ابراهيم سليمان/
صوت من الهامش
رقص على طبول الحرب حتى وهنت قواه، ثم رقص على أنغام الخراب إلى أن كلّت ركبتاه، وهجّج في اعراس الشهداء، وما لبث أن نسيّ عائلاتهم وتركهم للضياع، وزمجر في وجوه اعداء وهميين، حتى خارت وجنتاه، استبدل الرُكب والنخب، واستعد للرقص مرة اخرى، في التوقيت الخاطئ، والزمن الخطأ، فزمرته الذين كانوا يشاركونه الرقص، ردف بردف، ويزاحمونه الهجيج كتف بكتف، قد انتفخت اوداجهم بشحم السحت، وبرزت كروشهم من المال الحرام، ولا سبيل لهم لساحات الرقص مجددا، اما غالبية افراد الشعب، فيعانون الحرمان، وما يجدون ما يسدون به الرمق، ولديهم ما يكفي مما يعّكر مزاجهم للرقص، فهل في جعبة الجنرال الإنقلابي الهارب من الإنجازات، ما يدفعه لتجديد الرقص طرباً، ولو منفردا، أم انها الفرفرة الكاذبة.
جرد حساب بعد ثلاثة عقودٍ عجاف، من الحكم المقيت، والإخفاق المميت ..
شرّدت الزرّاع، وسجنت المزارعين، وحوّلت الجنة النضيرة، التي كانت، إلى ارضٍ بورٍ بلقع، والذين كانوا يرددون معكم، فلنأكل مما نزرع، تحاصرهم الآن شبه المجاعة من الجهات الأربع، وها انت تتسول باسمهم اهل الخليج، اعطوهم او منعوهم. هدّيت الورش، وجففّت وقود المصنع، شرعنت الفساد، وسنيت السترة، ويا له من تصرف اخرق وارعن، وجدت مديونية السودان، ثمانية (8) مليار دولار فقط، واوصلتها إلى اربعة وخمسين (54) مليار (حتى ابريل 2018).
هل تدري كم مشروع كان قائماً أحلته إلى دمارٍ وخراب؟ وكم اسرة كانت هانئة قلبت حياتها إلى جحيمٍ وعذاب؟ وكم طفل ينام على مقربة من قصركم، بلا طعامٍ ولا شراب؟ وكم حلمٌ بشّرت به، واتضح ما هو الاّ وهمٌ كبير وسراب؟ وكم من مجرمٍ، كان مصّفدٌ، بمجيئك خرج من السجن بالباب؟ وكم من عزيز قوم، ذُل في عهدك كإذلال الكلاب؟ وكم عذراء اغتصبت في عهدكم، جهاراً نهاراً ودون حجاب؟
وإن كنت تفرح بالجسور، فالجسور هدتها الجقور، وإن كنت تفخر بالبترول، فالبترول ما استفاد منه غيركم زول، هل تظنن أنك دحرت اوكامبو، إم ارتحت من ملاحقة بنسودا؟ هل ترقص لأنك جئت بما لم يجئ به الأوائل من رؤساء البلاد في المحسوبية والفساد، ومكّنت وحميت زوجتك واشقاؤك ليصبحوا من اثرى الاثرياء بين عشية وضحاها؟ هل ترقص لأنك غدرت بإخوانك الإسلامويين، وبعتهم لأمريكا التي كنت تتوهم اشتهاء ملاقاتها وضرابها، أم أنك فرحٌ بغزو روسيا، التي كنت تتوعدها بدنو عذابها، وعودتك منها سالماً، وغانماً وعدٌ من بوتن بحمايتك كما حمى السفاح مثلك بشار الأسد؟
واما عن سد القرن، كما اسميته، فقبل ان يصاب الرُكب بالعطب، رقصّت حتى الثمالة فرحاً به، إلا ان فاتورة مبيعات الكهرباء الصادرة من وزارة المياه والكهرباء الإثيوبية، البالغة 47.5″ مليون دولار للعام المنصرم فقط، كشفت أن سد مروي الذي كلف الشعب السوداني 2.945 مليار دولار أمريكي، هي ام المواسير الإنقاذية، وفضيحة القرن، وهذه التكلفة المليارية، سيظل دينٌ متراكم ومعّلق في رقبة الأجيال القادمة، الذين بلا شك سيلاحقونكم باللعنات بعد الممات. هلّا اعتذرت للشعب السوداني عن هذه الهبالة الاقتصادية، بدلاً من التفكير مجددا في الرقص، وكأنك تصرفت دون مبالاة في مال ابيك!!
اما عن التعليم، فقد وجدت سبع جامعات سمان، ومعتبرة، احلت الثانويات إلى جامعات، فأوصلتها سبعين عجاف، لا تسمن عن علم، ولا تغني عن معرفة، وجعلت التعليم العالي سلعة قابلة للبيع، احتكرها ابناء الأغنياء، عبر شبابيك القبول الخاص، وهي سُبة ستظل شامة في جبين نظامكم الفاسد، وأنشأت فِرق جهادية من منسوبي حزبك الدموي بالجامعات، ليقتلوا زملائهم باسم الدين، وبأسلحة الدولة وتحت حمايتها، وسمحت بمنح الدرجات العلمية، والعلاوات الاكاديمية، لمن يستبسل في قتل اخوته في ساحات الوغى، اسوة بمن يستبسل في قاعات المحاضرات، وردهات البحوث العلمية!!
واما عن القوات المسلحة، التي تسلّقت على ظهرها لتصل إلى سدة الحكم، فقد استعضت عنها بآلة امنية ضخمة، عاست في الأرض فسادا، حتى اصبحت بعبعاً مرعباً اخافتكم، فاستعضت عنها بمليشيات قبلية، عقيدتها المال والنياشين الزائفة، ولم تعد للكية الحربية صيت او مهابة، أي انك تسلقت حائط السلطة، وحاولت جاهداً تدمير السلّم لتخلد في الحكم.
لماذا ترقص؟ هل لأنك قتلت اكثر من نصف مليون مواطن من الشعب السوداني، ولا تزال حراً طليقاً من العدالة، ام لأنك اجبرت عشرات الملايين من افراد الشعب على التقوقع في معسكرات الذل، وارغمت خيرة ابنائهم على البقاء في منافي الهوان؟ هل ترقص لأنك محظوظاً في معارضي حكمك، من القادة المعزولين عن الجماهير، ام تظن أن رياح الربيع العربي قد عبرت ولم تقتلع نظامك؟
على ماذا ترقص؟
على الخراب الذي احدثته، ام على جماجم الضحايا الذين قتلتهم بدم بارد، ودون وجه حق، وعلى اية ايقاع ستجدد العرض؟ على آهات الثكالى وارامل الحروب العبثية، ام على انين الأطفال الذين افرغت آلاف الأطنان من المتفجرات على منازلهم، ام على نحيب الأسر التي افقرتها و شردّتها؟
هل تجدد الرقص لأنك افرغت جام حقدك وكراهيتك على اهل دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، ام لأنك تخلصّت من بيويوكوان والزبير محمد صالح وابراهيم شمس الدين، وعملاؤك تخلصوا لك من قرنق وخليل ابراهيم، بتكلفة باهظة ثمنها وحدة تراب الوطن وكرامة اهله؟
ولماذا ترقص، هل استعِّت حلايب، ام حرّرت الفشقة؟ وهل باستطاعتك العرض صقرية في كاودا، او جبل مرة، أو ان ترقص منضبطا في كادقلي او الطينة او قيسان او حتى معسكر كلمة؟ لا تحاول، لأن الركب المتهالكة قد لا تخلصك هرولةً او هروبا.
وهل الرقص الصبياني يليق برئيس دولة محترمة، ام ان هزّ الأرداف من شيم الشيوخ، ام وجدت ان صفة الرئيس الراقص يليق بلكم ويميزكم؟
وكم من فقير ومسكين حاربتهم في أرزاقهم وسبل معيشتهم؟ من ستات الشاي، وبائعات الأطعمة، واطفال الدرداقات، وناس برّد، وكم من قصرٍ منيف شيّد في عهدكم، من عرق جبين، وعلى حساب هؤلاء الشرائح الضعيفة، اُنتزعت منهم بغير حق شرعي من مكوس وضرائب ومصادرات، ناهيك عن الأذى النفسي الجسيم والبدني الذي يصابون به من مطاردات ومضايقات واهانات يومية!!
هل تظن أن ألحان قيقم وندى “الخلاعة” لا تزال تطرب هؤلاء، أم تظنن انك اكتسبت مهارة وبراعة في الرقص ما يخفف آلامهم ويزيل مراراتهم اليومية؟
هل ترقص لأنك عفّرت سمعة البلاد بالأرض، واجبّرت رؤساء دول العالم، على الفرار من وجهكم، فرار الأصح من الأجرب؟
لم يعد سراً، أن الإسلامويين الذين اتوا بك، باتوا يلعنونك، وأن الذين مكنوك من الحكم، اصبحوا يتمنون زوال عرشك، ومن بقي من رفاقك الإنقلابيين قد تبرؤوا منكم علنا، وعدد مقدّر من قيادات حزبك منقسمون حول اعادة ترشيحك، والشعب على حافة القدرة على تحمل تكاليف وتبعات استمرار رئاستك الكارثية، فالخزانة العامة خاوية على عروشها وعلى وشك الإفلاس، والبلاد على شفا الانهيار، فعلام يفرحك لتفكر في تجديد الرقص ايها الإنقلابي الفاشل؟
من غير المعتاد، ان يرقص الإنسان السويّ، إن كان لديه ذرة من الإحساس بالهم او الغم، لذا نقطع الشك باليقين، بأن كثرة الجرائم المرتكبة، من قبل نظامكم في حق الشعب، طيلة الثلاثة عقود، بالإضافة إلى الخيبات والإخفاقات المدوية، اوصلتكم إلى حالة متأخرة من العلل النفسية المتراكمة، وما الرقص إلا نوع من الهذيان المفضوح، اي فرفرة المذبوحة من الألم؟
//ابراهيم سليمان//