!!
محجوب حسين
في هذا المقال أذكر تصريحين ، الأول فيه كان للرئيس السوداني في شهر مايو من العام الماضي و في إحتفالات الهزيمة بمنطقة “تلودي” غرب السودان و الذي قال فيه أنه “… بمثل ما صلي في هذه الجمعة بمنطقة تلودي فإنه سوف يصلي الجمعة القادمة في كاودا”، و”كاودا” تمثل رمزية عسكرية لتحالف قوي الجبهة الثورية السودانية والتي تسعي لإسقاط نظام البشير، فيما الثاني كان لنائبه الثاني في أواخر ديسمبر الماضي قائلا فيه” سنلاحق المتمردين شبر شبر ، خور خور ، غابة وغابة، و إن عام 2013 سيكون عام الحسم للتمرد في السودان … و قال.. سنصلي في كاودا قريبا “، و ما بين هذين التصريحين و ما يجمع بينهما صلاة الرئيس و نائبه حلت الذكري أل “57” لإستقلال السودان الأول في فاتح يناير الماضي ، هذا دون أن نغفل بحث السودانيين عن إستقلال ثاني و ما أحوجهم لإستقلال آخر. لتكون محددات المشهد السوداني و رسم مستقبله في بحر هذه السنة الجديدة واقعا بين رمزية تلك الصلاة المرتقبة في “كاودا” و مشروعية سعي الشعب السوداني وحقه في الصلاة داخل حوش “سرايا غردون” و هذا بدوره يمثل مفتاح نحو تحقيق”الإستقلال الثاني ” بعدما فشل الإستقلال الأول أو تم خطفه أو شوهت معانيه و رمزياته..
إلي ذلك، المؤكد إن وقوع تلك الصلاة ” الرئاسية”المنتظرة و المرتقبة قد تخلف نتائج سلبية و تؤدي إلي نتيجة- بناءا علي فهم السلطة- و هي قطع الطريق أمام الثورة السياسية المسلحة ممثلة في ” الجبهة الثورية “والقوي المدنية الديمقراطية الأخري لأجل التقدم و الإنتصار رغم إنتشار قواتهم المسلحة الثورية و المدنية الثورية في جميع أجزاء السودان سيما الغربية و الجنوبية “الجديدة” منها و ذلك لغرض إعادة رفع العلم السوداني مرة ثانية في الخرطوم وبعد تطوير المفاهيم بالمراجعات والغربلة ، علما أن رمزية رفع العلم السوداني مرة ثانية هي لإعادة قيم الإستقلال السوداني مجددا في الحرية و الكرامة الإنسانية بعدما تعرضت تلك القيم للذبح و المصادرة خلال العقدين الماضيين من منظومة اللاهوت العسكرية الحاكمة و التي تبوأت الحكم و الثروة و إحتكرت الدين الرسمي و الشعبي و تعمد علي إنتاجه و الإفتاء فيه كما تري و توزيعه في شكل صكوك و كمبيالات و أتاوات و شيكات دون رصيد..
إن رمزية “كاودا” و حلفائها الديمقراطيون في الفجر الجديد من جانب و من جانب آخر الإسلاموميين في “سرايا غردون”، هؤلاء حصريا يشكلون جوهر صراع القيم السوداني القائم، و ما بين صراع المركزيتين سواء عبرت عنها أجهزة الحكم بأمل الصلاة في “كاودا” أو عبرت عنها “كاودا” بالزحف إلي الخرطوم ، نجدها معادلة مبررة مع الفارق في مستوي و درجات الشرعية بين المصادر للحقوق و العامل علي إرجاع حقوق الناس و التي تعني الدولة، إنه شكل المشهد السوداني الذي وصل نقطة التوقف و هي محطة توقف معها مع العقل عن النحت الإيجابي للإقرار بحقيقة الأزمة السودانية في تمثلاتها المختلفة و كارثيتها و التي تتطلب تسوية تاريخية شجاعة و في عقد جديد قائم علي إلغاء كل المنتجات القائمة و المفروضة و القهرية القسرية كمدخل منهجي للمعالجة و من ثم التواقف علي منتجات جديدة و هي منتجات المشروع الوطني السوداني و هو أس الجدل السوداني و العبور إليه لا يتم دون إسترداد الدولة أولا و من ثم مساءلة الدولة في الحقوق و الواجبات و القانون و المواطنة و العدالة و إرساءها بموضوعية … إلخ، إن عمق الصراع هو صراع تضاد حاد بين “فكر الإلغاء” و”حق الوجود” و الأخير لا يمكن التنازل عنه لأنه يجسد لقيمة إنسانية فطرية قبل أن تترجم إلي فعل دستوري أو قانوني مؤسسي ينظم حياة الناس جاء في شكل دولة أو إمارة
.
إن الصراع السوداني اليوم يختلف عن سابقيه خصوصا بعدما رفع الستار عن كل أجهزة الصمت و الفكر و التكوين و المنطلقات و المرجعيات و التابوات التي تتعاطي مع الشأن السوداني و تعمل علي “فرم” الشعب السوداني ، و هو الشيء الذي أحدث خلخلة عميقة في كل بنيات تفكير الذات السودانية و التي تقود اليوم مشروعا سياسيا حول تحقيق الذات و في تشكلاتها السياسية و الإجتماعية و الثقافية و الدينية ، و بالتالي فإن الأمر حاد و عميق و لا يتحقق إلا بتحقيق تلك الذات و هي الذات الجمعية للشعب السوداني ، كذات عاقلة و طموحة و متفائلة عمدت الإنقاذ علي إلغائها و تسعي لقتلها لتمضي في “كذبة” الحكم الوطني و الإسلامي و الديمقراطي و التنموي و القانوني و المؤسسي و الإنساني و الفريد و الراشد و الإستثنائي و عندما تحصل المصادمة و الحراك الشعبي و العسكري ضدها يبقي الشعب هم “شذاذا للأفاق” وعليهم” لحس كوعهم”إن أرادوا المنازلة، أما القوي العسكرية فهم عملاء للأجنبي و خونة وأعداء ومتمردين دون مجهود في التفكير و مساءلة موضوعية للواقع و أسسه القائمة و القائلة إننا مختلفون لم نكن متفقون في شيء في حين أن هناك قابيلة للإتفاق وفق مشتركات معروفة و معلومة بالتالي ليس هناك معني للإسقاطات ما دام ليس هناك شيئا متفق حوله بالسودان و في السودان، هذا دون أن ننسي مسعي الجميع المصوب تجاه الإتفاق و التوافق لإنتاج قيم جديدة و هي وحدها الكفيلة بإنهاء الجدل و الصراع السودانيين و دونها تبقي شرعية إعلان الإستقلال الثاني في القصر الجمهوري قائمة و قادمة لا محالة بل واقعة خصوصا و الشعب رفع التمام للتغيير و حدد المؤذن لرفع الصلاة ،إنه سيناريو الحسم و الذي هو تاريخي كما تقول مؤشرات نهاية الصراع السوداني والتي حددت في هذا العام ،عام 2013و في شهوره الإثنتي عشر و التي بدأت في يناير و الجاري هو فبراير و تنتهي وفق التقويم في ديسمبر القادم ، أي أمامنا عشرة شهور أخري قد يجدد فيها رفع العلم السوداني في” سرايا غردون”، إيذانا بمرحلة أخري جديدة و هي مرحلة الفجر الجديد و هي مرحلة تحرر حقيقية من حكم يزعم بإسلاميته و لحيته و خماره و يحكم بأدوات تجاوزت الإستعمارية ذاتها لغاية أول مشروع وطني سوداني يتناقش و يتحاور حوله شركاء الوطن الآن