السودان: محامون يقدمون طعناً لدى المحكمة الدستورية بحل مفوضية الاستفتاء
الخرطوم – النور أحمد النور
تقدم مجموعة من المحامين السودانيين أمس بطعن لدى المحكمة الدستورية مطالبين بحل مفوضية الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب وإلغاء سجل الاستفتاء وتصحيح الأوضاع دستورياً وقانونياً، الأمر الذي يمكن أن يعطل إجراء الاستفتاء في موعده المقرر بعد 27 يوماً ما يهدد، في حال حصوله، بأزمة جديدة في البلاد.
واحتشدت مجموعة من القانونيين أمام المحكمة الدستورية أمس لتقديم طعن ضد مفوضية الاستفتاء مستندين في مرافعاتهم الى خروقات رافقت مراحل تسجيل الناخبين للاستفتاء. وقالت المحامية زينب بشير، أحد الذين تقدموا بالطعن الدستوري، انهم كلفوا من قبل مواطنين من جنوب السودان منعوا من تسجيل أسمائهم في مراكز التسجيل في ولاية غرب بحر الغزال بحجة انهم من قبائل غير جنوبية على رغم اثنياتهم الواضحة، إذ أن قانون الاستفتاء والدستور يكفلان حقهم في الانتماء الى مناطق في جنوب البلاد، مشيرة الى منع قبائل سليم والصبحة والتعايشة في مقاطعة الرنك بولاية أعالى النيل وفي منطقة القيقر.
ورأت زينب أن هناك انتهاكات جسيمة بدرت من بعض موظفي لجان الاستفتاء وصلت الى درجة تهديد بعض المستهدفين الذين يتيح لهم القانون ممارسة حقوقهم الدستورية، ومنع دعاة الوحدة من الدخول الى مناطق في جنوب السودان، وتنفيذ اعتقالات واسعة وسط عناصر حزب الحركة الشعبية للتغيير الديموقراطي المعارض لحكومة الجنوب لدعمهم خيار الوحدة، مؤكدة أن المفوضية لم تحسم الشكاوى التي تقدم بها المشتكون حتى الآن.
واتهمت زينب مفوضية الاستفتاء بانتهاك الدستور الذي يكفل للمواطن عدم التمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس والدين، وشددت على مطالبها بإعلان عدم دستورية إجراءات التسجيل والعمل على إلغائها بسبب انتهاكها الحقوق التي كفلها الدستور لجهة انها جعلت لجان الاستفتاء هي الحكم.
كما اتهمت زينب المفوضية بتجاوز قانونها وتقليص الفترة الزمنية لتسجيل الناخبين والحملات الإعلامية وتقاعسها عن استصدار تشريع قانون الاستفتاء وتعيين أعضاء المفوضية في الوقت المحدد.
وكان «المجلس الأعلى للسلم والوحدة» الذي يعد مقرباً من حزب الرئيس البشير، تقدم بشكوى أمام المحكمة الدستورية ضد لجنة الاستفتاء والحركة الشعبية لمنع جنوبيين من التسجيل في اللوائح الانتخابية.
لكن المتحدثة باسم مفوضية الاستفتاء سعاد ابراهيم عيسى قالت لـ «الحياة» إن مفوضية الاستفتاء لا تتحمل مسؤولية تقليص الفترات الزمنية المنصوصة في قانون الاستفتاء بسبب تلكؤ حزب المؤتمر الوطني الحاكم وشركائه في «الحركة الشعبية لتحرير السودان» في تعيين أعضاء المفوضية وتوفير مقر لهم، مؤكدة أن التقارير والإحصائيات الواردة من مناطق جنوب السودان لا تشمل شكاوى وعراقيل صدرت من موظفي اللجان.
وكان رئيس مفوضية استفتاء جنوب السودان محمد إبراهيم خليل، أعرب عن قلقه إزاء نشاط معارضي الاستفتاء، وقال إن مكتبه يتلقى شكاوى عدة وتهديدات باللجوء إلى المحكمة الدستورية تبدو متشابهة ومن مصدر واحد، مشيراً إلى أن الشكاوى لا أساس لها من الصحة، ورأى أن تعطيل الاستفتاء سيدخل البلاد في مشاكل لا حصر لها.
الى ذلك، أكدت الوساطة الأفريقية لتنفيذ اتفاق السلام أن المفاوضات بين شريكي الحكم حزب المؤتمر الوطني و «الحركة الشعبية» حول قضايا ما بعد الاستفتاء ستتواصل في مدينة جوبا اليوم الاثنين وذلك بعد تعليقها الأسبوع الماضي.
وناشد رئيس لجنة الوساطة رئيس جنوب أفريقيا السابق، ثابو مبيكي، في بيان أمس، طرفي الاتفاق العمل على حل قضايا ما بعد الاستفتاء بغض النظر عن نتيجته.
وناقش شريكا الحكم الأسبوع الماضي خلال اجتماعاتهما لبحث قضايا ما بعد الاستفتاء تقريراً حول وضع القوات الأمنية في حالتي الوحدة والانفصال، إضافة الى قضايا المواطنة ومسائل أخرى.
غير أن «الحركة الشعبية» قالت أمس إنها سترهن مناقشة قضايا ما بعد الاستفتاء بالتوصل الى حل في شأن أبيي، وشددت على أن القضية التي فشلت مؤسسة الرئاسة في إيجاد حل لها لن تكون معلقة الى الأبد، مشيرة الى أن مصلحة الشمال أن تحل قضية أبيي قبل الاستفتاء، مبينة أنه يمكن تأجيل مناقشتها الى ما بعد الاستفتاء.
وكانت نائب أمين عام الحركة الشعبية في جنوب السودان آن ايتو أكدت (أ ف ب) أول من أمس علناً للمرة الأولى انها ستدعو سكان الجنوب للتصويت لخيار الانفصال خلال استفتاء تقرير المصير. وقالت: «لأنه لم يتم العمل على جعل (خيار) وحدة البلاد جذاباً، فاننا ندعم خيار الشعب لأننا نتبع (إرادة) الشعب».
ورداً على سؤال عن أفضل الخيارات بالنسبة لأهالي جنوب السودان قالت آن «الانفصال». وأضافت: «إن كانت لديكم آذان تصغي فانكم تعرفون أن أكثر من 90 في المئة من الأهالي أعلنوا خيارهم».
وأكدت آن خلال مؤتمر صحافي في جوبا أن الوحدة «ليست قابلة للتحقيق خصوصاً مع ادراك الحركة الشعبية انه لم يتم العمل على جعلها جذابة» من قبل الحكومة السودانية.
وللحركة الشعبية فرعان أحدهما في جنوب السودان والثاني في شماله حيث لديها أنصار أيضاً.
واوضحت آن ايتو أن تصريحاتها لا تلزم إلا الفرع الجنوبي من الحركة. ومع ذلك فهي المرة الأولى التي يكشف فيها مسؤول في الحركة علناً خيارها في شأن الاستفتاء.
المهدي يحذر من أبواب جهنم
وفي السياق ذاته رأى رئيس الوزراء السابق زعيم حزب الأمة المعارض الصادق المهدي أن محاولة إطاحة حكم الرئيس عمر البشير عقب الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب ستفتح أبواب جهنم، وقال المهدي إن «هنالِك من يَسعى الى تغيير النظام الحكم، ولكن نحن نريد التغيير عبر النظام»، ودعا الى أن «يكون تغييراً متفقاً عليه»، مشيراً الى عدم وجود استجابة لذلك.
وأفاد المهدي أن حزب المؤتمر الوطني لا يريد أن يفهم أن التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية التي تلاحق البشير بطريقة الإهمال والإغفال لن يحل مشكلة، وتابع إن «ما سيحدث أن الجهات المتحفزة للمحكمة الجنائية تنتظر الاستفتاء حتى لا يتعقّد الإجراء».
وأضاف المهدي انه «إذا حصل الانفصال فسيدخل الجنوب في عرس وفرح واستقبال للتطورات على هذا الأساس، أما الشمال فسيدخل في مأتم وترح وتحميل المسؤولية، إضافة الى تصاعد قضية دارفور أُسوةً بما حدث في الجنوب واقتداءً به، فَضْلاً عن تسبب المسائل الاقتصادية في انقسام ومواجهات في الشارع والوطن». ولفت الى أن «هذه المسائل خَطيرة جداً وتقتضي أن يجلس الناس مع بعضهم البعض ليعملوا تشخيصاً ويرسموا خطاً مشتركاً».
من جهة أخرى، ناقش شريكا الحكم بمشاركة البنك وصندوق النقد الدوليين أمس في الخرطوم بلورة رؤية موحدة عن معالجة ديون السودان الخارجية، وتوقع وزير شؤون مجلس الوزراء لوكا بيونق أن ترتفع ديون السودان الخارجية بنهاية العام الحالي الى 40 بليون دولار.
وطرح ممثلو البنك وصندوق النقد الدوليين، والدول المانحة والبنك الأفريقي للتنمية، معلومات عن وضع الديون وخيارات شطبها، من أجل مساعدة الطرفين لإيجاد رؤية موحدة لكيفية معالجة ديون البلاد.
ووصل حجم الديون حتى نهاية 2009 لـ 36 بليون دولار، وهي متراكمة منذ عام 1955.
ولا تزال مواقف شريكي الحكم متباعدة في شأن معالجة ديون البلاد الخارجية حال انفصال الجنوب إذ يطرح حزب المؤتمر الوطني أن يتحمل الجنوب نسبة من الديون الخارجية بعدد سكانه. لكن حكومة الجنوب تعتقد أن الجنوب لم يستفد من الديون في مشروعات تنموية.