(لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) صدق الله العظيم
[email protected]
في لقائه مع قناة روسيا اليوم، مؤخراً، قال السيد الصادق المهدي ( كذلك قلنا أوضحنا لهم أن هناك قضية المحكمة الجنائية الدولية هذه قضية لا يمكن أن تهمل لأنها تلاحق القيادات السودانية وتضع لهذه القيادات شللاً كبيراً . لا يمكن تجاوز هذا الموضوع خصوصاً وأن الحكومة الحالية تحاول الاستمرار في السلطة لتحمي نفسها من هذه القضية. وهذه القضية لا تتقادم. وهناك حلان: إما أن يحدث ما حدث لأهورو جومو كنياتا الذي ذهب الى لاهاي وبرأ نفسه، أو وهذا الخيار الآخر أن يكون هناك حل سياسي عبر مجلس الأمن وهذا يمر عبر اتفاق سوداني. فإذا إتفق السودانيون وهم ضحايا هذه الجرائم يمكن لمجلس الأمن أن يضع حلاً سياسياً ) !! إن تصريحات السيد الصادق هذه، لا تختلف عن جملة مواقفه، الضعيفة، الخائرة، التي يحدوها الخوف، ويوجهها الطمع، لتصب دائماً في مصلحة حكومة الإخوان المسلمين، التي تنهش في عظم الشعب السوداني .. فهو يستبعد تماماً القبض على الرئيس البشير، وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية، ويرى أن هنالك حلين: أحدهما أن يسلم البشير نفسه بنفسه كما فعل كنياتا !! وهو يعلم أن هذا لا يمكن أن يحدث، لأن البشير مذنب، وقد اعترف بذنبه، حين قال أن أيديهم ملطخة بدماء أهل دارفور .. والحل الآخر هو ألا يسلم البشير للجنائية، وإنما يتفق السودانيون على معالجة سياسية، تحمي الرئيس البشير،من عقوبة المحكمة الجنائية !! والسيد الصادق يرى أن هذه القضية يجب ألا تهمل، ليس لأن هناك آلاف القتلى، والنازحين واللاجئين، والقرى المحروقة، والنساء المغتصبات، وإنما (لأنها تلاحق القيادات السودانية وتضع لهذه القيادات شللاً كبيراً) !! فهو لا يهتم بأهل دارفور، وإنما يريد إنهاء القضية، من أجل قيادات المؤتمر الوطني التي شلتها القضية عن الحركة .. فهل هذا رجل وطني، دع عنك أن يكون زعيماً سياسياً، أو إماماً لطائفة دينية ؟!
ولما كان السيد الصادق المهدي يتزعم المعارضة، باعتباره رئيس تكتل نداء السودان، والجبهة الثورية التي تضم كافة الفصائل المسلحة، والأحزاب المعارضة للحكومة، فقد أوقعت تصريحاته،التي تدعم المصالح المباشرة لحكومة الاخوان المسلمين، حلفاءه في حرج بالغ.. فسارعوا بتوزيع البيانات، التي تؤكد أن هذا الموقف الضعيف لا يمثلهم، فقد جاء ( التصريحات التي صدرت من السيد رئيس حزب الأمة القومي تخصه وحده هو حزبه، وإن كان لدينا ما نقوله في هذا الشأن فإننا نطالبه، هو وغيره من دعاة هذا الإتجاه في معالجة موضوع قضية دارفور المودعة في منضدة القضاة في المحكمة الجنائية، أن يحترموا مشاعر الضحايا ويتحلوا بالصمت إن لم يشعروا بفداحة ما تعرضوا له من ظلم وفظائع.)( بيان حركة جيش تحرير السودان- الراكوبة 25/7/2018م) .. جاء في بيان الحركة الشعبية شمال:
(1-قرار المحكمة الجنائية قرار واجب التنفيذ ولن يسقط بالتقادم وهو نتاج لحرب الابادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية التي ارتكبها البشير ونظامه.
4-المحكمة الجنائية قضية يجب الا تخضع للمساومة السياسية )( الحركة الشعبية لتحرير السودان 25/7/2018م).
وحين توالت البيانات في شجب موقف السيد الصادق المهدي،شعر حزب الأمة، بالحاجة للتبرير، حتى لا يفقد حلفاءه، وعدداًكبيراً من أعضائه، الذين كانوا يختلفون مع السيد الصادق، كلما رأوا منه خوراً في علاقته مع حكومة الإخوان المسلمين .. فأخرج بياناً جاء فيه (اثارت إفادات الحبيب الإمام الصادق المهدي رئيس الحزب القديمة المتجددة حول ملف مثول البشير أمام محكمة الجنايات الدولية بعض اللغط ولازالة هذا اللغط يوضح الحزب ويؤكد على الآتي:
أولاً لقد صدرت تلك الافادات في اطار دعم حزب الامة القومي ورئيسه لمحكمة الجنايات الدولية ودعماً لجهود المجتمع الدولي والانساني في عدم الافلات من العقوبة ….. و مازال موقفه بجانب تحقيق العدالة وهذا المعنى طرحه للمحكمة الهجين ولمقاربة العدالة وعدم الافلات من العقوبة)( وسائل التواصل 25/7/2018م) وحين عجز بيان حزب الأمة عن التبرير، جنح الى التضليل، فهو يحدثنا عن أن السيد الصادق يدعم المحكمة الجنائية الدولية، ولو كان حقاً يدعم المحكمة، لدعم قرارها المطالب بتسليم البشير لها، فأنت لا يمكن أن تدعي أنك تدعم محكمة ما مادمت رافضاً لقرارها !!
على أن ما جاء في بيان حزب الأمة، من أن هذا الرأي للسيد الصادق المهدي قديم، ولكنه قام الآن فقط بتجديده، فصحيح ..ففي مقابلة مع صحيفة الخليج، جرى الحوار مع السيد الصادق المهدي كالآتي :
( س- وماذا سيكون موقفكم في حال أتى قرار المحكمة الجنائية بتوقيف البشير ؟
ج- نحن مع المحكمة الجنائية ومع القرار رقم 1593 لكننا ضد تسليم رأس الدولة لأسباب عديدة أولها أن تسليمه لن يتحقق من دون أن يؤدي الى مقاومة وهذه المقاومة قد تؤدي بكل الترتيبات الموجودة حاليا في السودان وهذا الثمن غال للغاية وثانيا لأنه حتى إذا سلمنا بتجريم رأس الدولة فهناك آخرون في المسرح الدولي جرائمهم موثقة ومعترف بها ومنها جرائم الرئيس الامريكي السابق جورج بوش ورئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت لكن النظام الدولي الحالي بما يتبعه من إزدواجية في المعايير لم يفعل شيئا في هذا الصدد وهذا يعني أن التعامل مع رأس الدولة السوداني هو فقط جزء من مشروع إستعلائي من الأقوياء على الضعفاء وهذا لا يمكن أن يجد منا تاييداً ولذلك نحن نتحدث عن صيغة فيها مساءلة لكي لا يكون هناك افلات من العقوبة لكن بآلية داخلية .
س- كيف؟
ج- عبر محكمة هجين مكونة من قضاة سودانيين وعرب وأفارقة معروف عنهم إستقلال الرأي وهذه المحكمة الهجين ستطبق القانون الدولي الجنائي.
س- وهل هناك أمل في معالجة قضية المحكمة الجنائية ؟
ج- نعم أولا بتحقيق إجماع في الرأي السوداني من أجل حل مشكلة دارفور خارج سقوف اتفاقتي نيفاشا وابوجا بما يستجيب لمطالب أهل دارفور وهي معروفة وأيضا بتحقيق مشروع التحول الديمقراطي بصورة ترضي تطلعات الشعب السوداني وفي رأيي أن مثل هذه المعالجة يمكن أن تكون محل إجماع القوى السودانية كلها الحاكمة والمعارضة وفي تقديري أيضا أن القوى السودانية يمكن أن تصل الى مثل هذا الاتفاق والذي يمكن أن يكون مقنعاللأسرة الدولية التي كلما أعطتها الحكومة الحالية شيئا تريد أشياء أخرى وفي رأي إن هذا هو الطريق الثالث وهو الطريق الحتمي الذي ينبغي أن نسلكه مع استحالة كل من الطريقين الأول والثاني المواجهة والاستسلام و أرى أنه لا خيار عنه ولا بديل له وهو الطريق الصحيح ونحن نسعى في حواراتنا مع القوى السياسية الأخرى لاقناعها بهذا الموقف وكذلك نحن متصلون بكل قنوات الأسرة الدولية لاقناعها بذات الموقف.
س- كان الناس يعلقون آمالا كبيرة على ملتقى أهل السودان بأن ينقل السودان لمرحلة جديدة يستطيع أن يقاوم فيها الضغوط لماذا لم يحدث ذلك؟
ج- الآن نحن في مرحلة جديدة والحديث عن المراحل السابقة لم يعد مجدياً وكل ما حدث في ملتقى أهل السودان واتفاق التراضي الوطني بين حزبي المؤتمر الوطني والأمة وغيرها كانت مقدمات طيبة في التمهيد لنوع من التواصل بين الاطراف السياسية في السودان ولكننا الآن أمام أجندة مختلفة.
س- قلت من قبل إن اتفاق التراضي الوطني اختطفه الصقور في حزب المؤتمر الوطني؟
ج- لا أريد الكلام عن الماضي.)(صحيفة الخليج 2/3/2009م).
إن رأي السيد الصادق المهدي، القديم المتجدد، كما وصفه بيان حزب الأمة، هو رفض تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية، ليحاكم على الجرائم التي ارتكبها ضد الشعب السوداني في دارفور !! وسبب رفض تسليم البشير، عبر عنه السيد الصادق من قبل بقوله (البشير جلدنا ما بنجرو بالشوك)!! ولما وجد هذا التصريح الأخرق، رفضاً واسعاً، وتسبب في خروج البعض من حزب الأمة، ظل السيد الصادق على موقفه، ولكن غير السبب،وتبنى نفس رأي المؤتمر الوطني، وهو أن المجتمع الدولي يتعامل بمعايير مزدوجة، وب(استعلاء) فيريد محاكمة البشير، مع أن هناك مجرمين آخرين، لا يقدر على محاكمتهم .. وذكر السيد الصادق هنا الرئيس الأمريكي جورج بوش، ورئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت، وهؤلاء حاربوا شعوب أخرى، وقتلوا من قتلوا، أثناء هذه الحروب، التي كانت بين جيوش، أو جماعات مسلحة، ولكن البشير إعترف بأنه قتل آلاف المدنيين العزل، من أبناء شعبه،فأتهم بالتطهير العرقي، والإبادة الجماعية، وهو يواجه حكم محكمة دولية، بخلاف بوش وأولمرت .. ومع ذلك، لو كان السيد الصادق صادقا،ً ومهتماً بما جرى على أهل دارفور، لأيد تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية، وطالبها، في نفس الوقت، باصدار أحكام ضد بوش وأولمرت !! والمحكمة الهجين التي اقترحها السيد الصادق من أفارقة وعرب لماذا قبل بهم ؟ أليس هناك زعماء أفارقة وزعماء عرب ارتكبوا جرائم ولم يحاسبوا عليها ؟! فما ميزة هؤلاء على المجتمع الدولي الذي عجز عن محاكم بوش أو أولمرت؟!
والحقيقة أن السيد الصادق المهدي، لايدين نظام البشير، على تقتيل السودانيين في دارفور، وجبال النوبة، والنيل الأزرق، ولا يدين تعذيبهم للمعتقلين، أو إغتصابهم للسودانيات، أو نهبهم لأموال الشعب، وإفقارهم للمواطنين، حتى أصبح طلاب مدارس الأساس، يبكون من الجوع داخل مدارسهم .. لو كان يدين هذه الجرائم النكراء، لتبرأ من ولده المشارك فيها، باعتباره مساعداً للرئيس المسؤول عن كل هذه الفظائع !! فكيف يقبل رجل مسلم،وزعيم ديني، من ولده المشاركة في حكومة، تقوم بقتل النفس، وهو يعلم أن من قتل نفساً فكأنما قتل الناس جميعاً ؟؟ كيف يقبل زعيم حزب يؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان، من ولده أن يكون مساعداً للرئيس، الذي صادر الديمقراطية، وانتهك حقوق الإنسان ؟؟ إن السيد الصادق المهدي يرفض تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية، لأن هذا يعني سقوط النظام، وسقوط النظام بالاضافة الى محاسبة بعض رموزه خارجيا، سيحاسب الباقين داخلياً .. وهذا ما يخشاه السيد الصادق، أن يحاسب إبنه عبد الرحمن، مثله مثل قادة المؤتمر الوطني. ولهذا تحدث عن حل سياسي، يتنازل فيه الاخوان المسلمون عن السلطة، بضمان عدم محاسبتهم على جرائمهم، فتكون عملية تسليم وتسلم، من النظام العسكري لحزب الأمة، كما طلب السيد الصديق والد السيد الصادق نفس الأمر من حكومة عبود من قبل.
إن البيانات التي صدرت عن الحركة الشعبية شمال، وحركة تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة، تعليقاً على تصريحات السيد الصادق المهدي الأخيرة، بيانات هزيلة، ولا تمثل الإنحياز الحقيقي، لضحايا هذا النظام من السودانيين الأبرياء، فمن حق أهالي القتلي، والمهجرين، ومن حق النساء الحرائر المغتصبات في دارفور، على هذه الحركات المسلحة، وهذه التنظيمات والأحزاب،أن تصدر بياناً مشتركاً، يعزل السيد الصادق عن قيادتها، ويضعه في موضعه المتماهي في خبث، مع حكومة الاخوان المسلمين .. ولا تظنوا أن الصادق المهدي لو كان معكم سيزيدكم قوة ، بل سيزيدكم ضعفاً.. وأنتم إن عجزتم عن إسقاط السيد الصادق اليوم عن قيادتكم، فأنتم عن إسقاط النظام أعجز، إذ لا يمكن ان تسقطوا نظاماً، أفلح في وضع مناصريه في قمة قيادتكم.
د. عمر القراي