بقلم: د. حيدر ابراهيم علي
رغم أنني ممنوع من التوتر والغضب والانفعال لأسباب صحية لم استطع صبرا وتجاهل ما يدور هذه الأيام في البلاد فقد وصل السودان الي درك سحيق من الانحطاط الروحي والعقلي ليس بعده قرار وفي نفس الوقت انسد أفق المستقبل والخروج من الأزمة.. ولكن ما أضيق الحياة لولا فسحة الأمل.
تحولت البلاد الي كوميديا سوداء تثير الضحك ولكنه ضحك كالبكاء،فالسياسة والايديولوجيا السائدتين هي مزيج من الانتهازية والشعوذة والاستهبال والعبط،فعلي
سبيل المثال جاء في الاخبار: ما يلي” وامتدح البشير لدي مخاطبته حشد جماهيري بمنطقة أم عشرةبمحلية أم روابة بمناسبة تخريج 300من حفظة القرآن الكريم بخلاوي الشيخ أبو عزة بشمال كردفان.”وقال البشير:” بفضل القرآن الكريم ظل السودان محروسا رغم المؤامرات العديدة التي استهدفت تغييره.” فما هو الداعي لصرف الملايين علي الحزب وجهاز الأمن والميليشيات طالما هو محروس بالقرآن؟ و”جدد اهتمام الدولة بالتعليم والانتقال به الي مرحلة التعليم الاليكتروني وتزويد الخلاوي بالايباد(صحيفة آخر لحظة11مايو2017)علما بأن الحيران لو تعلموا الكمبيوتر لن يحفظوا القرآن لان قوقل سوف يوفر لهم عناء البحث عن الآيات ومعانيها.
وفي سياق شعوذة اخري يعلن الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع المقدم احمد صالح:” نتعرض للحسد من أقرب الناس الينا وقادرين علي التصدي لهم بقوة.(الاهرام11/5/2017)وفي موقع آخر:”نتاذي من الحاسدين المقربين وربنا يكفينا شرهم”(آخر لحظة115/2017)ولكنه لم يوضح السلاح الذي سوف يسخدمه في التصدي بقوة للحسد وليس الحاسدين.
ويأبي المنظر العبقري،النجم الصاعد أو (رونالدو السياسة السودانيةهذه
الايام) كمال عمر،الا أن يتفوق علي الآخرين في الشعوذة والاستهبال السياسي يجيب علي سؤال:”هل رأيت الراحل الترابي في أي رؤية منامية؟ يجيب:” هما رؤيتان حينما تدمرت عندي قدرة مركز الكلام، وجئت المدينة المنورة جاءني حسن الترابي مع الرسول صلي الله علبه وسلم-(لماذا الاثنان معا) ومسح علي رأسي وقعدوا جنبي في السرير مدة من الزمن وتاني يوم تكلمت في ندوة بالمدينة المنورة لساعة ونصف كابرع ما يكون(التيار10/ 5)سؤال: شيخ حسن مسرور يوم الجمعة ليرحل يوم السبت؟ يجيب كمال بلا تردد:” كان شايف اجله ومسرور لملاقاة ربه. (نفس الحوار) كيف حال السيدة وصال؟ دي عندي زي السيدة خديجة باعت دكاكينها حتي تجنب الشيخ المال العام. ويقول للصحفي صديق دلاي علي هامش المقابلة:” وجزم عمر بأنه تعرض ل(الحسد) داخل حزبه وقال: حاسدني في علاقتي بشيخ حسن” ولا ادري لماذا تبادرت الي ذهني اغنية (ندى القلعة) عن شريف نيجريا
لم تعد الظاهرة رسمية واسلاموية فقط فقد افردت صحيفة تعتير ليبرالية حلقتين تحت عنوان” الجن السوداني هل هذه مساكنهم؟ رحلة البحث عن بيوت الجن. (التيار12/5/2017) وتكتب:”هذه الصفحة نفردها للبحث عن مساكن الجن في السودان ونترك المساحة لكل من لديه معرفة بمساكنهم ليعرفنا علي المواقف الخاصة يالجن بمنطفته”.
يتعامل البعض مع هذه الكوميديا السوداء بجدية ويطالبون بفصل الدين عن الدولة. دون التساؤل أين هي الدولة وأين هو الدين؟ هل الدولة هي تلك التي يصف رئيسها سلطتها دون خجل بالكيكة التي صارت صغيرة .دولة تدعي الاسلام ولا تعرف حكوماتها ما يسمي”اقرارات براءة الذمة”.فقد فتحوا هذا البلد في غزوة30 يونيو1989 واستباحوه ولم يعد هناك مال عام،لذلك يعود بطل فضيحة “طريق الانقاذ الغربي”مكللا بجنسية دولة نصرانية وبامانة حزب اسلامي يدعو للحريات بعد28 عاما من انقلابه.وأين هو الدين مع هؤلاء الذين يتحدثون عن الرسول الكريم وكأنه عضو في المؤتمر الشعبي؟وهل هو دين بله الغائب وحنه السوداني الاصيل الذي يدافع عن حلايب؟أم دين شيخ الامين بحيرانه ومحايته؟ أم دين حذاء التمبر وشطفني؟ لقد أضاعوا كل الدين لأن رئيس هيئة علماء السودان محمد عثمان محمد صالح لم ير في الاسلام:التسامح ولا العدالة الاجتماعية بل يتوقف فقط عند تعدد الزوجات. ولكنني لم استغرب لأن عالمنا أخذ علمه من مونتقمري واط (Watt) وليس من الازهر ولا الزيتونة ولا فاس ولا مكة.
لقد تحول السودان الي بلد العجائب والغرائب والخوارق ولن يشفيه حوار الوثبة ولا التنظيم الخالف ولا الهبوط الناعم ولا نداء السودان الحل فقط في اقتلاع النظام من جذوره وقلب التربة ثم تسميدها وزراعة وطن جديد تماما تزدهر فيه الحرية والتنمية والرخاء والتنوير والعقلانية والعلم.