تعديل قانون الإنتخابات: تكتيك جديد لعملية التزوير
* مبارك أردول
(1)
الخبر: لقد نقلت الوكالات الإعلامية المختلفة خبراً لإجتماع مجلس الوزراء السوداني تحدث بعده عدد من وزراء حكومة الوطني وأحزابه المختلفة مبشرين الشعب السوداني عموما وملوحين عصيهم للقوى السياسية المختلفة بالتعديلات الجديدة التي أحدثها الوطني (بمفرده) على قانون الإنتخابات المقبلة (لا ندري متى)، هذه التعديلات كما ذكرها من قاموا بعملية التزوير (التعديل) كانت في المدة القانونية التي يجب أن يقضيها الناخب في الدائرة ليدلي بصوته، والتي كانت ثلاثة أشهر ( 90 يوماً) في القانون القديم، وقد أعطى هذا التعديل أحقية للقوات المسلحة والرحل بحق التصويت في أي دائرة دون التقيد بهذه المدة.
(2)
مقالتي هذه ليست إحتجاجاً على قبح التكتيك الجديد لتزوير العملية بغرض تصحيحها حرصاً مني وعشماً لحضورها والمشاركة فيها ولكن لكي أفضح فقط مرحلة من مراحل عمليات التزوير التي يقوم بها الوطني مستغلاً مؤسسات الدولة للعملية الإنتخابية التي يفتكرها ويختصرها فقط في عملية الإقتراع.
قد يلاحظ القارئ بالأمثلة التي سوف أقدمها دعماً لحججي يجدها مقصورة على ولاية جنوب كردفان، هذه فقط لأنني كنت جزء من عملية إنتخاباتها التي جرت في عام 2011م وأعلم بدقة ما دار فيها.
يخطي من يظن أن العملية الديمقراطية تبداء وتنتهي في مرحلة الإقتراع والتصويت فقط، ويجهل من يقومون بعدها بالتبجح في المنابر الإعلامية مضاهيين العالمين بديمقراطيتهم ونفوذهم وحجم حزبهم في الساحة، فالديمقراطية يا (عباد الله) تبداء من السلام والإستقرار وتمر بالحريات العامة (التعبير والتجمع والمعتقد والتنقل وتداول المعلومات…الخ) و لن تنتهي الا وتعبر ببناء دولة موطنة بلا تمييز وتمتين أسس الحكم الراشد في الدولة التي تتميز بسيادة العدالة فيها وحكم القانون ومحاربة الفساد والمحسوبية … الخ.
(3)
سوف أعرض في هذه المقالة كل المراحل التي تمر بها العملية الإنتخابية والدور الذي يقوم به الوطني وموظفيه ليخدموا مصلحتهم الخاصة من التمسك والتشبث بكراسي الحكم.
الإحصاء السكاني: وهي عملية تتم بشكل مستمر ودوري في الدول لمعرفة عدد السكان وتوزيعهم بغية التخطيط السليم وتوزيع الثروة والسلطة والخدمات والموارد، غالبا تتم هذه العملية كل عشر سنوات فخلال هذه المدة تحدث عدد من المتغيرات السكانية والدمغرافية (مثلاً يظهر عدد من المواليد الجدد وبالعكس يتوفى عددهم أيضا ويرحل عدد من السكان نسبة للكوارث الطبيعية أو الكوارث بفعل الإنسان)، يستفاد من عملية الإحصاء أيضا في العملية الإنتخابية لمعرفة عدد السكان في الدولة عموماً وبحسابات يستخرج المختصون نسبة عددية تسمى بالقاسم الوطني.
هذا القاسم الوطني يقسم عليه عدد سكان كل إقاليم ليستخرجوا عدد الدوائر والممثلين الذين يجب أن يمثلوا الإقليم المعني في المجلس أو البرلمان القومي، وعلى أساس عدد المقاعد المستخرجة من حاصل القسمة هذه تتنافس الأحزاب السياسية والشخصيات المستقلة للحصول علي المقاعد في عملية حرة ونزيهة.
في السودان درج المؤتمر الوطني في التلاعب بعملية ونتائج الإحصاء السكاني، ففي الإحصاء السابق 2008م قام النظام مستغلاً الجهاز المركزي للإحصاء وموظفيه (بعد تطبيق نظريتي التمكين والصالح العام عليهم سابقاً) قام بتوجيه موظفي هذا الجهاز بتضخيم نتائج الإحصاء (عدد السكان) في بعض المناطق التي ينتشر فيها مؤيدوه أو يستطيع التلاعب فيها بعيداً من مراقبة المراقبين والقوى السياسية، أو تخفيض عدد السكان في المناطق التي يتوقع خسرانها.
لن نقول كلاماً حتي يطل علينا أحد مدعياً بأن حديثنا بدون أدلة، فكثيراً من المناطق إنتظرت العداديين لم يصلوهم أبداً الي أن إنتهت مدة التعداد حتى أصبحت نكتة يرددها العامة (لم يعدونا مالنا نحن ما سودانيين)، أما في جنوب كردفان مثلاً قام الجهاز المركزي بإفتراض عدد للسكان بعد مقاطعة الحركة الشعبية للعملية (إحتجاجاً على خلل كبير بينها تبعية الموظفين للوطني وكذلك عدم تضمين سؤالي الدين والهوية في إستمارة التعداد) قام الجهاز بإفتراض مليون وأربعمائة الف نسمة فقط على سكان الولاية، وليصبح عدد السكان بعد التعداد التكميلي المعاد في 2010م الي إثنين مليون وخمسمائة الفاً وكسر، أي بنسبة زيادة تفوق ال80%.
على أساس ذلكم التعداد المفترض كانت قد حصلت جنوب كردفان وحدها على عشر دوائر قومية عند تقسيم الدوائر، وجاء تقسيمها وفقاً للقاسم الوطني الذي كان حوالي 49 الف نسمة. في ذلك الوقت كان تعداد السكان السودان يشمل حتى سكان دولة جنوب السودان الحالية.
أما الأن وفي ظل التعداد الغير معروف لدولة السودان حالياً بسبب النزوح واللجوء وإنعدام الأمن في نصف ولايات السودان وهي ولايات دارفور الخمسة وكردفان الثلاثة والنيل الأزرق أي تسعة ولاية من جملة (18) ولاية مكونة للسودان، وأيضا بعد ذهاب عدد (10) ولايات كونت دولة جنوب السودان، كيف للوطني أن يخترع (يلتك) نتيجة جديدة للأحصاء السكاني الحالية ويخترع بعدها نسبة القاسم الوطني ليقسم بها الدوائر؟، فهذه أول مرحلة من مراحل التزوير وهي إفتراض نتيجة لعدد السكان متجاهلين الأحداث في أرض الواقع وبالتالي إفتراض نسبة للقاسم الوطني وإجراء العملية بترضيات بين منسوبيها وهي مختلة في الأساس.
(4)
المفوضية القومية للإنتخابات: في الأساس يجب أن يكون موظفيها محايدون لا يتبعون أو يميلون لأي جهة سياسية، ولكن التمكين الذي أصاب كل مؤسسات الدولة لصالح عضوية الحركة الإسلامية (الوطني حالياً) والتصفية والصالح العام الذي شمل كل معارضيها، كيف لنا الوثوق بمن يعمل في مؤسسات الدولة طلية فترة ال(25) عام من حكم الوطني وهو لا يكنُ له ولاءاً، فالحيادية إنتهت بلاشك وإن أعضاء المفوضية القومية للإنتخابات بلجانها العاليا الولائية هم من جمهور مؤيديه وخاصة في سلك التعليم، فهم يقمون أولاً بتوزيع الدوائر بشكل مختل دون التقييد بالمعايير الذي كتبها تنظيمهم (كشكرة ساي)، ففي إنتخابات 2010م وفي بعض الدوائر وجد عدد الناخبين المسجلين في دوائر لا يحظي فيها الوطني بتأييد تجدها تساوي في حجمها أربعة دائرة من الدوائر التي يأتي منها مؤيدوه أو تساوي ولاية كاملة (دائر كادقلي القومية نموذجا حيث فاق عدد ناخبيها عدد أصوات حصلوا عليها ولاة بعض الولايات).
وأيضا في توزيع الدوائر لاحظنا في إنتخابات جنوب كردفان الولائية 2011م أن عدد الدوائر التي حصلت عليها الحركة الشعبية كانت (10) دائرة بجملة أصوات (191 الف صوت) بينما حصل الوطني على (22) دائرة كانت جملة الأصوات التي حصل عليها (172 الف صوت)، لأحظ كيف يكون لعدد 191 الف ناخب عشر ممثل فقط في البرلمان بينما لعدد 172 الف ناخب 22 ممثل (قسمة ضيزى).
فبعض الدوائر التي يقوم برسمها موظفي المفوضية التابعين للوطني هي دوائر في الأساس وهمية ولا تحقق أدنى المعايير بل ليس لها وجود في الأصل الا في ورق المفوضية والهدف فقط تحقيق عدد كبير لزيادة عدد ممثلي الوطني في المجالس المختلفة ومنصبي الرئيس والولاة (راجع نتائج إنتخابات جنوب كردفان 2011 دائر السنوط حيث وجد أصوات لمركز وهمي في غرفة الفرذ بدون علم وكلاء الأحزاب والمرشح المنافس للوطني).
لن نقف مع موظفي المفوضية عند هذا الحد لأنهم الترزية المعنيين الأساسيين بتفصيل ثوب السلطة وتسهيله مقاساته ليرتديه الوطني بكل فخر وزهو وعنجهية.
(5)
السجل الإنتخابي: الفلسفة من تقسيم الدوائر الإنتخابية وتسجيل كل ناخب في دائرته هي إختلاف المناطق وبالتالي تباين إحتياجاتهم ومشاكلهم التي يجب أن يطرحها ممثليهم في المجالس المختلفة بغية حلها، وإذا لم يكن الممثل وفياً لناخبيه ولم يتحمل همومهم فسوف يغييروه في أقرب إنتخابات مقبلة، فالقانون القديم حدد مدة (90) يوماً على الأقل للناخب ليكون موجوداً في الدائرة على الأقل، لمعرفة مداخلها ومخارجها ومعرفة ممثليهم الصالح من الطالح (ويا ما هم كثر).
فعملية السجل يجب أن تحدث كل مدة زمنية محددة متفق عليها وإختلافها من عملية الإحصاء ففيها يتم تسجيل المواطنين البالغيين فقط (18+)، إلا إن عملية السجل هذه قد إعترتها في السابق عدد من حيل التلاعب والقصور المتعمد لصالح الوطني تمثلت في الأتي(على سبيل المثال):
– التلاعب في الجداول الزمنية للتسحيل بمنح بعض المناطق زمن كافي بينما تم التضييق في المناطق الاخري.
– خرق قانون الانتخابات باصدار بطاقات لاشخاص لم يحضروا الي مراكز التسجيل بل من خلال قوائم يحملها بعض الافراد بحجة إنهم قبائل رحل.
– خرق قانون الانتخابات بتسجيل القوات النظامية في مناطق عملهم والتي يحددها الموتمر الوطني.
– تسجيل اسماء أشخاص وهميين وبعضهم موتى.
– تسجيل بعض الأشخاص لأكثر من مرة بأسماء مختلفة.
– عدم نشر السجل في مراكز عديدة.
– نشر بعض السجلات في المراكز الخطأ و بصورة متعمدة. مما أدي الي أخطاء مهولة في السجل النهائي.
– تجاهل لجان المفوضية لكافة الإعتراضات والطعون التي قدمت اليها.
فنجد أن القانون الجديد المعدل اُحدث التعديل فيه بشكل متعمد لتبصم عليه القوى السياسية (إذا شاركت) لصالح المؤتمر الوطني وهو تكتيك جديد يقومون به بعدما تم أكتشاف الألاعيب القديمة، فالمعلوم أن القوات المسلحة (+ القوات الأخرى) يسيطر عليها المؤتمر الوطني وحده، فهو سوف يحركها بحجة تهديد أمني في المنطقة أو تحت أي دعوة ليقموا بإنقاذ مرشحاً للوطني متوقع سقوطه إذا ما تمت المنافسة بشكل نزيه، وربما التحرك مباشرة لدائرة أخرى بعد الإنتهاء من العملية بشكل جيد (successful mission).
أما أهلنا الرحل فلا حولة ولا قوة لهم في الأمر، فقط سوف يستخدم الوطني إسمهم ليدخل بها قوائم لإشخاص خارج سيطرة القوى الأخرى يقولون إنهم رحل والهدف فقط لتغليب كفتهم وملء صندوقهم، فالتعديل للقانون الجديد في هذه الجزئية بالذات سوف تشرعن عمليات التزوير والتلاعب أعلاه ويقلل من نسبة الطعون في نتائج الإنتخابات لأن من قبل الزبح بالقانون المختل فعليه أن لا يبكي من السلخ عند تطبيقه.
هذه ناهيك من التضخيم المتعمد الذي يقوم به موظفي المفوضية ليلاً للمذيد تابع (بداءت عملية السجل لإنتخابات جنوب كردفان من يوم 24 ينايرالي 12 فبراير 2011 ،ولكن لوحظفي يومي 11 و12 فبراير حدوث زيادات خرافية في دوائر المنطقة الغربية خاصة الدائرة 30 و 31 و32 المجلد – الدبب وشمال ابيي – الميرم والستيب علي التوالي فرفضت الحركة الشعبية تلكم الزيادات الخرافية واحرجت اللجنة العليا الولائية بامتلاكها لارقام وعدد الدفاتر بتوقيعات ضباط وموظفيها ووكلاء الحركة الشعبية فاضطرت المفوضية بإلغاء عدد 18 الف ناخب من السجل الانتخابي في الدائرة 30 المجلد ليصبح العدد 14 الف بدلا من 32 الفا وفصل ضابط الدائرة التابع لها هذا علي سبيل المثال).
(6)
الإنتخابات والحوار: مبداءاً غير مرفوضتين فالأولي هى الألية التي يتمكن بها المواطنون من إختيار حكامهم وممثليهم فإذا كان لابد من وجودها فهي تجرى بعملية تعداد سكاني جديد بعد إستتاب الأمن في كل السودان وعودة اللأجئين والنازحين الي مناطقهم وبقاسم وطني جديد، وهذا كله لا يتوفر طبعا إلا بعد تحقيق السلام والإستقرار في أرض الواقع وتعافي خزينة الدولة من ميزانية الحروب المتعددة، وبعد توافق القوى السياسية المسلحة والسلمية على إجراءات في عملية حوار قومي دستوري بمشاركة الجميع في مناخ حر ومهيئ بما فيها عملية الإنتخابات نفسها، ولكي تكون إنتخابات إستقرار تلبي رغبات المواطنيين وليس إنتخابات تساعد على التشقق بين أبناء الوطن وتدفق مذيداً من شلالات الدماء.
وأما الحوار : فقد توقع الشارع العام جدية للحكومة في عملية الحوار التي دعت اليه القوى السياسية، التي لم ترفض القوى السياسية مسالة الحوار وفي نفس الوقت لم تقبل بها بالطريقة التي يريدها المؤتمر الوطني، فهي قد قدمت مطلوبات عملية وخارطة طريقة لإجراء عملية حوار وطني حقيقي يفضي الي عملية تغيير في الوطن.
وأما الإنتخابات التي يدعوا إليها المؤتمر الوطني حالياً وبتعديل قوانيها في مجالسه فهي إنتخابات معزولة وداخلية تدور فقط بين عضوية الوطني وأحزابه المترادفة وهي لإبتزاز للقوى السياسية للقبول بالحوار بشروط الوطني أو إجراء الإنتخابات بطريقته وعلى كل فهي تكتيك جديد من الوطني للحفاظ على كراسي السلطة.
[email protected]
*مقرر سابق للجنة التعبئة والحملات بالحركة الشعبية لتحرير السودان– ولاية جنوب كردفان