الديمقراطية بين ترهل الأحزاب السودانية ونسبة الأُمية العالية
خالد عثمان*
[email protected]
أول ما يتبادر للذهن عند محاولة تفسير أو شرح معنى كلمة ديمقراطية هو الديمقراطية الليبرالية والتي تتبناها الدول المتقدمة في الغرب وهو تشير لمجموعة من الأنظمة السياسية والتي من خلالها يعمل الكل لتحقيق مجموعة الأهداف، أهمها على الإطلاق حماية الحريات المدنية والدفاع عنها والسعي لتوسيع دائرتها ومقدارها ويتم ذلك بوضع التشريعات المناسبة الكفيلة بتقنين عمل الحكومات ووضع حد لتدخلها في الأمور السياسية والاقتصادية والمعنوية والتي تؤثر على حياة المواطن وكذلك إرساء قيم التعايش الديني وإطلاق المجال أمام الحرية الفكرية وتشجيع الإبداع، وكل ما ذكرناه سابقا يتم المحافظة عليه بطرح الأسئلة المطالبة بالشفافية في كل خطوات ومماراسات المؤسسات العامة والخاصة وتفعيل دور المؤسسات الإعلامية والصحفية كذراع قوي يعضد الأذرع التشريعية والقضائية المستقلة ، وتُعني الديمقراطية الليبرالية عبر كل مسيرتها بوضع التشريعات واللوائح التي تسهم في تحقيق الرفاهية القصوى للمواطنين. وتعتمد الديمقراطية الليبرالية كممارسة علي ” الفرد الراشد الواعي الملتزم خلقيا” ، وبدون وجود هذا الفرد الواعي تنهار هذه النظرية من أساسها، بالاضافة الي الإيمان العميق ب” المنطق و” التقدم ” على أساس ان المنطق هو الوسيلة الوحيدة لحسم الخلافات في مجتمع تسوده الرغبة في التوافق والإنسجام بدلا من الفوضى والصراع. ومن هذا المنطلق تسعى الديمقراطية الليبرالية لتعريف القوة والسلطة وتحديدهما بغرض تعزيز الحكومة الشرعية ضمن إطار العدالة والديمقراطية.
ان تبادل السلطة الدموي على مدى تاريخ السودان الحديث وتحديدا منذ الإستقلال حتى يومنا الحاضر ، بالإضافة التي المجازر والمذابح التي أرتكبتها الأحزاب المدنية قبل الضُغم العسكرية، كذلك التطبيق الغاشم لمسوخ الاشتراكية والرأسمالية المنعدمة الملامح ، أدى الي أنعدام الثقة عند المواطن العادي في القيادات التاريخية التي لاتزال جاثمة على صدر هذا الشعب ولاتزال تسعى الي تدمير ماتبقى من فرص.
وكما ذكرنا سابقا ، واذا أفترضنا محاولة تطبيق الديمقراطية الليبرالية في السودان، فان الإنسان او الفرد المفترض قيام الديمقراطية له وبه يعتبر غير مهئيا لها ، وذلك لتفشى الأمية والتب بلغت نسبتها ووفقا لتقديرات صندوق الأمم المتحدة للطفولة ” يونيسف” 50% بين النساء، و31 % بين الرجال وذلك في تقريره لعام 2006 بل أرتفعت حسب احصاءات المجلس القومي لمحو الامية للعام القبل الماضي من 37% الى 57%.. مع ارتفاع نسبة الامية وسط المرأة الى 72%، .، ان ممارسة الديمقراطية يفترض تسلح الناخب بالمعرفة الكافية التي تتيح له إتخاذ قرار الترشيح أو التصويت بناء على دارية كافية ببرامج الأحزاب ومصداقية المترشحين وينبغي ان يكون قادرا على ممارسة العملية السياسية بمنطق ورشد.
ان الاحزاب التاريخية وأعني بذلك أحزاب الأمة والإتحادي وتنظيمات الأخوان المسلمين والقوميين العرب والحزب الشيوعي السوداني ، بفروعها وإسمائها المختلفة، بحكوماتها العسكرية والمدنية ، لم تهتم على مدى تاريحها الطويل بحقوق الإنسان السودان ولم تراعي حرمة دمه ولا خياراته الانسانية ،إن فاجعة عنبر جودة ، مرورا بمجازر بيت الضيافة وقصف الجزيرة أبا بالطائرات المصرية ، ومحاولات الغزو التي دبرتها قوى المعارضة ” المرتزقة” وحصدها لارواح الجنود السودانيين في معسكرات الشجرة والدماء التي سفكت في وسط الخرطوم بواسطة السياسين الذين لازالوا يجوبون فسادا بشوارعها ، الي حوادث بورتسودان والموت من جراء التدافع على الصدقات ، والأبرياء الذين حصدهم رصاص الإنقاذ قبل أعوام خلت، ان كل الاحزاب السودانية لم تكن صادقة في تعاطيها مع أهم ركيزة في مفهوم الديمقراطية وهي حرية الانسان وحقه في الحياة الكريمة واتخاذ قراراته الديمقراطية ، وان القادة السياسين عليهم جبال من الديات تجاه الأسر التي يتمت والارواح التي أزهقت والحقوق التي صودرت والعروض التي أنتهكت، وعليهم تمليك الشعب السوداني الحقائق حول طلاسم مجزرة بيت الضيافة وعليهم الكشف عن قبور ضحايا مذبحة الضباط في رمضان ، وانصاف أسرهم ومحاسبة المجرمين في كل المجازر، وان يكون أبسط الجزاء الابتعاد عن تعاطي السياسة وترك الشعب السوداني وشأنه.
إن التحدي الأول الذي يجابهنا لتحقيق الديمقراطية في السودان هو تأهيل الانسان السوداني وإعدادة ليكون قادرا على ممارسة العملية السياسية متخذا المنطق والوعي سلاحا لحسم المساومات السياسية ويتم ذلك عبر عدة محاور يأتى في أولها محو الأمية والتي ينبغي ان تنطلق متزامنة مع البناء الحزبي تحت شعارات جديدة بعيدا عن العاطفة التي تستجدي العقيدة أو القبيلة فشعار المشروع الحضاري ، لايختلف في معناه ومبناه عن شعار الجمهورية الاسلامية أو شعار الصحوة لحزب الأمة..
لقد إستطاعت الإنقاذ وبهارة فائقة تفكيك وإعادة ترتيب عضوية الاحزاب التقليدية والتي أنفلتت جهويا وقبليا وطائفيا مع أمساك الانتهاذيين والنفعيين بمفاصل النشاط الاقتصادي وتفرد قلة بالقرار السياسي للسودان.وحاليا تضج الساحة السياسية بقوى جديدة وحديثة يأتي في طليعتها الحركة الشعبية لتحرير السودان والتي قد تخرج من هذه الساحة عما قريب بعد إنفصال السودان ، ومثال ذلك ايضا حركة حزب المؤتمر (المستقلين) والحركات المنشقة عن التنظيمات العقائدية ، وتمثل كل هذه الحركات نواة لأحزاب جديدة ستغلي الاحزاب التقليدية اذا لم تراجع تلك الاحزاب نفسها وتجدد من عظامها وجلدها لاستيعاب حركة التاريخ.
إن أي انتخابات مقترحة ستكون ذات نتائج كارثية على الاحزاب التقليدية وعلى القوى الحديثة وذلك لانعدام التنافس الشريف ، ولعجز الاحزاب الهيكلي والفكري ، وستاتي بحزب المؤتمر وشريكته في الحكم ” الحركة الشعبية” بشرعية ديمقراطية تكرس سيطرتهما القمعية على موارد البلاد ومصيرها.
وأرى ان لانستعجل قيام الانتخابات ، أوعدم المشاركة فيها الا بعد ضمان البناء الفكري والقاعدي وترسيخ الممارسة الديمقراطية في المكاتب التنفيذية للاحزاب المدنية ، وقيام التكتلات التي ترعى قيم العقل والمنطق، وقبل كل ذلك تبنى المشاريع التنموية والعلمية التي تؤهل الانسان السوداني لممارسة أبسط اشكال الديمقراطية التشاركية.
*
1- بكالريوس الاقتصاد والدراسات الإجتماعية: جامعة الخرطوم 1984.
2-رئيس تحرير صحيفة المهاجر السودانية الصادرة من أستراليا (www.muhajir.info)
3- أمين موقع بارنايل ( www.yarranile.com )