حوار مع ياسر عرمان الامين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال – مسؤول العلاقات الخارجية في الجبهة الثورية
وصف الامين العام للحركة الشعبية مسؤول العلاقات الخارجية في الجبهة الثورية السودانية ياسر عرمان حالة النظام السوداني بانها يرثى لها ، وقال ان الحكومة استعصت عليها الحلول العسكرية وانه فشل خلال عام من هزيمة الجيش الشعبي في جنوب كردفان ، ومع ذلك اكد انهم مستعدون للسلام الشامل الذي يحل قضية تغيير السياسات في الخرطوم ، موجهاً نقداً لاذعاً الى مستشار الرئيس السوداني دكتور غازي صلاح الدين الذي رفض ان تجري حكومته حواراً مع الحركة الشعبية ، وقال ان غازي غير مبدئي ويتبضع في ملف المفاوضات الذي اخذ منه ، معتبراً ان مستشار البشير يعمل على تصفية حسابات شخصية وحزبية لا علاقة لها بمصالح السودان العليا كما انه لا يمتلك حلول ورؤية استراتيجية، وقال انه متحالف مع اكثر العناصر تخلفاً وعنصرية في منبر السلام العادل .
ورفض عرمان في حوار شامل بعد زيارات قائم بها الى الولايات المتحدة واوربا ، وصف الجبهة الثورية بالتحالف الاثني ، وقال ان هذه المجموعات سودانية اصيلة ، رغم انه اشار الى وجود مخاوف متبادلة بين اهل الهامش والمركز ، لكنه قال ان ذلك يعود الى المشاكل التاريخية في تطور الدولة السودانية وعدم وجود مشروع وطني ، وان المخرج في تحالف يضم القوى المسلحة والقوى التي تعمل في العمل السلمي الديموقراطي ضد شبيحة المؤتمر الوطني .
اجرى الحوار مصطفى سري
= الحكومة السودانية رفضت ان تتعامل مع قرار مجلس الامن الدولي في مسألة التفاوض مع الحركة الشعبية في الشمال ؟
– من الواضح ان الحكومة السودانية لديها اكثر من مرجعية واكثر من لسان ، وهي في حالة يرثى لها ، حيث يتحدث البشير بلسان ، ووزير خارجيته بلسان اخر ، وهذا يدل على سوء الاوضاع ، والحكومة مستمرة في سياساتها التي اعلنتها من قبل بان ليس لديها حلولاً سياسية ، ولكن استعصت عليها الحلول العسكرية بالذات فيما يخص الحركة الشعبية في الشمال وكذلك الجبهة الثورية ، من جانبنا نحن مستعدون للسلام الشامل يحل قضية تغيير السياسات في الخرطوم .
– لقد ردد اكثر من مسؤول حكومي ابرزهم الدكتور غازي صلاح الدين ، الذي وصف قرار مجلس الامن الدولي بالمريب في مسالة التفاوض بينكم والحكومة السودانية ، ما رايكم ؟
الاصوات مثل الدكتور غازي صلاح الدين مستشار البشير ، حديثه لا يأتي من مبدئية او من موقف مستقيم ، بل هو جزء من الصراع الذي يدور في المؤتمر الوطني ، وغازي بانتهازية يريد ان يستلم ملف المفاوضات سواء الخاصة بالسودان ، او بين الخرطوم وجوبا ، وهو يكرر اخطاءه السابقة التي لم تسعفه من قبل ، عندما كان مسؤولاً عن المفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية قبل اتفاقية السلام الشامل ووقتها رفض وثيقة ناكورو الشهيرة ، وكان قد اجرى اتصال هاتفي مع البشير الذي كان في زيارة خارجية وحرضه بان يقف ضد وثيقة ناكرو ، لكنه دفع الثمن، وانقلب السحر على الساحر حيث تم ابعاده من ملف التفاوض،وهو الان ينافق زملاءه القدامى ، ويتبضع في ملف المفاوضات لاجل الاستيلاء عليه ، وسنده في ذلك اكثر العناصر تخلفاً وعنصرية ، والمقالة التي كتبها غازي حول قرار مجلس الامن ما هي الا محاولة لتسويق نفسه ، وسواء فاوض هو او غيره فانه سيواجه نفس الموقف الذي يواجهه وفده التفاوضي الحالي ، فهو ليس ساحراً ولا يمتلك حلول ، ما يحدث الان هو تصفية حسابات قديمة شخصية وحزبية ولا علاقة لها بمصالح السودان العليا .
وهو الان يلاحق زملاءه القدامى والنائب الاول للرئيس علي عثمان محمد طه ليستلم الملف مرة اخرى ، وغازي ليست لديه رؤية استراتيجية او حلول لان الحل واضح ، حيث ان النظام ليس امامه من حلول سوى الاحتكام الى الشعب عبر الديموقراطية ، وغازي صلاح الدين يلبس اكثر من طاقية في مناسبات مختلفة فهو يقدم نفسه الى الشعب بانه نصير الديموقراطية والاجماع الوطني ، ثم يقدم نفسه كأكثر المتشددين في النظام ، ويسبغ على تشدده بعض من الآيات والاحاديث من فقه الضرورة والتقية لتوصله الى اهدافه ،
كما انه متحالف مع اكثر التيارات تخلفاً وعنصرية في داخل منظومة الانقاذ ، ومنها منبر السلام العادل ، وقد وصف صاحب المنبر حديث غازي الاخير وكتب فيه شعراً ومدحه مدحاً كبيراً ، لذلك هذا نوع من الانتهازية والصراع الداخلي لا علاقة له بالحلول ولا المعقولية او ما يخدم السودان ، والعلة هي في رؤية الحكومة وليست في وفدها للمفاوضات ، هذه نقطة مهمة ، وهي ان المشكلة في سياسات النظام والشمولية والفساد ، هذه هي القضايا التي تحتاج الى حل وبرنامج الانقاذ لا يقدم حلول ، ومحاولات التزاكي وخلط الاوراق من البعض لا تفيد النظام ولا تقود الى حلول .
= لكن الحكومة يبدو انها واثقة من محاصرة قواتكم في جنوب كردفان ، حتى ان البشير نفسه ردد بانه سيلصي في كاودا ، اليس كذلك ؟
– يصلي البشير او لا يصلي هذا امر غير مهم بالنسبة لنا ، ربما يصلي البشير في لاهاي في نهاية الامر ، لكن المهم ان النظام ورئيسه ومعه احمد هارون حاربوا من قبل في جنوب كردفان والنيل الازرق ، حينما كان نظام الانقاذ في قمته ولياقته العسكرية ، والان لا احد يحفل بالنظام الذي اصبح لا يستطيع ان يوفر لقمة العيش والديموقراطية والكرامة ، وهذه الحكومة قامت بتقسيم السودان .
والقوات المسلحة والدفاع الشعبي ليس في مقدورهما ان يحاربا في ظل ائمة الفساد ، واتضح لهم وبعد (23 ) عاماً من حكم الانقاذ نتائج التجربة وثمارها المرة ، والحرب الان في جنوب كردفان سيصبح عمرها عاماً كاملاً بنهاية هذا الشهر، وما لم يستطيع البشير ان يفعله في عام كامل لن يستطيع ان يفعله في شهر او اسبوع اوحتى لو اعطي عشرون عاماً اخرى فانه لن يستطيع ، لان هناك قضية عادلة ، والجيش الشعبي الان اكثر منعة وقوة عشرات المرات من بداية الانقاذ التي فشلت في صيف العبور ان تهزم يوسف كوة مكي الذي كان معزلاً لمدة اربع سنوات، فلم يستطيع نظام الانقاذ في ذلك الوقت من هزيمة الجيش الشعبي ، فكيف يستطيع الان ؟
وبعد عام اتضح لهم ان الحلول العسكرية غير ممكنة ، لان هذا النظام عاجز سياسياً وعسكرياً ، ولذلك فان هذا الحديث للاستهلاك ولرفع المعنويات وللعلاقات العامة .
= ازاء هذه المطالب باجراء المفاوضات بينكم والحكومة السودانية ، هل يمكن ان تتفاوض الحركة الشعبية معها من دون مكونات الجبهة الثورية المتحالفة معكم ؟
– موقفنا واضح ، نحن قلنا في ردنا على مجلس الامن الدولي ، بعد ان رحبنا بالقرار وما زلنا نرحب به ، اننا على استعداد لاجراء مشاورات مع الجهات التي اصدرت القرار سواء كانت الامم المتحدة او الاتحاد الافريقي ، والوسطاء الاخرين ، لكننا نرى ان الحل يجب ان يكون شاملاً ، واوضحنا ان البشير وقع اكثر من (43 ) اتفاق وخرقها جميعاً ، فان الحل لن يكون في كادوقلي او الدمازين او الفاشر ، الحل يجب ان يكون في الخرطوم ، هذه هي رسالتنا ، والتي توضح اننا مستعدون للتشاور والتحاور عليها ، ويجب ان يكون الحل شاملاً ليس بمشاركة الجبهة الثورية فقط ، بل ان كل القوى السياسية السودانية يجب ان تشارك وهذا ما قلناه في ردنا ، للوصول الى وضع انتقالي جديد ، يضمن الديموقراطية ،وان نذهب الى مؤتمر دستوري يجيب على سؤوال هام في كيف يحكم السودان ، القضية ليست في من يحكم السودان .
= هنالك اطراف حتى داخل الجبهة الثورية تتخوف من ان تذهب الحركة الشعبية للتفاوض وحدها وتتركهم على قارعة الطريق ، ما ردكم ؟
– انا على اتصال بقيادة الجبهة الثورية ، ولم يبدي اي شخص هذا التخوف ، موقفنا معلن وواضح .
= الخرطوم تتهم الحركة الشعبية والجبهة الثورية بانهما عملاء لدولة جنوب السودان ، لماذا تصفكم بذلك ؟
– الخرطوم ، تصفنا بذلك لانها وجدت نفسها في مأزق كبير بعد ان انفصل الجنوب ، وان نفس القضايا التي كانت تطرح في الجنوب ، والجنوب ليس ارض بل كان شعباً ، وهذه الحكومة لا تعترف بالتنوع والتعدد في المجتمع السوداني ، كانت تعتبرنا خطراً وانها تستطيع ان تزيل هذا الخطر بضربة عسكرية واحدة ، وبعد ان فشل مشروعها العسكري في القضاء على الحركة الشعبية ، تريد ان تردد اطروحات سياسية للتعمية ولذر الرماد في العيون .
نحن لن نكون عملاء ، لان دولة الجنوب لم تبلغ بعد عامها الاول ، بينما الحركة الشعبية موجودة خلال التسع وعشرون عاماً الماضية ، منذ نشأتها يمكن ان نقول بعد عام واحد ان الحركة الشعبية عمرها (29 ) عام ، وفي الشمال الحركة الشعبية عمرها (28 ) عاماً من هذه التسع وعشرون عاماً ، لان هنالك عدد من الشماليين انضموا الى الحركة الشعبية قبل (28) عاماً وبعد عام واحد ، وهذه الحرب في مناطق جنوب كردفان والنيل الازرق يتحمل مسؤوليتها المؤتمر الوطني ، والحركة الشعبية هي نفسها كجزء من الحركة الشعبية ساهمت في النضال مع شعب الجنوب .
نحن حركة مستقلة وحزب كبير في شمال السودان تربطنا رؤية واضحة مع الحركة الشعبية في الجنوب ، لكن لا تربطنا اي علاقات تنظيمية ، ونحن نقوم بقيادة الحركة الشعبية في الشمال ، وبدلاً من ان ينظر الى الحركة الشعبية ككارثة يجب ان ينظر اليها كمنفعة ، لاننا نستطيع بالفعل ان نخلق علاقات جيدة مع دولة الجنوب ، ومن الواضح ان الشمال والجنوب ليس بامكانهما ان يتقدما على نحو جيد الا بتعاون سياسي واقتصادي ، والعداء بين الجنوب والشمال يجب الا يغفل الحقيقة الواضحة بانهما يحتاجان الى بعضهما ، ومن كان يظن ان المانيا التي احتلت فرنسا في الحرب العالمية الثانية ستكون اقوى حليف مع فرنسا في اوربا اليوم ، هذا ما نهدف اليه .
ولدينا تجارب بان الراحل يوسف كوة مكي لم تكن لديه صلة نهاية بالحركة الشعبية لمدة اربع سنوات اذ كان محاصراً ، ونظام الانقاذ كان في قمته واستطاع يوسف كوة ان يصمد لوحده لان هناك قضية في الشمال ، نحن لسنا تابعين والقضية ليست بين الشمال والجنوب ، بل هناك قضية في داخل الشمال لا يمكن حلها الا بتغيير المركز ، والنظام شن حروباً على دارفور ، جبال النوبة ، شرق السودان ، النيل الازرق ، ولديه ازمة حكم عميقة وكذلك ازمة اقتصادية ، ولا يمكن حل هذه الازمات الا بسلام عادل وديموقراطية ، وعلى النظام ان يواجه هذه القضايا .
= السادس عشر من مايو عام 1983 كان يوم تأسيس الحركة الشعبية التي بدأت الحرب في الجنوب ، الان بعد عام من انفصال حركتكم من الحركة في الجنوب كيف تبدو العلاقة بينكما ؟
– العلاقة على مستويين ، الاول هناك حركة شعبية في الجنوب والاخرى في الشمال ، والحركة الشعبية في الشمال ستتطور بشكل مستقل عن الحركة الشعبية في الجنوب ، والامر الاخر ان الحملة التي تحاول ان تدخل في طوق العداء مع الجنوب لن تنجح ، نحن نرى اننا كقوى سياسية في الشمال مع القوى السياسية الاخرى يمكن ان نقدم الحلول والبديل في علاقات جيدة ليس فقط مع جنوب السودان بل مع الاقليم وافريقيا ، ولدينا الطرح الواضح الذي يؤهلنا الى تحقيق ذلك ، والمؤتمر الوطني يفعل مثل قصة الثعلب الذي دخل مزرعة وربط ذيله باحدى ثمار البطيخ ثم انقطع الذيل ، وذهب الى كل الثعالب الاخرى واراد ان يقطع اذيالها بذات الطريقة ، والمؤتمر الوطني يريد ان تفعل مع القوى السياسية ذات القوى السياسية ، والمؤتمر الوطني ليست لديه حلول ، فهو في حالة عداء مع جنوب السودان وسياساته خاطئة ويريد من كل القوى السياسية ان تصبح مثله ، نحن لسنا مثله وتاريخنا مع الجنوب ليس مثل تاريخ المؤتمر الوطني معه ، لقد وقفنا مع مطالب الجنوبيين العادلة وهذه نقطة سنقدمها في المستقبل لمصلحة كل شعب السودان .
ونرى ان انفصال الجنوب ليس نهاية التاريخ ، ويجب ان تبدأ صفحة جديدة من العلاقات الراسخة بين الشمال والجنوب ، الذي يجمعهما اكثر الفي كلم ، وهنالك اكثر من (5 ) مليون من الرعاة في الشمال ومثلهم في الجنوب على طول تلك الحدود ، وهناك الملايين من الجنوبيين لديهم الاستعداد للعمل والاستثمار والتجارة في الشمال ، وكذلك الشماليين الذين عملوا على مر التاريخ في المجالات الاقتصادية والاجتماعية في الجنوب ، وسنعمل على توحيد السودان مرة اخرى بوحدة على اساس دولتين مستقلتين ، بل نحن نعمل على وحدة افريقيا وعلى علاقات جيدة بين العالم العربي وافريقيا .
= ليدكم تحالفات سابقة مثلاً في التجمع الوطني الديموقراطي قبل اتفاقية السلام الشامل ، ما الجديد في تحالف الجبهة الثورية ، لا سيما ان هناك من يقول انه تحالف عسكري اثني ؟
– هذا غير صحيح ، والتجارب التاريخية دلت على ان اهل هذه المناطق لعبوا دور تاريخي سواء في فترة الثورة المهدية ( 1863 – 1899 ) وقد استضافها المك ادم ام دبالو في العباسية تقلي في جبال النوبة ، ثم ذهبت المهدية الى السهول في الابيض وخلقت تحالفت بين قبائل البقارة ( القبائل التي ترعى الابقار ) وقبائل الشمال والغرب وجبال النوبة وجاءت الى استقلال السودان من الحكم التركي – المصري .
اذن هذا التحالف في الجبهة الثورية ليس اثنياً ، حيث ان هذه المجموعات سودانية اصيلة لديها قضايا ، نعم هنالك تخوفات متبادلة ، حيث ان اهل الهامش يتخوفون من ان المجموعات التي توجد في وسط السودان واحزابها تتعامل معهم بان اهل الهامش يهزون الشجرة والوسط يختطفون الثمار ، وهنالك ايضاً مخاوف من المركز بان هذا التحالف ربما يبدل ضحايا بضحايا وانه ربما يكون لديه توجهات اثنية ضد بعض المجموعات ، هذه التخوفات جزء من المشاكل التاريخية التي يطرحها تطور الدولة السودانية في عدم وجود مشروع وطني ، وان عملية البناء الوطني غير مكتملة ، وتركت مسافات من الشقة وعدم الثقة والتفاهم بين مختلف القوى ، والمطلوب الان هو ان تتحالف كل القوى السياسية من قوى العمل السلمي الديموقراطي ، والعمل المسلح ضد شبيحة المؤتمر الوطني وليس موجهاً ضد الشعب السوداني ، وان تقبل القوى الاخرى حل حقيقي في قضية كيف يحكم السودان ، وليس فقط بان يذهب البعض الى سدة الحكم ويجاوب فقط على من يحكم السودان ، والواجب الرئيسي والمهمة الان امام هذه الحالة السياسية الراهنة وعلى جيلنا هو ان نصل الى مشروع وطني بمزيد من التحالفات بين كل هذه القوى وازالة هذه المخاوف والشكوك المتبادلة للوصول الى نظام ديموقراطي وسلام عادل قائم على اساس المواطنة والاعتراف بحق الاخرين في ان يكونوا اخرين .
= ومن اين تجد الجبهة الثورية الدعم العسكري وهي تخوض حرباً من دارفور غرباً الى جنوب النيل الازرق في الجنوب الشرقي ؟
– هذه ليست المرة الاولى ، يا اخ مصطفى ، هذه تعود على مدى اكثر من ربع القرن الماضي ، وقبل وجود الحركات ، وهذا سؤوال تقليدي والعالم مفتوح ، وجوهر هذه القضايا لديها سند داخلي ، ويصبح السؤوال من اين وجد الامام المهدي السلاح ليحارب الاتراك في ذلك الوقت لم يكن هنالك علاقات مع مجتمع دولي ؟ ومن اين وجدت المقاومة السودانية في عهد الاستعمار البريطاني وكل حركات الاحتجاج وجدت السلاح ، ومن اين وجدت حركات التحرر الوطني في افريقيا واسيا وامريكا اللاتينية السلاح ؟
الامر الاساسي ليس في السلاح والذخيرة ، وانما القضايا العادلة وان تكون هناك رؤية صائبة وقيادة لها قدرة على الثبات ، كل ذلك يمكن ان تحل هذه القضايا او بعضها من خصوك ايضاً .
= الحكومة السودانية تردد بان مفاوضاتها مع دولة جنوب السودان يجب ان تبدأ بالملف الامني ، بما يعني ان الطرفين اذا توصلا الى اتفاق فان الجبهة الثورية ستنهار ، ما هو مصيركم في هذه الحالة ؟
– مصيرنا لا تحدده لنا الحكومة وليس في يدها ، مصيرنا في ايدينا ، ودولة الجنوب كما ذكرت سابقاً عمرها عام ، ودارفور استمرت الحرب فيها لمدة عشر اعوام ، اذن هي سبقت قيام دولة الجنوب بتلك الاعوام ، ولم يستطيع النظام ان يضع نهاية للحرب ، والحركة الشعبية في الشمال عمرها (28 ) عاماً ، ومن قبل حاربت في نفس هذه المناطق التي فيها الحرب الان ، ولذلك دعهم يبدأون بالملف الامني ، او الاقتصادي ، او تسليم الرئيس البشير ، او اي ملف ، هذا لا يهمنا لان ما يهمنا ان هذه القضايا السياسية لا تحل الا سياسياً وبمخاطبة جذروها ، وليس باللهوجة والغوغائية التي تضرب بعض صحف الخرطوم ، وبتلك اللغة السوقية الهابطة ، التي تعزز بث الفتنة والكراهية والعنصرية ، والتي لن تؤدي الا الى مزيد من تعقيد القضايا ولن تضر الا بالسودان ، ويكفي ما جرى بان انفصل الجنوب ، اما كيف يبدأون ملفاتهم مع الجنوب او يتفقوا فيما يتفقون عليه هذا لا يهمنا ، لكن توجد قضية داخل شمال السودان دون حلها لن تستقر الاوضاع .
= الخرطوم ايضاً تتهمك انت شخصياً بانك تعمل على تقريض النظام والفتنة ، كيف ترد ؟
– طبعا هذا جزء من نفس العقلية التي تقول ان القضايا المطروحة هي قضايا امنية ، وتذهب الى شخصنتها ، ومن قبل وطوال الحرب الماضية كان الحديث يتم عن ان شخص مثل الدكتور جون قرنق بانه المسؤول الاول مما يحدث في السودان ، لكن اتضح ان هذه القضايا قديمة قبل الافراد ، وهذه مجرد محاولات للهروب والبحث عن مشاجب لتعليق فشل النظام ، وجزء من هذه القضايا مطروح منذ استقلال السودان عام 1965 ، وجزء كبير منها احدث فيها النظام تعقيدات كثيرة نتيجة لنهجه ، ولذلك انا لست مسؤولاً من غضب ملايين السودانيين الذين يرفضون الاذلال والاوضاع الاقتصادية والسياسية ، ومن فصل الجنوب ، ومن غياب الحريات ، هذه القضايا لا يمكن ان تنسب الى شخص او افراد ، وانا جزء من مئات الالاف من السودانيين الذين يرغبون في التحرر والديموقراطية والعدالة الاجتماعية ، والمواطنة والحفاظ على وحدة السودان على اسس جديدة .
= الحكومة واجزاء من المعارضة تتحدث عن ان الجبهة الثورية وقوى الهامش اذا استطاعت الوصول الى السلطة ان تحدث انقلاب في هوية السودان وتتجه به الى افريقيا ؟
– هذا حديث يفتقد الى الفكر والمصداقية ، وهو ذر للرماد في العيون ، ونحن ان لم نكن افارقة ماذا نكون ، وان لم نكن نحن صلة بين الافارقة والعرب ماذا نكون ؟ والقوميات السودانية تعود لغاتها مثل البداويت والنوبيين وغيرها الى ما قبل اللغات الاوربية ، وهي تشكل وجه حقيقي للسودان ، ويجب ان نعترف وان ننظر الى انفسنا كما نحن كسودانيون، والسودان بلد متنوع ومتعدد والاعتراف بذلك هو مدخل رئيسي الى استقراره وتحديثه وبناء دولة سودانية فاعلة ، وليس على طريقة كلما سمعت كلمة التنوع اتحسس مسدسي ، هذه عبارات هتلرية ونازية ستقود الى تقسيم السودان ، الذي يمثل افريقيا مصغرة ، والحاكم الذي يستطيع ان يحكم السودان يكون نموذجه صالحاً لكل افريقيا ، اذن مثل ذلك الحديث يفتقر الى الثقافة والفكر والعقل والانسانية فوق كل شئ ، ، وهو ايضاً تمييز فكري وسياسي مما ادى الى جرائم الحرب ، وقاد الى حروب ، ونقول له ” اتعرف من انا حتى تموت نيابة عني ” ، هؤلاء لا يستحقون ان يحكموا السودان وهم لا يعرفونه .
= هل هدف الجبهة الثورية اسقاط النظام ، وباي الوسائل ؟
– نعم هدف الجبهة الثورية هو اسقاط النظام والتغيير باربع وسائل ، الاولى عبر الانتفاضة والعمل السلمي الديموقراطي ، والذي تم تجريبه في اكتوبر عام 1964 باسقاط نظام الفريق ابراهيم عبود ، وفي ابريل 1985 باسقاط نظام جعفر نميري ، والوسيلة الاخرى هي بالعمل المسلح من الريف وينطلق من الهامش والذي يجب ان يتكامل ويتزاوج مع الانتفاضة ، وان يتم تنسيق كبير بحيث لا تحدث فوضى واقتتال اهلي وشعبي ، لنصل الى بديل متوزان مرضي عنه من المجموعتين في العمل السلمي الديموقراطي والتي في العمل المسلح ، والثالثة حشد جبهة واسعة للتضامن الدولي مع نضال الشعب السوداني ، وهذه واحدة من اهداف زيارتي الحالية الى الولايات المتحدة واوربا ، والوسيلة الرابعة هي الحل السلمي الشامل ، ومتى ما وجدناه سنقبل ذلك .
وهنالك سيناريوهات واضحة ، سيناريو جنوب افريقيا بان يتم احداث نقلة دستورية نوعية جديدة ، وسيناريو تونس ومصر الثورة الشعبية ، وسيناريو اثيوبيا وارتريا ، والاخير الليبي ، وهناك سيناريوهات اخرى ، لكن نحن نفضل الحل السلمي الشامل واذا لم نجده سنستمر في طريقنا الى تغيير النظام .
= ما هي نتائج زيارتك للولايات المتحدة واوربا ، وهل لها ما بعدها بالنسبة لكم ؟
– الزيارة احدثت تفهم كبير ونقلة نوعية في علاقات الجبهة الثورية ، وستضح في مستقبل الايام ، كذلك سلطت الاضواء على القضايا الانسانية وانتهاكات حقوق الانسان ، وارى ان هناك تحول في المسرح الدولي وتفهم اكثر لقضايا الشعب السوداني ، وسنقوم بمزيد من العمل والجهود في شكل جماعي في الجبهة الثورية ، وفي الحركة الشعبية في السودان ، وسنقوم بعمل واسع في افريقيا والعالم العربي .
وانا ادعو منظمات المجتمع المدني السوداني بان تحاصر النظام في مؤتمر القمة الافريقية في ملاوي ، وان تحشد اكبر جبهة ، لا سيما ان رئيسة دولة ملاوي قد اتخذت قراراً صائباً برفض حضور البشير الى هذه القمة ، ويجب ان نعزل النظام افريقياً ، عربياً ودولياً .
= هناك تقارير تتحدث عن احتمال وقوع كارثة في اوساط النازحين في جنوب كردفان والنيل الازرق ، هل تم توجيه نداء دولي ومقترح انشاء ممرات آمنة في المنطقتين ؟
– ما يحدث الان جريمة دولية وانسانية كبيرة بكل المقاييس ، والحكومة تأخذ اكثر من (400 ) الف من النازحين كرهائن ، وهي تساوم وتسوف وترفض التوقيع على اتفاق الممرات الآمنة والذي وقعناه مع الامم المتحدة والاتحاد الافريقي والجامعة العربية منذ اكثر من ثلاث اشهر ، ولذلك هي القضية الاولى في ان السودان يواجه اكبر كارثة انسانية في افريقيا ، ويجب ان يتم تسليط المزيد من الاضواء ، لا سيما ان موسم الخريف قد بدأ ، وهناك خطر على ارواح مئات الالاف من البشر ، وهي كارثة تضر بمستقبل السودان .
= وهل تثقون في الحكومة السودانية في مسالة التفاوض والتوصل الى حلول معها ؟
– نحن لا نثق في النظام في اي يوم من الايام ، لكن التفاوض سيكون على اسس واضحة واذا اتفقنا كذلك سنتفق على اسس واضحة ، لقد مضى الزمن الذي يمكن ان يخدع فيه النظام اي احد ، فالقضايا واضحة والحلول كذلك واضحة .
= ما هو مستقبل السودان في ظل هذه الصراعات والانقسامات الحادثة فيه الان ، وكيف يمكن ان يتم تأسيس دولة بعد كل هذه الصراعات ؟
– مستقبل السودان يعتمد بشكل رئيسي على انهاء الشمولية والدكتاتورية وانزال هزيمة بمعسكر الامن العسكري الذي يعمل على قهر الشعب السوداني والذي قام بتقسيم البلاد الى دولتين ، ومستقبل السودان يعتمد ايضاً على توفير ارادة سياسية قوية بين كل القوى السياسية السودانية للوصول الى صفحة جديدة لتأسيس دولة سودانية حديثة وتأسيس سودان جديد قائم على اسس مختلفة عن الاسس التي قام عليها منذ استقلاله في العام 1956 ، وبالذات في ظل نظام الانقاذ ، وان تتفق كل القوى السياسية على وثيقة مشروع وطني يترجم نصوص دستور على كيفية حكم السودان ، لابد من الوصول الى ذلك ، والسودان بلد عظيم ومشروعه كذلك ، يجب الا ينتهي ويتمزق تحت يد هذه الطغمة ، ويجب ان يكون لدينا الاستعداد جمعينا لتقديم التضحية ، بان يتمكن الشعب السوداني من الاتفاق على مشروع وطني ويتمكن من اختيار حكامه ومحاسبتهم تحت نظام ديموقراطي قائم على اساس المواطنة المتساوية .