الحلقة الاولى ( 1- 2 )
ثروت قاسم:
[email protected]
1- نظام الإنقاذ والتجهيل للوعي السوداني ؟
في يوم السبت 21 اكتوبر 2017 ، نحتفل بالذكرى ال 53 لثورة اكتوبر الخضراء .
ولسه بنقسم يا أكتوبر
لما يطل في فجرنا ظالم
نحمى شعار الثورة نقاوم …
ولا زلنا نحمي شعار الثورة نقاوم ، منذ أن اطل في فجرنا ، الجمعة 30 يونيو 1989 ، ظالم !
بمناسبة الذكرى ال 53 لثورة
اكتوبر العظيمة ، سأل مذيع في قناة النيل الازرق التلفزيونية طالباً جامعياً عن سنة تفجير ثورة اكتوبر ، فإعترف بجهله لها . وسأله عن الشهيد القرشي ، فقال انه يعرف حديقة القرشي في الخرطوم 3 التي زارها مع مدرسته ، وإفترض ان القرشي صاحب الكافتيريا في الحديقة . إعترف الطالب إنه لم يدرس في المدرسة ، لا ثورة اكتوبر ولا حديقة القرشي .
هنا يتوقف الإنسان فى ذهول حول أمية المتعلمين فى سودان الانقاذ ، وأزمة جيل الانقاذ الذى لا يعرف تاريخ ثاني أمجد ثورة في التاريخ السوداني ضد الاحتلال الداخلي ، بعد الثورة الشعبية الكبرى التي طردت الاستعمار الخديوي الغاشم .
أمية التعليم في زمان الإنقاذ ، وضعف الثقافة الوطنية للمجتمع ، تُعتبر المعوق الاساسي ، من بين معوقات اخرى ، لضعف الإنتاج ، الذي إستولد الكارثة الاقتصادية وضيق المعيشة والفقر المدقع … العقوبات الانقاذية التي لم يرفعها نظام الانقاذ عن الكاهل السوداني ، رغم رفع ترامب العقوبات الامريكية عن نظام الإنقاذ .
المذهل أن يحدث ذلك الجهل والتجهيل فى السودان الذي كان يقرأ ما تكتبه القاهرة ، وتطبعه بيروت في زمن سالف جميل قريب . السودان الذي إستأنس البقر الوحشي ، وأقام اول تجمع انساني في كرمة في التاريخ الإنساني في زمن سالف جميل بعيد .
إدعى الشيخ راشد الغنوشي إنه وحسب تخطيط نظام الانقاذ في تشويه المخيلة والتاريخ السوداني ، فقد أخرج نظام تعليم نظام الإنقاذ ملايين من أنصاف الجهلاء ( وهم أسوأ من الجهلاء لانهم يدعون المعرفة ) الذين يجهلون حتى تاريخ بلادهم . يؤكد الشيخ الغنوشي إن نظام الإنقاذ لا يعتبر التعليم قيمة إضافية ، وحق من حقوق الانسان كالحق في الحياة والكرامة والحرية والتعليم النوعي ، بل آلية لمحاربة الطائفية ، خصوصاً كيان الأنصار ، الذي يعارض نظام الإنقاذ .
يجاهد نظام الانقاذ في إنهاء عصر الجماهير ، من خلال إنفاذ ما من شأنه تآكل وتضاؤل وزن الجماهير قوة محركة في العمل السياسي في السودان ، محاكياً أنظمة وأد الثورات التي نجحت في وأد مشروع الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين . تم إخصاء وإقصاء الجماهير من الثورات الجماهيرية في كل بلد من بلاد الربيع العربي ، وصارت كل ثورة ربيعية فريسة ممدة على الموائد ، تنتاب نهشها كل القوى الإقليمية والدولية المتربصة بمشروع الربيع العربي . وفي كل ذلك تم إقصاء الجماهير ليسود الملوك والرؤساء العرب ، الذين يقمعون جماهيرهم ، ويسدون عليهم أشعة الشمس .
في هذا السياق ، قال العراقي احمد مطر :
أنا السبب في كل ما جرى لكم
يا أيها العرب
هل عرفتم من انا ؟
أنا رئيس دولة من العرب .
2- حزمة ضوء اكتوبرية في عتمة ليل السودان البهيم ؟
بمناسبة الذكرى ال 53 لثورة اكتوبر الخضراء ، نحاول في هذه المقالة ، من حلقتين ، تعريف الشباب السوداني ، الذي أجهلته سياسات الإنقاذ البئيسة ، بحزمة ضوء اكتوبرية في عتمة ليل السودان البهيم ؟
يحتوي الغرض من هذا التعريف على عدة أهداف ، نكتفي بالاشارة ادناه لاثنين من هذه الأهداف :
اولاً :
نزعم ان تاريخ السودان ماهو إلا سيرة ذاتية لسودانيين عظام . وبالتالي يمكن للشباب معرفة تاريخ السودان من خلال تدبر سيرة ومسيرة حزمة الضوء الاكتوبري التي نحن بصددها في هذه المقالة .
ثانياً :
نتمنى ان يتخذ الشباب هذه الحزمة الضوئية قدوة يسيرون على دربها ، فهي ايقونة في الوطنية ، والفكر ، والثقافة ، والأستقامة ، وكريم الأخلاق .
نعم … في هذه المقالة نحاول إستعراض بعض البعض من عطاء هذه الحزمة الضوئية ، آيات لقوم يتدبرون ، ولكي نأخذ من هذا العطاء العبر والدروس ، لنستشرف مع الحزمة الضوئية وبها المستقبل الواعد . وغنى عن البيان أن استدعاء التاريخ في سيرة ومسيرة هذه الحزمة أمر مهم، حيث يتم إستلهام الدروس والعظات والعبر ، لتجنب السلبيات والبناء على الإيجابيات في عام آت .
وقديماً قالوا:
إن الأمة التى ليس لها ماض، لا حاضر لها ولا مستقبل.
نختزل في النقاط ادناه بعض البعض من عطاء هذه الحزمة الضوئية ، آيات لقوم يتفكرون … والاهم كما ذكرنا آنفاً ليتخذها الشباب قدوة يسيرون على دربها :
اولاً :
+ الشرعية الشعبية .
تحدثنا كتب التاريخ بأن الرئيس عبود ارسل اللواء الطاهر عبد الرحمن المقبول واللواء عوض عبد الرحمن صغير ، ليتفاكرا مع السيد الامام في اكتوبر 1964 حول الخروج الامن للرئيس عبود وصحبه ، وتسليم السلطة للشعب السوداني .
اختار الرئيس عبود السيد الامام من بين كل الساسة ، ورغم انه لم يبلغ الثلاثين بعد ، لان السيد الامام كان يملك ( الشرعية ) الشعبية ، التي دفعت ثوار اكتوبر للهتاف في الزنقات والشوارع والميادين :
الصادق امل الامة .
وهي ( الشرعية ) التي جعلته يؤم صلاة الجنازة على رفات القرشي العظيم في ميدان عبدالمنعم في يوم الخميس 25 اكتوبر 1964 .
وهي ( الشرعية ) التي جعلته يكتب مانفستو ثورة اكتوبر ، ( ويقود ) المفاوضات مع الرئيس عبود حتى خروجه من القصر إلى منزله الخاص في العمارات .
وهي ( الشرعية ) التي تم بموجبها ( إنتخابه ) رئيساً للجبهة الوطنية المتحدة التي قادت الثورة الشعبية ضد نظام عبود العسكري ، من 1961 وحتى إنتصار ثورة اكتوبر في يوم الاربعاء 21 اكتوبر 1964 .
وهي ( الشرعية ) التي تم بموجبها ( إنتخابه ) رئيساً لحزب الامة في يوم السبت 14 نوفمبر 1964 ، ولم يبلغ العقد الثالث من العمر ، وبعد أقل من شهر على قيادته لثورة اكتوبر الخضراء .
وهي الشرعية التي بموجبها تم ( إنتخابه ) رئيساً للوزراء في يوم الأربعاء 27 يوليو 1966، مُدشناً بدء الديمقراطية الثانية .
يا لها من شرعية شعبية مركبة وباذخة !
ثانياً :
+ درس للحركات الاسلامية الراديكالية ؟
من إفتتان السيد الإمام ب ( الشرعية ) مرجعية حصرية في كل افعاله واعماله ، إصراره على ( شرعنة ) تجربة كيان الأنصار ، الذي كان ، ولم يعد تقليدياً ، بل صار حداثياً وعصرياً .
في يوم الخميس 19 ديسمبر 2002 ، ( انتخبت ) هيئة شؤون الأنصار السيد الصادق إماما لها ، في مؤتمر جامع وحاشد ، وممثلاً لكل ولايات ومناطق السودان الحدادي مدادي . لم تكن للسيد الإمام أي يد في عملية الإنتخاب . فالمؤتمر تخطيطا وتنظيما وتمويلا وتنفيذا ، قامت به الهيئة عبر كوادرها في كل ولايات السودان . سلم السيد الإمام مساهمته للمؤتمر صبيحة يوم انعقاده كواحد من الأعضاء .
صحيح أن السيد الإمام هو صاحب فكرة تكوين الهيئة ، وظل يرعاها إلى أن اكتملت مؤسساتها ، فصارت تحكم وفق دستور ولوائح وأهداف.
قرر السيد الإمام إن الامامة لاتكون إلا بالانتخاب الحر الشفاف المباشر ، تنفيذا لوصية الإمام الصديق .
إنتخبت قواعد الأنصار إمامهم ، لأول مرة ينتخب كيان ديني امامهم في التاريخ الإسلامي ، منذ أن قال جبريل للمعصوم :
إقرأ !
وتماشيا مع توجيهات السيد الامام ، إنتخبت قواعد الأنصار في ذلك اليوم التاريخي مؤسسات فاعلة وفعالة لكيان الأنصار منها مجلس الشورى ، مجلس الحل والعقد ، واللجنة التنفيذية .
رياح ثورة اكتوبر الهمت السيد الامام في نقل كيان الأنصار إلى مرحلة الحداثة ، مرحلة المؤوسسات المنتخبة ، مرحلة الشفافية والمراقبة والمحاسبة ، مرحلة التجديد المُستدام ، مرحلة الإحتكام للقانون .
إذا إقتبست الحركات الأسلامية الراديكالية نموذج هيئة شئون الأنصار ، وإعتمدت صندوق الإنتخابات بدلاً من صندوق الذخيرة ، كمرجعية سياسية ودينية وثقافية ، لقضت على دابر الأرهاب والظلم والغبائن وحمامات الدم .
يجاهد السيد الإمام في نقل خبرة هيئة شئون الأنصار في هذا الموضوع الحيوي إلى هذه الحركات الراديكالية المتشددة التي يمزقها الاستقطاب والجهل .
وهذا الامر وحده ، من بين أمور اُخر ، كفيل بأن يفوز السيد الامام بجائزة نوبل للسلام في عام 2018 .
ومن سن سنة حسنة كما في الحديث ، فله أجرها وأجر من عمل بها.
بفضل عجاجات ثورة اكتوبر التي كرمت المواطن السوداني ، تجد الانصار أطوعهم لخالق وأعصاهم لمخلوق . اما في الكيانات الدينية الاخرى في السودان ، فتجد الناس أطوعهم لمخلوق وأعصاهم لخالق. حيث يُؤلهُ الناس شيوخهم في هذه الكيانات التقليدية .
في هذا السياق ، يحرص السيد الامام ، بكل الصدق والشفافية ، على أن يكون كيان الانصار جزءاً اصيلاً من المجتمع ، ويرى فى المحافظة على أمنه وأمانه واستقراره هدفاً يجب أن يسعى إليه الجميع. وعلى هذا النهج ربى انصاره ومريديه .
لم يشعر الانصار يوماً أنهم منفصلون عن المجتمع، أو أنهم متميزون عنه فى قليل أو فى كثير.
في التحام وانصهار الانصار في المجتمع ، يقول لسان حال السيد الامام :
( كم منا وليس فينا، وكم فينا وليس منا ) .
ثالثاً :
+ الشرعية الثورية ؟
ربما كان السيد الامام السياسي السوداني ( الوحيد ) الذي يستند على ( شرعية ) شعبية وجماهيرية باذخة طيلة الستة عقود المنصرمة ، فجرتها ثورة اكتوبر الخضراء . هذه ( الشرعية ) ارغمت الحكام الطواغيت على اللجوء للسيد الامام ، كلما دارت عليهم الدوائر ، وشعروا ان حكمهم إلى زوال ، فيحندكون السيد الامام بالمشاركة في الحكم والسلطة . ولكن نفس هذه ( الشرعية ) هي التي قامت سداً بين السيد الامام ، وبين قبوله بعروض الطواغيت .
اقول بملء الفم إن السيد الإمام هو السياسي الوحيد الذي لم يشارك في اي منصب تنفيذي او تشريعي بالتعيين ، في الشموليات الثلاثة ومنذ نوفمبر 1958 . يصر السيد الإمام على إنتخابه عبر انتخابات شعبية ونزيهة لاي موقع تنفيذي او تشريعي .
ظل السيد الامام يرفع لاءاته الثلاث لعدم المشاركة في النظم الشمولية الثلاث بسبب ( الشرعية ) التي يمتلكها ، والتي تحصنه من خذلان شعبه وثوابته ومرجعياته .
نواصل مع الحزمة الضوئية ….