمل على مؤشرات لعودة صراع القوى العظمى. ويتضمن الفصل الثامن الجزء الثاني من صراع القوى العظمى، وفيه يركز الكاتب على الدور الأميركي في إطاره الأشمل، أي قيادة الولايات المتحدة النظام الدولي (الأحادي) الجديد وفق استراتيجيات لم تسلم منها هذه المنطقة. ناهيك إن أميركا أصبحت أحد اللاعبين الأساسيين في أزمة دارفور.

كذلك يكشف الكتاب الأبعاد الصهيو- أمبريالية في أزمة دارفور، مشيراً إلى أن مشكلة دارفور حتمية وأن انفجارها كان ينتظر لحظة تاريخية مناسبة. فقد توافرت المعطيات كافة والظروف الموضوعية التي تجعل منها أمراً حتمياً ليس بحسب الصراع التقليدي الداخلي فحسب، بل وفق معطيات التفاعلات الإقليمية والتغيرات الدولية أيضاً. فدارفور {إقليم متخلف}، وبمرور الوقت انتشر الوعي بالتخلف النسبي، ثم ظهرت نخبة متعلمة من أبناء الإقليم زادت من إدراك التخلف، فارتفعت أصوات المتعلمين للمطالبة بتنمية وخدمات أساسية تتمتع بها بقية أقاليم السودان.

يؤكد المؤلف أن مطالب النخبة لم تجد الاستجابة الكافية، أو الاهتمام اللازم من الحكومة المركزية عبر عقود من الزمن، وعبر منابر مختلفة، أبرزها {جبهة تنمية دارفور}، فكان التصعيد، وكانت الأزمة تزامناً مع الفضائيات والشبكات العنكبوتية ومنابر دولية ومناخ سياسي دولي موات لأطروحات الحركات المتسقة مع أدبيات العولمة، كالتطهير العرقي، انتهاك حقوق الإنسان، الإبادة الجماعية، التهميش، الإقصاء، وما شابه ذلك.

خارطة الإقليم

يركز موسى على خارطة الإقليم بتعقيداتها الأنثروبولوجية وأبعادها الجيوسياسية، فيفيد أن الموجات العربية الوافدة التقت بالسكان الأصليين من الزنوج والأفارقة فكانت الحالة السودانية الأكثر تعقيداً، وسيطرت عرقيات محددة على السلطة والثروة، وتداولتها عبر الزمن، لذلك شعرت مجموعات عرقية كبيرة بأنها محرومة ومهمشة. ومع ارتفاع مستوى الغبن تبلور الإحساس بالتفرقة الاجتماعية، وزاد الوعي بالظلم الاقتصادي والإقصاء السياسي، فكانت النتيجة دولة مضطربة فشلت فيها النخبة الحاكمة في تحقيق توازن سياسي وعدالة اقتصادية واستيعاب ثقافي واندماج اجتماعي.

يتابع موسى، بأن هذه الدولة المضطربة، وبموقعها الاستراتيجي المميز ومواردها الكبيرة والمتنوعة، كان من الطبيعي أن تصبح هدفاً للأطماع الدولية، لذلك كانت مسرحاً لعودة الصراع بين القوى العظمى عبر بوابة دارفور. ويشير إلى أن كتابه، وإذ يقدم أطروحات التهميش وأدبيات الاحتجاج المناطقية والجهوية، إنما يسعى إلى وضع المشكلة السودانية الأساسية في أبعادها الكاملة، ولمس جوهرها وأسبابها الحقيقية.

كذلك يلفت عبده مختار موسى إلى أن أزمة الدولة في السودان زاد من تعقيداتها، انطلاقاً من أزمة الجنوب ودارفور، أن النخبة السودانية لم تعِ بما فيه الكفاية، أو ربما لم تعترف، بتعدد الهويات وتنوع الإثنيات. إضافة إلى أنها لم تعمل على ما يحقق دمج هذه الفسيفساء في بوتقة انصهار حقيقية، وعلى إدارة التنوع بعدالة وشفافية وتوازن يحقق التكامل الوطني والوحدة المستدامة. فأزمة دارفور ما هي إلا تعبير عن احتقانات اعتملت في دواخل المهمشين وتبلورت في عقول نخبتها عبر الزمن، فانتقل الصراع من صراع قبلي حول موارد محدودة إلى صراع مع المركز الذي، في نظر النخبة الدارفورية، لم يوظف الموارد عبر التنمية لتتسع للجميع، فكان الانفجار وكانت الأزمة.

وبالإضافة إلى التهميش، يعتبر عبده موسى، أنه لا بد من أخذ ثلاثة عوامل مهمة في الاعتبار: النزاع المرتبط بالموارد على المستوى المحلي، خصائص النخبة التي تقود الحركات وطموحاتها وخلفياتها، وموقع الإقليم الجيوسياسي في المنطقة (مقرون بصراع القوى العظمى). وهذه العوامل مقروءة في سياق متغيرات دولية، كهيمنة أميركا وامتداد نفوذها من خلال النظام الدولي الجديد ومقتضيات العولمة، وتقاطع ذلك مع إحياء النفوذ الفرنسي، مقروناً بصعود الصين وانتشارها اقتصادياً في أفريقيا، ومع ظهور موارد استراتيجية مهمة في السودان كالنفط واليورانيوم، ما أدى إلى اهتمام دولي بالمنطقة، لا يخلو من صراع بسبب تقاطع مصالح القوى.

عبد الله أحمد
الجريدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *