أقل ما يمكن قوله عن جولة المحادثات المقبلة في العاصمة الاثيوبية أديس أبابا بين الجبهة الثورية السودانية وحزب المؤتمر الوطني السوداني, إنها جولة جديدة من مراوغات البشير الذي لم يلتزم بشئ, ومنذ اندلاع الثورة, وحتي الآن, فكل ما يفعله النظام الإخواني هو شراء المزيد من الوقت, وتعقيد الأمور أكثر.
إلي اللحظة, ورغم كل التصريحات الدبلوماسية, فإن آلة القتل الإخوانية مستمرة, وكذلك معاناة السودانيين, فلا القذائف الحارقة توقفت, ولا الحصار والتجويع توقفا, كما لم يسلم حزب المؤتمر اللاوطني مجرمي الحرب الي لاهاي.. كل ما يفعله البشير هو المراوغة ومن ملف الي آخر. والحق أن المجتمع الدولي, وقبلهم الاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية والصين وإيران وقطر وتشاد يشاركون البشير في هذه المراوغة, والواضح, وكما قيل مرات عدة من قبل, أن الجميع, وليس البشير وحده, يحاولون شراء الوقت من أجل الوصول الي موعد استحقاق الانتخابات الرئاسية في السودان ليبدأ التفاوض الجدي علي رحيل البشير, وليس سقوط النظام, ويبدو أنه حتي لو أرسل البشير الوفد الممثل للنظام الي اديس, يسعون في قرارة أنفسهم لذلك, خصوصا أنهم لا يحملون صلاحيات تذكر, ولكنهم قد يفكرون في ذلك, أي شراء الوقت حتي موعد الانتخابات, لضمان سلامتهم وسلامة حزبهم, لكن هل انتظار موعد الانتخابات في السودان عملية مضمونة العواقب؟
الإجابة: بالطبع لا, فمثلما أن البشير لم يلتزم بقتل المواطنين ودمار الوطن بعذر ” المعارضة”, فمن المتوقع أن يعلن البشير في حال جري الضغط عليه لعدم الترشح في الانتخابات المقبلة, عن تأجيل الانتخابات الرئاسية وبسبب ” الأوضاع الأمنية”, وهذا أمر وارد تماما, بل مرجح, وهنا لا يمكن القول بأن البشير حينها سيكون قد خاطر بإضعاف موقفه أمام حلفائه, فمن يقتل ما يزيد علي 580 ألفا من السودانيين في دارفور وحدها, لا يكترث بأي حال من الأحوال بالشرعية, أو القوانين, مادام وصل الي الحكم بانقلاب, ولا يشعر بالطبع بحرج داخلي أو خارجي, فآخر ما يفكر فيه القاتل هو القانون, وهذا حال البشير اليوم, ولذا, فإن كل ما يفعله البشير هو عملية شراء مزيد من الوقت علي أمل الانتصار عسكريا, أو التسبب في انهيار الجبهة الثورية السودانية علي أثر فشل المفاوضات المعلنة في اديس, كما حصل للأحزاب السياسية عندما طرح السفاح عملية الحوار الوطني.
ومن هنا, فإن كل ما يحدث في اديس ما هو إلا مراوغة إخوانية شيطانية, ومفاوضات محكوم عليها بالفشل, مما يقول لنا إن الانتظار الاقليمي والدولي, وحالة اللامبالاة هذه من شأنها أن تقود الأزمة السودانية الي تعقيدات أكثر, فالانتظار الي الانتخابات السودانية المقبلة أمر لا يخطط له النظام الإخواني السوداني وحده, بل والاتحاد الافريقي, وجامعة الدول العربية, وقطر, وإيران, والتنظيم العالمي للاخوان المسلمين, ولكل طرف منهم دوافع مختلفة, وأدوات مختلفة كذلك , وقد رأينا, مثلا, كيف أن تشاد لم تتوان عن استخدام ” دعم عسكري ودبلوماسي”, في السودان, وكذلك قطر في دعم الجنجويد في دارفور, مما يعني أن القادم أسوأ بكثير في حال قرر المجتمع الدولي الانتظار حتي الانتخابات في ابريل المقبل, والسكوت عن مرواغات البشير هذه, فحينها, وكما ذكرنا, هناك الدول ومجاميع مليشيات محلية أو مرتزقة, والأسلحة الفتاكة التي بحوزة البشير, فهل هناك خطر أكبر من هذا؟!
احمد قارديا
[email protected]