العائدون إن لم يتم تفويجهم: فإلي أين سيأخذهم يوسف الشبنلي؟
بقلم:شول طون ملوال بورجوك
ما يحدث الان للاجئين العائدين من ابناء الجنوب الذين طال انتظارهم وتأخر نقلهم كثيرا من هناك الي الجنوب لهو كارثة انسانية حقيقية وخاصة بعد اصدار والي ولاية النيل الأبيض عدم سماح لهم بالإنتظار بميناء كوستي النهري بحلول الخامس من مايو الجاري..في الواقع إن معظم من هم هناك من الجنوبيين ومن منهم بأماكن أخري في الشمال تشبه اوضاعهم كأحوال من كُبِلتْ اطرافُهم ويُراد رميهم الي بركة ماء ويحذرون بعقوبة اخري افدح واشد لو تبتل ابدانهم بالماء،هذا بالضبط ما يراد ويحاك بهم ..لا يسمحون لهم الان بالسفر لان الحدود بين السودان و دولة الجنوب مغلقة تماما بعد ان صنفها البرلمان السوداني مؤخرا عدوا اول، لاحظ هي عندهم تأتي قبل اسرائيل ، وبعد أن اعلنت الخرطوم حالة الطوارئ في بعض ولاياتها المتاخمة لحدودها الجنوبية.. لا يسمح لهم بالانتظار ايضا ولا يقدم لهم اقتراحا بما يجب عليهم فعله كي يعودوا الي بلادهم …أعتقد في الامر شوية مبالغة وفيه شوفونية وعنجهية زائدتين ناتجتين من احساس يوسف الشنبلي وغيره ان بأيديهم كروت يبتزون ويضغطون بها علي الجنوبيين علي الاقل في الوقت الحاضر وفي المسائل المختلف عليها والتي تتوقع إعادة رميها علي مائدة المفاوضات المرتقبة بين الطرفين ..فبينما في الجنوب المواطن الشمالي تاجرا كان اوصاحب حرفة اخري في مدن وقري الجنوب، لا أحد يفكر في مضايقته ناهيك عن طرده من أراضي الجنوب وبينما تدرك السلطات في الشمال جيدا أن لها في الجنوب ايضا رعايا بأعداد كبيرة من مواطنين لاجئين ورعاة موسميين واسرهم برفقة مئات الالاف من البقر والغنم والخراف،فإنها لا تأبي البتة بذلك لربما أولا لعلمها أن السلطات الجنوبية لا تتصرف بهكذا المزاجية والنرجسية السياسية أو لربما أن هؤلاء اللاجئين والرعاة وبقرهم وغنمهم خارج دائرة التفكير والتغطية تماما لدي القيادة في الخرطوم وهذا الاخيرهو المرجح لدينا لاسباب عدة:
أولا: هؤلاء اللاجئون من النيل لازرق (اعالي النيل-المابان)،جنوب كردفان- (الوحدة- فانريانق)،دارفور(غرب بحر الغزال-راجا) هؤلاء الغلابة جميعهم في نظر النظام مغضوب عليهم أصلا لا لجرم اقترفته ايديهم بحق الانقاذ ،فقط لأن ابناء اثنياتهم رؤوس حركات التمرد ضد المركز السوداني..
ثانيا:واما الرعاة فيشملهم ايضا غضب الحاكمين ، من هم داخل دوائر اتخاذ القرارات في الخرطوم، لأن معظمهم-أي القبائل الرعوية الحدودية- رفضوا مرارا وتكرارا الانخراط في حملات استنفار حربي وقتالي ضد دولة الجنوب علي الشريط الحدودي الممتد بين الدولتين لأسباب يعيونها ويعرفونها جيدا وهو وحتي لو كانوا هم مجرد رعاة لا يفقهون الكثير في فنون التسيس و السياسة وألاعيبها ما يظهر منها وما يبطن فلا احد هناك ينكر اسلامهم دينا،هم مسلمون مؤمنون وهكذا كان علي الخرطوم ألا تتوقع لدغهم من نفس الجحر الف مرة..أستخدمتهم الخرطوم في جولات الحرب السابقة حطبا للنار وكان كل ما حصدوه بعد نهاية الحرب كالذي رجع به اعرابي حنين الي ذويه بعد طول السفر و قيل إن ما عاد به الاعرابي بعد خدعة حنين كان يداني في قيمته صفرا !!!ٌ..وبعده صارت تلك القبائل في عيون الكثيرين من الجنوبيين مجرد ايادي الخرطوم لا غير..
وبما ان نمط الحياة لتلك القبائل علي نفس الشريط الحدودي يجهل ماذا يعنيه الانفصال او قل بعبارة اخري ابقار البقارة لا تعرف اين تقع خطوط الطول والعرض الفاصلة بين البلدين والتي يشيرون اليها بحدود 1956؟…وعليه يجب الخرطوم اولا قبل كل شئ لو أراد لهذه الشعوب لقاءا عليها تدريب او تدريس أبقارها علم الخرائط وقواعد استخدامات (الجي. بي .اس) وقليلا من العلاقات الدولية والحدودية وضوابطها بين البلدان وتلقنها ايضا كيفية التقيد بها ومن ثم يطبقون كل ما يروق ويحلو لها من سياسات علي حدود الجنوب وإلا ستدفع تلك القبائل يوما ما ثمن السياسات الخاطئة الصادرة من الخرطوم ضد سكان الجنوب ولا تتوقع الخرطوم المثالية والعقلانية الدائمة في سلوك جوبا وسياساتها فللحلم أوقات وللجهل مثلها رغم أن جوبا للأول اقرب!!!…
لو كانت السلطات هنا تنتهج نفس النمط في التفكير ما يشبه ما أتي به يوسف الشنبلي والي ولاية النيل الابيض ومن يأمره من الخرطوم لأمرت ايضا رعاة البقارة بالمغادرة الفورية وترك الماء والعشب وراءهم داخل اراضي جمهورية جنوب االسودان في غضون ايام معدودات وفصل الخريف لم يبدأ بعد،تري ماذا سيكون مصير هؤلاء وبقرهم؟ ولحكومة الجنوب حق الرد بالمثل لأن أصلا مبدأ تبادل المنافع بين البلدين سوف ينتفي كليا لو استمرت سياسة احكام اغلاق الحدود ومنع انسياب السلع التجارية الي الجنوب بهذا المنوال ولكن رغم هذا فإن جوبا ومن يتخذون قراراتها رجال يعرفون ما يخدم منفعة الشعب السوداني من له صفة الاستمرارية والوجود في الحدود ويدركون ايضا أين تكمن مصلحة ثلة الانقاذ مَنْ سيحكي التاريخ عنهم يوما أنهم كانوا هنا ثم تواروا…وبقليل من المنطق والحساب: السكر الكناني المنتج من الشمال يمكن استبداله في اسواق الجنوب بالسكر البرازيلي او التيواني وقد حدث وسوف يحدث،الصابون من مصانع بحري يكمن الاتيان ببديل له من الجارة يوغندا، البيبسي الخرطومي يمكن سده بالعماني…وحلم جرا وليـذكر لنا نظام الخرطوم من أين سيأتي بعشب وماء بديل للعشب والماء الجنوبيين خدمة لابقار الرعاة والرعاة انفسهم!!!
و لنعود عزيزي القارئ الي موضوع العائدين الحياري بمدينة كوستي وفيه نواصل لنقول :رغم وجود الكثيرين معنا هنا من لا يتعاطفون كثيرا مع قضية مَنْ تقطعت بهم السبل في الميناء النهري السوداني “كوستي”ورغم اننا الي حد ما معهم نقف نفس الموقف الا اننا نختلف معهم جزئيا فيما يختص بميقات الملام والعتاب ونحث بشدة علي رفع اللوم عنهم ولو الي حين…فليس المكان والزمان بمناسبين لتوجيه انتقادات لهم ان اخطاءوا استراتيجيا في هذا او أصابوا في ذلك… ما يصبو اليه مركز القرار في الخرطوم وولاية النيل الابيض اكبر بكثير من المشهد الذي يترأي لنا ،ما يراد بهم هو جر انوفهم وانوفنا معا الي الاسفل تجاه الارض محل التراب امعانا في ازلالنا ، ما ينوون فعله هو ربط اخوتنا الجنوبيين في الشمال عموما وفي كوستي بشكل اخص بأوتاد كألتي تقيد بها حميرٌ ثم سيُتفزون ويقال لمن لا يزالون هناك بإستهزاء: ماذا تنتظرون هنا وقد صوتم حينذاك لصالح الانفصال بنسبة 100% تقريبا؟ لماذا لم تذهبوا الي الجنوب جنتكم الموعودة لتكونوا هناك مواطنيين درجة أولي كما اردتم ولماذا ولماذا؟؟ ومثل هذه الاسئلة يراد بها وأد بعض الحقائق علي الارض واختزال كل شئ في خياري الوحدة والانفصال،والا فلماذا اسرعت الحكومة السودانية في تسريح الجنوبيين اللذين كانوا يعملون لديها بسرعة بائنة قبيل أن يعلن الجنوب استقلاله رسميا في يوليو الماضي،نفس الحكومة تبأطت وتتبأط كثيرا الان ايضا في دفعهم مستحقاتهم وعام كامل قد مضي وجلهم لا يزالون في الخرطوم ينتظرون في ظروف قاسية وملئية باستفزازات وابتزازات . تصور ان نفس الأشخاص من يحرمونه حقوقهم يُسألون: ماذا ينتظرون ،وهم يدركون ما هم حارسون، في الشمال ولكن المراد بهذه الإستفسارات الفارغة هو مضايقته كي يضطروا في اخر المطاف الي المغادرة دون أن يستلم أي منهم فلسا واحد مما يستحقون!!!
نعم بين الجنوبيين المتواجدين هناك بعضٌ ممنْ اتخذ قرار البقاء هناك من تلقاء انفسهم وهم بلا شك من اثر فيهم الاعلام الشمالي الحكومي والغير حكومي الذي ظل يصور الجنوب علي انه ارض خربة لا توجد بها ابسط مقاومات الحياة من غذاء وصحة وتعليم وأن نيران التناطح القبلي قد احرقت وتحرق، بشكل يومي، كل شئ حتي الاخضر …الخ قيل لهم بإختصار أن ليس هنا ادني و ابسط ضروريات المعيشة وعلي رأسها الانعدام الكامل للأمن والسكينة وتلقي هؤلاء المساكين اكاذيبهم اواصغوا اليها بصدق حواسهم فصدقوها وقرروا البقاء دون قراءة متانية كافية مسبقة تساعد علي اجلاء بعض الغيوم علي مسار الاحداث السياسية واتجاهاتها وما ستفضي اليه من نواتج سالبة وتاثيراتها لاحقا علي مجري حياتهم.. ولنفترض جدلا ان الجنوب لا يتوفر فيه كل شئ يجعل استمرارية الحياة به شئيا ممكنا كما اشيع فهل يكفي هذا لاتخاذ مثل هذا القرار الخطير من قبل الاخوان ، اي البقاء في الشمال، حتي لو ذهب الجنوب الي حاله كما رايناه؟.قالوا الكتاب يكفيك عنوانه وعنوان مرحلة ما بعد استقلال الجنوب كان واضحا وقد قرأه لنا الطيب مصطفي ومنبره المسمي بمنبر السلام العادل وكمال عبيد واخرون قراءة جهارية فمن لم يسمعه او يرأه هو فقط من عُصِبت عيناه او وضع طري الطين والعجين في اذنيه ليسمع و يري بأم عينيه اليوم ما كان يجهله يوم أمس ولكن بعد فوات الأوان. ولو كنا قد استرجعنا الذاكرة الي الوراء قليلا لكان من الممكن اولكان في مقدور كل منا علي مفرده سرد قصة ذهابه هو واسرته الي الخرطوم والي الشمال عموما ابان الحرب والقتال بالتأ كيد لم تكن مجريات الاحداث تعطينا حينه فرصة او مجالا لوضع الترتيبات اللازمة للامور البيتية و الاسرية ولو لمستقبل قريب اومنظور ناهيك عن كونه لامد بعيد،لم تكن الأسر تخطر اقرباءها مَنْ قد سبقوها الي الخرطوم او الي سائر مدن الشمال عبر اجهزة الموبايلات..لم يسأل أحدٌ أحداَ مسبقا ما اذا كانت المياه الصالحة للشرب تتوفر هناك ام لا وكذا لا عن المدارس لأطفالهم والخدمات الصحية اوما اذا كانت لغة الدرس للأطفال حينها عربية ام انكليزية..ابدا لا شئ من هذا القبيل قد حدث وكل ما كان هناك هو ان رب هذا البيت او ربته كان يأخذان كل ما خف اوقل مَنْ خف من البنين والاقرباء!! والمغادرة في رحلة السفر الي اعماق المجهول كون الموت كان حقيقة تطل بوجهها المفزع في ذاك المكان والزمان…
ما ذكرناه من سرد و فصل لا يقع مباشرة في دائرة معاتبة إخوتي من هم رهائن ظرفهم الاَني هناك..ولكن فقط لتبيان ما كان افضل مما كان من فرص وقرارات!!!
والسؤال ما المصير وما الخطوة التالية ؟ أقصد مَنْ عليه ماذا من الواجبات من الاطراف المعنية بقضية اللاجئين الجنوبين بجمهورية السودان؟بدءا بالحكومة السودانية التي هي صاحب الدار وتعلم ان اعراف اللجؤ الدولي ليست من بينها خيارات علي سبيل :هذا ما نرفضه وذاك ما نختاره بل كلها حزمة قانونية متكاملة ملزمة تم القبول بها من قبل الحكومة السودانية امام شهود دوليين حين وقعت عليها..المجتمع الدولي عليه ايضا توفير مناخ انساني لهم و مراقبة اوضاعهم وبصفة خاصة الشق الامني لان الخرطوم كما نري تتأبط لهؤلاء شرا كبيرا وعليه ايضا تذكيرها دائما بما عليها من التزامات وفقا للقانون الدولي الانسان والسودان ضمن الدول الموقعة عليه كما ذكرنا اَنفا واما حكومة جنوب فعليها بالطبع فعل كل ما هو ممكن ومتاح، ما يضمن رجوع مواطنيها الي الوطن بكرامة وليس علي نهج الحكومة السودانية الذي يريد به عقابهم نتيجة لمواقف حكومة الجنوب الغير المنسجمة مع ما يتمناه أهل المؤتمر وهو الحصول علي بعض مكاسب غير مستحقة من الطرف الجنوبي..ولهذا السبب يجلبون الغضب من بعيد من هجليج ومن زمان قفل الصنابير ثم صب هذا”الزعل” كله علي مواطنيين جنوبيين لاجئين عائدين من لم يساهموا،بأي شكل من الاشكال، في صنع قرار منعهم من هذا او ذاك!!!…
طبعا بحكم طبيعة الاشياء علي الارض هناك فإن ترحيل جميع العائدين خلال الفترة القصيرة التي حددها الوالي امرٌ صعب التحقيق ،إن لم يكن مستحيلا، وأكيد سينتهي الأجل والموعد المضروب وسيأتيهم صباح السادس من مايو الجاري وهم نيام علي ضفة النهر بكوستي وعنده سنري إلي أين سياخذهم الوالي وماذا سيفعل بهم السيد المفدي يوسف الشبنلي وانظارنا وانظار كل العالم تتجه اليه و ترأه…
ملحوظة:هذه هي كانت طريقة تفكيرنا قبل أن نعلم بقرار الحكومة السودانية بمد الفترة الي العشرين ولم نود بدورنا تغيير ما كتبناه
[email protected]