في مقال كتبته الدكتورة منى عبدالله ، زوجة رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك, عن حمدوك الزوج قدمت فيها وصفا دقيقا لجوانب مهمة من شخصيته وما يتميز به من الصفات.افتتحت المقال بقولها “عرفتموه كرئيس للوزراء الفترة الانتقالية، وعرفته زوجا، وصديقا ، ورفيق الدرب ، وشريك العمر حلوه و مره ، قرابة الثلاثين عام ، واتمنى ان تطول…” بهذه الكلمات تؤكد بلا ادنى شك بانها اكثر شخص يمكنها ان تقدم للقارئ الصورة الصغيرة لحمدوك الزوج قبل ان يكون رئيسا للوزراء . ثم انتقلت تتحدث عن حمدوك الهادىء ، الوفي، المتواضع ، المؤازر لاصدقائه واهله ، المنصف للمظلوم ، الذي يحترم الراي الاخر .هكذا قدمت الدكتور منى الصورة الصغيرة القريبة لحمدوك الانسان الزوج الذي يعمل خبيرا اقتصاديا في احدى اقسام المنظمة الدولية .
من جملة ما ذكرته قد يتفق معه الكثيرين في التواضع ، والتواضع من الصفات التي يصعب على الانسان ان يتصنعها او يخبئها ، قد تظهر في المشية. والجلوس ، والملبس ، والكلام .
قد يكون هذه الصفة من بين عوامل اخرى , مثل القرار الصحيح بغض النظر عن الكلفة ، هي التي مهدت الطريق للصورة الصغيرة لحمدوك الزوج بان ينتقل بسرعة الصاروخ الى محطة يمكن ان نسميه بظاهرة ” الحمدوكية”.
وهي صورة القائد الرمز لثورة ديسمبر المجيدة ، و الذي يلتف الناس حوله -شكرا حمدوك- ولم يختلف على قيادته احد ، حتى اولئك الذين اختلفوا معه حول مواقفه السياسية او قراراته. وهو القائد الذي يفرض عليه قائد الجيش الاقامة الجبرية ، ثم يستضيفه في منزله الخاص، ويتناول معه شاي الصباح في صالونه ،ثم ينقل بامان الى منزله، وهو القائد الذي يقول بانه يقدم كرامة الوطن فوق كرامته الشخصية. وهو بهذه التناقضات يجسد ما نسميه بظاهرة ” الحمدوكية”.
وهي صورة لم تقتصر في حدود السودان وحدها ، بل انتقلت معالمها الى الفضاء العالمي.الادانات والمناشدات التي طالبت باطلاق سراحه ، بالاضافة الى الوفود المحلية والدولية التي تزور منزله بلا انقطاع، والاتصالات التي تاتي من كل الجهات ، وربط الشرعية باسمه. كل هذه الاشياء ساعدت بشكل مباشر او غير مباشر على ترسيخ ظاهرة الحمدوكية في الثورة السودانية التي ابهرت العالم اجمع.وجعل من الحمدوكية كمحور يدور حوله الاحداث المرتبطة بثورة ديسمبر ايجابا و سلبا . وهو موقف عبر عنه احد نشطاء قائلا: نعبر شارع الحرية ونحمل لافتات مكتوبة فيها شكرا حمدوك ، يسلموا الجابوك ، لكن عندما نقطع الكبري نحو البراري نصطدم بشعار اخر وهو حمدوك خائن.
للحقيقة ان التاربخ يعلمنا بان وصول الانسان او القائد الى مثل هذه المرتبة دائما تتبعها عمل دؤوب و خلفية نضالية طويلة مصحوبة بمعاناة وماساة ، وبالهزائم والانتصارات ، بالتفافات وانشقاقات الرجال بما فيهم اقرب المؤيدين. فمن خلال مثل هذه المحطات عادة يؤرخ تاريخ الصراعات او مراحل النضال السياسي باسماء القادة . مثل المهدية، او جون “قرنقوية” في جنوب السودان ، او “العرفاتية” في نضال الشعب الفلسطيني ، او “الخليلية” في نضال حركة العدل والمساواة السودانية.
الفارق ان النماذج المذكورة اعلاه تختلف عن حالة ” الحمدوكية” لان معظم اصحابها كانوا منخرطين في مشاريع سياسية مرتبطة بالسلطة او الحكم ، ومشوا فيها فوق ظروف قاسية .اما حمدوك قد دخل المضمار من دون مقدمات طويلة ، كما هو نفسه ابدى منذ وقت مبكر عن زهده في اي مشروع يتعلق بمستقبله السياسي . و هو ما اكدته ايضا الدكتورة منى في نفس المقال بشكل قاطع.وهو بهذا يقدم نموذج فريد عن النماذج السابقة ,كما تختلف ايضا عن كل القيادات التي استلمت زمام الامور في دول الربيع العربي بعد سقوط الديكتاتوريات.
في نهاية المطاف نحن لسنا مع فكرة القائد الملهم او ” التاليه البشر نحن مع اتجاه ان ينظر الناس الى القادة كبشر عاديين يصيبون و يخطيئون، ويتعرضون للنقد والانتقاد و يخضعون للقانون والمحاسبة. لكن من جانب اخر نعتقد بان قضايا مثل النهضة او انهيار الدول, وعصور الازدهار والانحطاط وغيرها مرتبطة بصورة مباشرة باسماء القادة .
اذا كانت الدكتورة منى قدمت للقارىء الصورة الصغيرة لحمدوك الزوج ورفيق الدرب فان تلك الصورة الان انتقلت بسرعة الصاروخ الى ما يمكن ان نسميه ” بالحمدوكية” و هو موقع يفرض على صاحبه التزامات كثيرة من بينها الابتعاد عن مماحكات السياسيين الذين يقضون ساعات يومهم في نقد خصومهم من دون تقديم برامج مستقبلية ، وان يضع نفسه فوق الاحزاب، ويرسم المعالم الواضحة التي تساعد نحو العبور.