( اما ان تفوز بسلامك او تشتريه , تفز به بمقاومة الشر , وتشتريه بالمساومة مع الشر ) , بهذا المقتطف الملهم لجون رسكن , يدشن الكاتب الامريكي البارز والمتخصص في الشئون السودانية اريك ريفز ارشيفه للسودان في الفترة ما بين 2007 – 2012 .
ويحتوي الارشيف المنشور علي الانترنت علي 500 الف كلمة .
ويفسر اريك ريفز مجهوده الضخم والتاريخي في مقاله المنشور ادناه , قائلا (تواجه عملية التأريخ للسودان الكبير منذ التوقيع على إتفاقية السلام الشامل (يناير 2005) خطرين إثنين. فهناك, أولاً, ميل واضح لدى الأطراف المهتمة لإعادة كتابة أجزاء مفتاحية من هذا التاريخ بطرق تقود إلى الخطأ, والتجهيل, والتستر على التجاوزات الأخلاقية. وثأنياً, تعاني المصادر الأرشيفية التي أفرزتها هذه الفترة – للغرابة – ندرة وسوء تنظيم في كثير من المجالات ) .
( ادناه مقال اريك ريفز للتعريف بالارشيف )
المساومة مع الشيطان: تاريخ ارشيفي للسودان الكبير, 2007 – 2012
اريك ريفز
نظرة عامة للمشروع
تواجه عملية التأريخ للسودان الكبير منذ التوقيع على إتفاقية السلام الشامل (يناير 2005) خطرين إثنين. فهناك, أولاً, ميل واضح لدى الأطراف المهتمة لإعادة كتابة أجزاء مفتاحية من هذا التاريخ بطرق تقود إلى الخطأ, والتجهيل, والتستر على التجاوزات الأخلاقية. وثانياً, تعاني المصادر الأرشيفية التي أفرزتها هذه الفترة – للغرابة – ندرة وسوء تنظيم في كثير من المجالات.
ينطبق هذا الأمر خصوصاً على دارفور, حيث لم يكن لمنظمات حقوق الإنسان ولعدة سنوات وجود مستقر من خلال التقارير. هذا بالإضافة إلى الفشل الكارثي لقوات الأمم المتحدة/ الإتحاد الافريقي التي كلفت بحماية المدنيين والعمليات الإنسانية في المنطقة. وبالنظر إلى توفر رغبة مؤسسية مقدرة جداً لطمس أبعاد هذا الفشل المكلف, فقد عانت السجلات التاريخية والأرشيفية بالقدر ذاته. ترتب على ذلك غياب كامل لأي تقارير حول أحداث العنف (بما في ذلك المجازر التي تعرض لها المدنيون), والقصف الجوي لقرى لم يكن بها مقاتلون, ووباء اغتصاب النساء… ولم تشر إليها بالتالي تقارير الأمين العام للأمم المتحدة حول دارفور. إلى ذلك يأتي أن وكالات الغوث الإنساني الخجولة التابعة للأمم المتحدة على الأرض ظلت صامتة معظم الوقت حول ما تعرفه عن تدهور الوضع الإنساني – وذلك مراعاة لحساسيات الخرطوم تجاه التقارير التي تتحدث عن القتل, والتجاوزات الأخلاقية والاغتصاب. في المقابل وجدت المنظمات غير الحكومية للغوث الإنساني نفسها مضطرة للسكوت عما تعرفه, خوفاً من أن تقوم الخرطوم بطردها. فقد طرد النظام خلال هذه الفترة أكثر من عشرين منظمة غير حكومية أو أجبرها على المغادرة.
في ذات الوقت لم يكن هناك تواجد قائم على تقارير حقوق الإنسان في عدد من المناطق الأخرى في (شمال) السودان, من تلك التي اتسمت بقدر عال من التململ الشعبي. شمل ذلك ولايات شرق السودان – البحر الاحمر, كسلا, والقضارف – وهي من بين افقر الولايات على مستوى السودان كله, حيث يعاني سكانها, ومنذ زمن طويل ربما أسوأ الأوضاع الصحية على مستوى القطر.. تخوض أيضاً ولايتان أخريتان من الجنوب الجديد حالياً تمرداً نشطاً ضد قهر الخرطوم, هما: جنوب كردفان والنيل الأزرق..أما استراتيجية الخرطوم المضادة للتمرد فتقوم على الإبادة, من نوع تلك الحملات التي شنتها على جبال النوبة (جنوب كردفان) في أعوام التسعينات. في ظل هذه الحملات تم بصورة متعمدة وشاملة تخريب الدورة الزراعية من خلال هجمات القصف الجوي المكثف للقرى, والحقول الزراعية, والماشية, ومصادر المياه.
وعلى الرغم من أن التقديرات تتفاوت بصورة كبيرة بين هاتين المنطقتين , إلا أن أكثر التقديرات تحفظاً تذهب إلى أن ما يفوق نصف المليون شخص أجبرو ا على النزوح, أو أنهم تحولوا إلى لاجئين في جنوب السودان واثيوبيا. أما المئات من الألوف من غير القادرين على الفرار إلى الجنوب فهم يتعرضون للموت البطئ بسبب الجوع, بعد أن فرضت الخرطوم حظراً كاملاً على العون الإنساني الدولي…مع ذلك , فإن ما نعرفه, وما سُجل حول هذه الأحداث قليل بصورة لافتة, بالنظر إلى فهمنا الواضح للطموحات العريضة وراء هجمات الخرطوم. فليس لدينا, على سبيل المثال, أي دراسات عامة عن نسبة انتشار الأمراض أو الوفيات لهذه المناطق.
في المقابل لم يكن لدى جنوب السودان سواء الاهتمام القوي بالارشفة ولا الموارد للقيام بها. وهذه هي إحدى نتائج نصف قرن من حرب أهلية مدمرة بما يفوق التصور, ولكنها امتداد أيضاً للطريقة التي أدار بها البريطانيون جنوب السودان أثناء الحكم الثنائي (1898 – 1956). هذا بالإضافة إلى أن ثقافة جنوب السودان ظلت “ثقافة شفاهية” للجزء الأكبر من القرن العشرين, ولم تتوفر له إلا قرائية وقدرات محدودة جداً لإنتاج مواد أرشيفية. لذلك بقي المؤرخون وعلماء الإناسة هم مصادرنا الرئيسية حول تفاصيل سنوات الحرب, بينما وفرت التقارير الصادرة حول حقوق الإنسان, خاصة في سياق تطوير النفط, أبحاثاً غنية بالمعلومات, حتى إن جاءت عالية التخصص. كذلك وبينما كانت هناك مراجعات عامة للسنوات الخمس الماضية من تاريخ جنوب السودان, إلا أن أقل القليل تجمع بطرق المواد الأرشيفية.
لذلك فإن هذا النص الالكتروني الكبير الذي أصدرتُه في الشهر الماضي إنما يسعى للمساهمة في الرصد الأرشيفي للنزاع, وتبعاته, على نطاق السودان الواسع, في السنوات الخمس الماضية. فالنص يجمع العديد من التحليلات والاصدارات التي تركز على جنوب السودان, والمناطق الحدودية ومنطقة ابيي, والكارثة الإنسانية المتواصلة في دارفور. وقد ظهرت كثير من هذه النصوص محررة بصورة كثيفة في مجلة “معارضة” (Dissent Magazine), وكذلك في عدد آخر من الاصدارات الوطنية والدولية, بما في ذلك الواشنطن بوست, ولوس انجلس تايمز, ووول استريت جورنال, والغارديان البر يطانية, وكريستين سينس مونيتور, وقلوبال آند ميل (كندا), والانترناشونال هيرالد تريبيون. وظهرت نصوص أطول في مجلة ريفيو اوف افريكان ايكونومي, واريكان استاديز ريفيو, وميدتررينيان كوارترلي, وتينابانتو: جورنال اوف افريكان ناشونال افيرز.
غير أن هذه النصوص ظهرت فقط في أشكال تتلاءم مع الطول الواقعي الذي تسمح به تلك الاصدارات؛ هذا في حين أن التحليلات المنفردة التي نشرتُها بصورة راتبة جداً في السنوات الخمس الماضية كثيراً ما تصل إلى 10000 كلمة (على الرغم من ان كثير من هذه النصوص ظهرت في صحيفة سودان تربيون المصدر االأكثر شمولاً لأخبار وتحليلات السودان في شبكة الانترنيت). ويأتي طول هذه النصوص بصورة أساسية من تضمينها اقتباسات من مجموعة واسعة من تقارير حقوق الإنسان عندما تظهر, ووثائق الأمم المتحدة, وتقديرات الموقف حول الأوضاع الإنسانية, والتقارير التي يقدمها النشطاء الدارفوريون في المنافي., والحزم الأخبارية المميزة لصوت دارفور المعروف باسم راديو دبنقا, هذا بالإضافة إلى المعلومات الصادرة عن مجموعة واسعة من المصادر السرية. لذلك كان ما أطمح إليه بصورة أساسية من الفصل الأول من هذا الكتاب هو الاحتفاظ بـ/ وتأطير هذه الأجزاء الواسعة من الاقتباسات والتقارير, التي من المرجح الآن أنها ستصبح غير متوفرة يوماً بعد يوم.
أما الفصل الثاني من هذا الأرشيف فيرصد الانهيار البطئ لإتفاقية السلام الشامل (2005): أسعى هنا لطرح الأدلة والتحليلات التي توضح كيف ولماذا سمح المجتمع الدولي بفشل هذه الإتفاقية بصور كثيرة, مما يهدد بنشوء حروب جديدة بل وأشد تدميراً. بينما يطرح الفصل الثالث في تفصيل وافي سرداً لخلفيات وتبعات العدائيات التي بدأت في منطقة ابيي الحدودية (مايو 2010), وانتشرت لاحقاً إلى جنوب كردفان (وجبال النوبة على وجه الخصوص). والنيل الأزرق, حيث لا زال النزاع مشتعلاً حتى هذه اللحظة.
ويتألف الجزء الثاني من كتابي من أربعة عشر ملحقاً, تم تحرير كل واحد منها ليقف لوحده, ويبدأ الجزء بتمهيد كتب من منظور الحاضر. وتتناول الملاحق مواضيع محددة وتقدم تحليلات ليس من اليسير تضمينها في الجسم الرئيسي للنص. بعض هذه التحليلات تقف منفردة بسبب معالجتها الشاملة لموضوع مخصوص, مثل الاغتصاب في دارفور, والوفيات في المنطقة, ودراسات وتفاصيل جداول بيانات لهجمات الخرطوم الجوية على المدنيين على نطاق السودان والأقطار المجاورة منذ عام 1990 وحتى الآن. بينما تتناول ملاحق أخرى خلاصات تجمع معاً سلسلة من تحليلات أقصر وأكثر تركيزاً لموضوعات محددة. ويسعى جزء ثالث لجمع معلومات مفيدة جاءت, فيما عدا ذلك, متفرقة على نطاق هذا النص الطويل: مسرد زمني مفصل بدقة يركز, على سبيل المثال, على أحداث السنتين الماضيتين, ومختصرات لكل القرارات الهامة لمجلس الأمن التي تتناول قضايا السودان. وقد صُمم هذا الكتاب الالكتروني ليكون قابلاً للبحث , من جانب, وسهل التصفح أيضاً؛ كما يتضمن الكتاب قائمة طويلة للمراجع ومجموعة كبيرة من الصور.
من بين التعليقات العديدة التي وصلتني وانا أعد لنشر هذا الكتاب غير المدعوم أكاديمياً أو تجارياً- عبّر التعليق الذي أرسله الجنرال المتقاعد روميو دالير أفضل تعبير عما أرمي إليه عندما قال: “توفر محتويات هذا العمل القاعدة التجريبية للجهود المتجددة والمتصاعدة لوضع حد للأعمال الوحشية في السودان, أو على أقل القليل توفر سجلاً تاريخياً يحول دون أن يدعي أحد أننا, ببساطة, لم نكن نعلم بما كان يحدث”. دالير هو بالطبع القائد المقدام لقوات الأمم المتحدة خلال الإبادة في رواندا. وقليلون هم الذين يدركون جيداً الطبيعة الباطنية لإدعاءات كثيرة جداً تقول “إننا لم نكن نعلم بما كان يحدث”.