الخرطوم: إسماعيل آدم
دشن الصادق المهدي رئيس حزب الأمة ما سمّاه «أسلوبا جديدا» لتحقيق «جمع الصف الوطني لمعالجة أزمات البلاد»، في أول حديث له أمس بعد عودته إلى السودان بعد غياب استمر 90 يوما، أثار جدلا واسعا وسط حزبه ووسط القوى السياسية. وأعلن أنه في سياق الأسلوب الجديد يسعى في الفترة المقبلة إلى إبرام اتفاق مع الحركة الشعبية لتحرير السودان عنوانه «نحو وحدة جاذبة أو جوار أخوي».
وحذر المهدي من أن البلاد سوف تتمزق وسيزداد فيها التنازع الدموي، ويُفتح باب التدويل إلى درجة فرض الوصاية على بعض أجزائها، إن لم تجد علاجا حاسما لأزماتها. وأجمل المهدي تلك الأزمات في: «عثرات اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب، ومأساة دارفور، والحالة الاقتصادية المأزومة، والصدام مع بعض جيراننا، وأزمة المحكمة الجنائية الدولية». وكشف المهدي أن برنامج حزبه الانتخابي يقوم على إبقاء النظام الرئاسي، والنظام الفيدرالي، والقضاء على الشمولية.
وكان زعيم حزب الأمة قد عاد إلى الخرطوم مساء أول من أمس، حيث حظيت عودته باستقبال كبير من أنصار حزبه، وكان لافتا أن حد خصومه في الحزب، وهو المحامي محمد عبد الله الدومة، من بين قيادات الحزب التي استقبلته في المطار. ويتوقع المراقبون أن يواجه المهدي عاصفة من الخلافات داخل حزبه في الفترة المقبلة، قد تقود إلى انشقاق ثانٍ في الحزب في العقد الأخير. وكان المهدي قد غادر السودان إلى القاهرة نهابة فبراير (شباط) الماضي، قبل ثلاثة أيام من صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف البشير، وبعد يومين فقط من ختام المؤتمر السابق لحزبه.
وفسر مراقبون بقاء المهدي كل تلك المدة خارج البلاد بأنه نوع من الهرب من أمرين: الأول الابتعاد عن تداعيات الأزمة بين السودان والمحكمة الجنائية الدولية بعد قراراها توقيف البشير، والثاني تفادي مواجهة الخلافات التي نشأت داخل الحزب خلال المؤتمر السابع للحزب. غير أن الأمين العام لحزب الأمة صديق إسماعيل ينفي تلك التفسيرات جملة تفصيلا، ويقول إن زعيم الحزب يتصدى في الخارج إلى قضايا قومية مهمة، وسيعود في أي لحظة.
وقال المهدي في خطابه لصلاة الجمعة أمس في مسجد الخليفة في أم درمان، وهو معقل أنصاره، إن غيابه تسعين يوما وزيادة كان «لا فسحة فيه ولا نزهة، بل هو انشغال بهموم السودان والعروبة والإسلام وأفريقيا، قارتنا الجريحة»، قبل أن ينوه إلى أنه غاب «اللحم والعظم، ولكن الروح والعقل والقلب معكم في كل صغيرة وكبيرة».
واستعاد المهدي برنامجه في أثناء غيابه، وقال إنه شارك في 10 مؤتمرات إقليمية ودولية، وأكثر من 3 لقاءات لدراسة مسألة حماية الأبرياء والمدنيين في ظروف الاقتتال «وما وقع لأهلنا في دارفور من جرائم حرب»، قال إنه «لا بد من الاعتراف بها وبحجمها».
وحصر المهدي أزمات السودان في: «عثرات اتفاقية السلام، ومأساة دارفور المركبة، والحالة الاقتصادية المأزومة، والصدام مع بعض جيراننا، وأزمة المحكمة الجنائية الدولية»، وحذر من أنه «إن لم تجد علاجا حاسما فإن البلاد سوف تتمزق، مما يزيد من التنازع الدموي ويفتح باب التدويل إلى درجة فرض الوصاية على بعض أجزاء الوطن». وأعلن المهدي أنه سيتحرك بأسلوب آخر لحل تلك الأزمات، بعد أن نوه إلى فشل المحاولات السابقة بالقول: «لم نترك شاردة ولا واردة إلا حاولناها قولا وفعلا لكي نحقق جمع الصف الوطني لمعالجة قضايا البلاد، ولكن المحاولات لم تحقق مقاصدها».
وحدد سبعة محاور للعهد الجديد، في مقدمتها «العمل على إبرام اتفاق مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، على أساس برنامج واضح عنوانه: (نحو وحدة جاذبة أو جوار أخوي)»، وقال إن الاتفاق «لا يهدف إلى إقصاء ولا استقطاب جديد، بل لإجماع وطني يجعل الوحدة جاذبة، فإن قرر أهلنا في الجنوب غير ذلك فليكن الجوار الأخوي. هذا المشروع المقترح يضع تصورا للتعامل مع قضية أبيي بعد صدور قرار التحكيم لتجنب العودة إلى المربع الأول، ويضع أساسا للاتفاق حول شروط الانتخابات العامة الحرة النزيهة، ويقترح معالجات للاختلافات حول الإحصاء، وحول تقرير المصير».
وفي سياق المحاور أعلن أنه سيقدم اقتراحا واضحا بإعلان مبادئ لسلام دارفور، فيه استجابة واضحة لتطلعات أهل دارفور المشروعة. وكشف أنه سيطالب «مؤسسة الرئاسة في بلادنا بعدم التصديق على أحكام الإعدام التي شملت حتى الآن 104 من المواطنين، واستبداله بأي عقوبة قابلة للمراجعة مستقبلا»، يقصد عناصر حركة العدل والمساواة الذين حكمت عليهم محاكم في الخرطوم بالإعدام لمشاركتهم في هجوم للحركة على أم درمان العام الماضي.
وحذر المهدي من مغبة ما سمّاه الاستخفاف بجرائم دارفور، وقال إن «الاستخفاف بها ومحاولة تجاوزها خطأ سياسي كبير، وهو في ظروف تطور القانون الدولي الإنساني الآن غير ممكن، وهو نهج يخالف مقاصد الشريعة»، فيما اعتبر مطلب تسليم رأس الدولة (البشير) للمحكمة الجنائية يجلب كثيرا من المفاسد، وجدد اقتراحه السابق بمحاكم «هجين».
الشرق الاوسط