الملهاة السودانية وعبثية المشهد ( 2- 3)
خضرعطا المنان
[email protected]
في الحلقة الماضية تحدثنا بايجاز عن حالة الفوضى التي ضربت أطنابها الوسط السياسي في السودان بعد توقيع اتفاقية كمبالا أو ( الفجر الجديد ) في الرابع من يناير الماضي وهوالتطور الذي أصاب حزب المؤتمر الوطني الحاكم بهستيريا لم يشهد لها الحزب مثيلا وقد بلغت حدا دفعت بـ ( عصبة بلهاء السلطان ) او ماتسمى زورا وبهتانا بـ ( هيئة علماء السودان ) لتكفير من وقع على تلك الوثيقة حتى قبل ان يطلعوا عليها مما جعل منهم أضحوكة في كثير من الأوساط السودانية في الداخل والخارج ومحل تندر بين مجالسهم .
الشاهد ان الوثيقة المشار اليها – باعتقاد ورغم تحفظي على الأسلوب الذي صيغت به و الطريقة التي خرجت بها للاعلام بتلك العجلة – قد لامست – في شكلها العام – كثيرا من اشواق السواد الأعظم من الشعب السوداني باعتبار ان ما يقارب ربع قرن يعد كافيا لنظام حكم عسكري/ عقائدي منبوذ وقائم على الحزب الواحد مع تعدد رؤوسه .. نظام أورث البلاد والعباد الفقر والتفتت والتشرذم والفاقة والتشرد والمعاناة وتشويه العقيدة ولم يجلب للسودان سوى الخراب والحروب والدمار والعزلة وزرع الفتنة بين مكونات مجتمعه من حيث يدري ولا يدري كما انه أوحد بيئة أضحت مستنقعا آسنا لذوي العاهات الأخلاقية المستدامة وتجار الدين وبائعي الذمم وكل من لامبدأ له في هذه الحياة فكان هذا الواقع المؤلم الذي سادت فيه جماعات هي أشبه بذباب تكالب على مكبات الزبالة وفضلات الحيوانات الميتة في ظل ظروف اقتصادية عزت فيها لقمة العيش على من يشتهيها من أفراد الشعب السوداني وأقعدته عن الابداع والابتكار وإعمال الخيال وجعلت منها كالضأن في الصحراء يسير بلا هدى أو دليل بحثا عن عشبة يقتاتها أو ظل يستظل به من لهيب صيف حارق .
أوضاع تلك هي سماتها يبدو أن (وثيقة الفجر الجديد) قد أغفلتها لتقفز الى ما كان يمكن أن يكون موضوعات لمراحل لاحقة تعقب طرحها للملأ لتشذيبها وتهذيبها وتناولها بالنقد والتحليل والحذف والاضافة لتصبح في نهاية المطاف ( وثيقة تراض وطني سوداني خالص ) ولكن ليست كــ(تراضي وطني الصادق المهدي التعيس !!) ..حيث كان الأجدر بموقعيها أن يضعوا أسسا موضوعية يمكن البناء عليها وصولا لصيغة نهائية تقود في نهايةالمطاف لتسديد ضربة قاضية مجمع عليها لحكم حزب المؤتمر الوطني واخراج الوطن من المأزق التاريخي الذي أوصله اليه هذا الحزب الذي تقوم كل ادبياته على الكذب والنفاق والمشاحنات وجهاد الملذات والفجور في الخصومات والبراغماتية القميئة والميكافيلية القبيحة التي تجلت بشكل أكثر وضوحا في تجربة الاسلامويين الذين وصلوا للسلطة أيضا في كل مصر وتونس عبر التزوير والتحوير وشراء الأصوت ووسائل أخرى نعرفها جميعا وقد تم توثيقها صوتا وصورة.
عموما كان يمكن لـ (وثيقة الفجر الجديد) ان تكون – كما قال أستاذنا فاروق أبوعيسى – عرسا للسودان أفسده موقعوها بالاستعجال على نشرها عبر مختلف وسائط الاعلام حتى قبل ان يجف حبرها فكانت ردات الفعل كما رأينا وكيف أن بعض أطرفها أنفسهم تبرأوا منها وانفضوا من حولها كأنفضاض السليم من الأجرب مما جعلها وثيقة يتيمة بلا أب حيقيقي ولا أم .. وثيقة قليلة الدسم ضعيفة المفعول وأشبه جسد بلا روح .
كم تمنيت – كما الكثيرون غيري – لو أن هذه الوثيقة تمهلت قليلا في الخروج للناس حتى يتمكن أهل العرس من ( تجهيزها وتحفيلها ) لتصبح عروسة يرقص الجميع في ليلة زفافها التي طال انتظار الكثيرين لها .. ولكنها العجلة التي ربما يكون لموقعيها مبرراتهم لها حيث أغلق النظام أي منفذ لحرية رأي أو صحافة أو تحرك حتى لو كان سلميا وعمد بلا استحياء للسخرية والاستهزاء بمعارضة عجزت حتى الآن في أن تكون صوتا واحدا أو جسما موحدا يملك القدرة على تحريك الشارع الساخط أصلا من نظام بغيض ومكروه حتى من بعض ممن قفزوا من سفينته المتهاوية وقد كانوا يوما جزءا منه وبوقا لأفكاره المريضة .
وفي الحلقة القادمة – بمشيئة الله تعالى – نتناول ( قصة فضائية المعارضة ) التي توالت فصولها وتعدد رواتها وبح صوتنا فوق دروبها دون بلوغنا المراد .. ولكنها ضرورة ملحة في زمان الفضاء المفتوح .. وقد رأينا كيف أن (قناة) أطاحت بأنظمة بعد أن عرتها وجردتها حتى ثيابها الداخلية لتأتي بأخرى مكانها !!.
أخيــــرا :
يا انقاذ ……
يا قـدرن تعيسـن شــوم
خيم في سما الخرطوم
زمانـن فــات محــال بيــعــود
يا قـدرن عليــنا نزل
ويا كابوس متين ترحل
يعــود فرحن سنيـن مفقــود .