انتفاضة شباب السودان والطريق للإعلام الخارجي الغائب .!
لا شك في أهمية الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام خاصة القنوات الفضائية في توجيه الأحداث واعطائها الزخم المطلوب ، وقد لعبت ثلاث قنوات فضائية وهي الجزيرة والبي بي سي بشقيها العربي والإنجليزي والسي ان ان دورا محوريا في نجاح انتفاضتي مصر وتونس بل يمكن اعتبار هذه القنوات الوسيط الذي نقل للعالم كله رغبة تلك الشعوب في الانعتاق والحرية .
وقد لعبت هذه القنوات مع غيرها بالطبع وان كان بدرجة اقل دورا هاما بالضغط على حكوماتها للضغط بدورها على الانظمة الهالكة لكبح جماحها ومنعها من البطش بالجماهير المحتجة ويبدو ذلك واضحا عندما سلط النظام الفرعوني في مصر “بلطجيته” لمهاجمة الجماهير العزل إلا من قضيتهم ، فسلط الإعلام الأضواء على تلك المحاولة الإجرامية الفاشلة وكشفها للعالم بالصور الحية ، وأجبر رؤوس الأنظمة المنهارة على الإعتذار العلني عنها ومحاولة التباكي على الضحايا والوعد بمحاكمة مرتكبيها . بل أجبر الإعلام بن علي على زيارة محمد البوعزيزي الذي كان غاية ما كان يتمناه عمل شريف يعتاش منه فكان منظرا فريدا أن يجتمع الجلاد والضحية وكان ثالثهم الإعلام ومن خلفه الدنيا لتشهد على ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.
ولكن ما لهذا الإعلام يبدو بعيدا عما يجري في بقعة أخري من العالم هنا في السودان ، ونحن نشهد لهاثه اليوم بعد أن استراح من لهب الثورة في تونس ومصر لعكس ما يجري في اليمن والبحرين وليبيا وايران ويتوقع أن يمتد لهيب الثورة لتصل لكل الشرق الأوسط و أفريقيا وتذكر دول بالاسم وليس من بينها السودان بالرغم من توفر كل الظروف لاشعالها بل بدأت الفعل بوادرها وقدم الشباب أول شهدائهم واعتقلوا وعذبوا وهددت الحرائر في شرفهن وأساء لهن حماة النظام منتهكين حقوق الإنسان علنا وبيانا.؟
يتحدث البعض همسا وأحيانا علنا عن تعتيم متعمد لأخبار السودان ولحالة التملل وسط الشباب ودعواتهم المتواصلة للانتفاض ويشير إلى قناة الجزيرة وصلتها بالإسلاميين ومن ثمَّ بالمتأسلمين “في السودان” .
كما يشير البعض أيضا لمحاولة غض النظر عما يجري في السودان من قبل الغرب وإعلامه بي بي سي وسي إن إن إلي أن تمر الفترة الانتقالية ويكتمل انفصال الجنوب ثم يكون لكل حادث حديث , فالقوى الكبرى وعلى رأسها أمريكا لن تجد نظاما أكثر إنبطاحا من النظام القائم في الخرطوم .
لا شك في أنه لا يوجد إعلام في الدنيا خال من الغرض ويعمل من أجل عيون الديمقراطية والحرية للشعوب المغلوبة على أمرها شأنه في ذلك شأن الأنظمة الغربية التي تهمها مصالحها . أما الكلام عن دعم الشعوب في قضاياها العادلة فكلام لا يصمد أمام إغراء المصالح .
قد يكون لكل هذه التحليلات نصيب من الصحة ، وقد يكون للمتشككين ما يدعم شكوكهم . ولكن إذا نظرنا لمعطيات الأحداث فالانتفاضة في مصر وقبلها في تونس فاجأت الإعلام الغربي كما فاجأت حكوماته التي اعتمدت على تقارير وكالات مخابراتها التي عجزت عن قراءت نبض الشارع والتغلل في عقل الشباب المتطلع للانعتاق والحرية .
لقد أجبر شباب الفيس بوك الإعلام الغربي على أن يلتفت له ويفسح له المجال للتعبير عما يريد كما أجبر حكوماته أن تقف معه لأنه أثبت أنه هو السيد المطاع وليس الحكومات الهالكة وأنه هو صانع المستقبل .
والشباب السوداني الذي لا يقل تطلعا للمستقبل من شباب مصر وتونس عليه وحده أن يصنع الحدث القادم وأن يجبر العالم أن يلتفت إلى قضيته العادلة وإلى حقه في التطلع لغد أفضل عندها سيجد صدى ثورته في كل أرجاء الدنيا خاصة أن النظام المتهالك في الخرطوم ليس له من صديق ولا حليف في طول الدنيا وعرضها وإذا سقط اليوم فلن يجد من يزرف دمعة واحدة عليه .
والمطلوب ألا يتسرب اليأس للقلوب العاشقة للحرية وألا يقنطوا من طول الطريق ولا من قرب تحقيق الهدف فكل المعطيات الداخلية والخارجية تنبئ بقرب نهاية هذا النظام الوشيكة ، فلم يتسلط نظام ويتجبر ويظلم الناس وكتب له البقاء , هكذا أنبأنا التاريخ وهكذا علمتنا دروس الأيام الماضية .فبن علي ومبارك لم تمنعهما جحافل الأمن والشرطة من الرحيل المخزي ولم ينفعهما الانبطاح للغرب فعندما يجد الجد ستكون المصالح مع الأقوى وليس هناك أقوى من الشعوب إذا أرادت الحياة .
د.زاهد زيد
[email protected]