تمر الحكومة السودانية فى السودان ما بين مطرقة توتر العلاقات مع حكومة الجنوب، وسندان انهيار اتفاق السلام مع متمردي العدل والمساواة فى إقليم دارفور، فأصبح الوضع لا يكاد ينتهي من أزمة، حتى يدخل في سقف أخرى، مما يجعل انهيار فرص السلام هى المثوى الأخير فى كل الأحوال، لتكتمل بذلك مسيرة المعاناة التي يخضع لها الشعب طوال العشرين عاماً الماضية من معارك وحروب غير منتهية التى دمرت كل الثروات الإنسانية، خاصة فى ظل سياسة الرئيس البشير، الذي قرر أن يحكم شعباً مقسماً به عرقيات متعددة، يقضي على أية وحدة وطنية يمكن أن تنشئ بين طوائفه. وقال د. هاني رسلان، الخبير في الشؤون السودانية إن فرحة السودان لم تستمر طويلاً بتوقيع اتفاق إطار السلام بين حكومة الخرطوم الوطنية وحركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور، حتى أخذت الخلافات والمشكلات تلاحق الجانبين، وتخلق توتر وتزرع الفتن بين طرفي الاتفاق المبدئي للسلام، التى سيؤثر عليه بالضرورة قرار طاهر الفقيه أحد قياديي حركة التمرد – العدل والمساواة – الذى أعلن فيه تعليق مباحثات الدوحة التي جرت مع حكومة الخرطوم لمدة شهرين، بعد أن وقعت خلافات بين الأطراف.
وأوضح أن سبب إعلان “العدل والمساواة “عن تجميد المحادثات، يتزامن مع تصاعد الخلافات الأسبوع الماضي، بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان، اللذين يمثلان قطبي اتفاق السلام المعروف باتفاق ” نيفاشا ” في السودان، الذي أخذت الحركة بمقتضاه على حكومة شبة مستقلة، وحكم شبه ذاتي، فضلا عن إعلان الحكومة لموعد الانتخابات النيابية والرئاسية المزمع إجراءها فى فبراير المقبل لتكون نواة لهذه الخلافات، التي كانت نتيجة لبعض التصريحات ضباط كبار في حكومة جنوب السودان، متهمة فيها جماعات مرتبطة بحكومة الخرطوم، بإطلاق النار على قاعدة لجيش السودان الجنوبي، بعد أيام قليلة من مقتل نحو أربعين جنديا ومدنيا.
وأكد د. زكي البحيرى خبير الشؤون السودانية أن الجنوبين ومتمردي الحركات فى دارفور، أن نظام الرئيس البشير يعيش الأن فترة من أكثر فترات التوتر في تاريخه، خاصة إلى جانب اتهامات ” المحكمة الجنائية الدولية ” ومدعيها العام لويس مورينو أوكامبو، بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب في دارفور، بالإضافة إلى صدور مذكرة دولية لاعتقاله بشكل نهائي، مما أفقده حصانته الدولية التي تمثل الحارس الشرعي لشتى رؤساء الدول في العالم .
وأوضح البحيري : لهذه الأسباب قرر الجنوبيون والدارفوريون ألا يفوتو الفرصة وأن يستغلوا ضعف الرئيس السوداني ونظامه إلى حد بعيد، خلال ممارسة ضغوطهم على النظام القائم، حتى يحققوا من يطمحوا إليه من مكاسب.
وأكد أن المواجهات العسكرية الأخيرة التي اندلعت بين شمال السودان وجنوبه وأثارت توتراً في العلاقات بينهما، جاءت بعد اشتباكات عرقية متوالية في الجنوب، وجه في أعقابها “باجان أموم”، أمين عام الحركة الشعبية لتحرير السودان، اتهامات مباشرة إلى حكومة السودان بمد جماعات تابعة لها بالسلاح، من أجل استهداف قوارب محملة بمساعدات الإغاثة تابعة للأمم المتحدة. وتكشف الاتهامات الخطيرة التى أدلى بها ” أموم ” للخرطوم، مستوى التوتر الذى وصلت إليه العلاقات بين الجانبين، حيث أكد ” أموم ” أن الحكومة السودانية بهذه التصرفات تغتال معاهدة السلام، خاصة أنه بعد أيام من تصريحات ” أموم ” فجر النائب الأول للرئيس السوداني سلفا كير مفاجأة من العيار الثقيل، عندما أكد أن الجيش الجنوبي فى أتم حالات التأهب والاستعداد، تحسباً لأية حرب مع الجيش السوداني، ما فيه من لغة تبدو غير معتادة بعد إبرام اتفاق نيفاشا، الذي جاءت التصريحات المتلاحقة من أموم أمين عام الحركة الشعبية لتحرير السودان ثم كير النائب الأول للرئيس السوداني، لتفجره. ويقول محللون سياسيون إن ارتفاع وتيرة العنف القبلي يهدد السلام الهش الذي تحقق بعد اتفاق السلام عام 2005 الذي أنهى الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، ووعد اتفاق السلام الشامل الذي وقع عام 2005 بانتخابات عامة عام 2010 واستفتاء بشأن مصير الجنوب عام 2011، لكن كثيرا من سكان الجنوب ساخطون بسبب نقص التنمية والركود في اقتصاد الإقليم القائم على استخراج النفط. خدمة ” وكالة الصحافة العربية ”