ان كان مدير جامعة الخرطوم المخلوع حقا يريد نصح الرئيس , فليفعل ذلك في ما هو اكبر وافظع من مجرد مصادرة اراضي الجامعة.
السيد مدير جامعة الخرطوم المقال هو شخص مشهود له بالاستقامة والغيرة علي الدين اقله عندما كان طبيبا يافعا يضع قدمه لاول مرة علي سلم المهنة . كيف لا وهو الذي اليه يعود الفضل بتوفيق من الله عز وجل في تطهير ميز الاطباء بمستشفي الخرطوم من ان يكون وكرا للدعارة يرتاده كل من هب ودب ابتداءا من ساكنيه من الاطباء ومرورا بالفنانين, بعضهم من المشاهير , وانتهاءا بسائقي التاكسي , كلهم يصطادون النساء ولا وجهة لهم الا ذلك الميز الذي تمت ازالته حديثا بواسطة هذه الحكومة التي من اكبر امراضها ومظاهر فسادها الاستحواذ علي الاراضي العامة والخاصة وتحويلها الي شركات او بيعها الي افراد من ذوي الحظوة او لاجانب كما فعلوا بسجن كوبر ومساكن الشرطة والسجون ببحري التي تم بيعها لشركة النحلة للبترول , وكما تم بيع شواطئ العاصمة القومية لاحد اثرياء الخليج .المدير السابق هو الذي وقف في وجه احد الاطباء في ذلك اليوم الشهير من ايام العام 1982 ومنعه من اصطحاب صيدته الي غرفته بالميز فكان ان جرت معركة بينهما وبعدها لم يعد الميز كما كان الي ان زال من الوجود وحل محله مبني اخر فاخر.
وعندما تولي مصطفي ادريس البشير ادارة الجامعة استبشر الناس خيرا , علي الاقل الذين يعرفونه ويعرفون استقامته ونزاهته. ولم يخيب امالهم , فالرجل اجتهد وجاهد وكافح ضد الفساد ولكن كانت المعركة غير متكافئة فذهب ضحية تناصحه وتدافعه, وتكرر سيناريو الهلال الاحمر الذي كان رئيسا له في بداية الانقاذ وخرج منه ايضا بسبب مناكفته لرموز النظام نصحا وارشادا حتي قال احدهم حين اقالوه يومئذ بانهم , اي كبارات الانقاذيين , لايريدون شخصا كمصطفي يقول لهم هذا حرام فاتركوه وهذا حلال فاتوه. ولا ندري لماذا ظل مستمرا معهم رغم ادراكه بانهم ليسوا جادين بتحكيم شرع الله , وفاجانا بميله وانضمامه الي صف البشير في المفاصلة ونحن الذين ظنناه يذهب مع شيخه , او علي الاقل يناي بنفسه عن كليهما.
بيد ان حتي مدير الجامعة المقال انما يتناصح مع كبرائه ويتدافع في حدود مساحة مرسومة وهامش من الشفافية متفق عليه بين المؤتمرين الوطنيين لا يخرجوا عنه , ويتقبلون التناصح حوله ويعتبرون ما عداه من امور يراها غيرهم جسيمة ومن الكبائر , يرونه هم من ثوابت نظامهم واصول “دينهم” من حيث تطابقه مع جهادهم ومجاهداتهم لتثبيت اركان دولة “الاسلام” كما يفهمونه وحدهم وكما ظل يردده كثير من اقطابهم , بدءا من راسهم ومرورا بنافعهم وانتهاءا باصغر منتسب الي حزبهم من افراد المليشيات والمنتفعين , بان ما يفعلونه هو من الاسلام ومن توطين الدين .
فمثلا بدل ان ينبري مصطفي ادريس الي نصح راس النظام واساطينه واكابر مجرميه علي ان قتل الابرياء في سجون امن النظام وابادة نساء وشيوخ واطفال دارفور بالقصف تارة وبالحرق بنيران الجنجويد تارة اخري واهلاك الحرث والنسل , من كبائر الاثم ومن الجرائم البشعة والمقيتة في حق الانسانية , وبدل ان يقول لهم وبصوت عال ان تعذيب الانسان الذي كرمه الله حتي ولو كان مجرما اومتمردا لا يجوز شرعا وهو الرجل الذي كما اسلفنا شهدت له المحافل بغيرته علي الدين , وهو من المؤكد يعلم او قد سمع بحديث الرسول الكريم عليه افضل الصلاة والتسليم والذي فيه ينهي عن ضرب الدابة علي وجهها , فكيف بالذين يكسرون عظام وجوه معتقليهم ويهتكون اعراضهم نساءا واطفالا ورجالا , نقول بدل ان ينهاهم عن هذه المنكرات وكبائر الاثم والبغي بغير الحق , اذا به يستشيط غضبا من مصادرة ارض مملوكة للجامعة , وكان النظام قد خلت صحائفه مما هو ادهي وامر, ويغض الطرف عما اسلفنا من الموبقات والمحرمات , وهل هناك ما هو اكبر من قتل النفس التي حرمها الله ؟!.ولقد اصابني شيئ من الحزن فعلا عندما قرات واحدة من مناصحاته لراس النظام بعد عزله وخلعه من ادارة الجامعة , وفيها يقول بانه كان ينبه الرئيس الي ان ينظر كم هي تكلفة الحرب في دارفور!!, وارجو صادقا ان يكون قصده التكلفة البشرية وسط اهل دارفور والمتمردين والجيش علي سواء , وليس فقط التكلفة المادية من المليارات التي تذهب سدي في شراء الات الفتك من طائرات وقنابل وصواريخ ومركبات وذخيرة ,او الاموال التي تُدفع لزعماء الجنجويد ولشراء الذمم للتفريق بين الحركات المسلحة وشق صفوفها وتفتيتها , او تلك التي تدخل في جيوب الولاة الذين خانوا اهلهم واثروا واغتنوا من هذه الكارثة بعد ان اصبحوا جسورا لملء خزائن سادتهم وكبراءهم الذين استغلوهم لهذا الغرض حتي اذا ما دنت ساعة الحساب الدنيوي حين يسقط النظام لا يجد الذي يحاسب دليلا واحدا علي تلوث ايادي السادة الكبراء بدم الضحايا او بالمال المنهوب فيصبح هؤلاء الغافلين والمغفلين “النافعين” ضحايا , ولات حين مناص ولا ينفع وقتئذ الندم.
محمد احمد معاذ
[email protected]