الخرطوم ـ ‘القدس العربي’ كمال بخيت:
قالت الحركة الشعبية لتحرير السودان أمس الاحد ان المحادثات بشأن اتفاق السلام المتعثر مع الشمال لم تحقق تقدما ملموسا وحذرت من انه لم يتبق وقت طويل لانقاذ الاتفاق.
وانتهت الحرب الاهلية بين شمال السودان وجنوبه بتوقيع اتفاق السلام الشامل عام 2005 بعد ان استمرت 20 عاما. والتقى قادة من الجانبين في واشنطن الاسبوع الماضي لبحث الخلافات المتبقية بشأن الاتفاق والتي يحذر محللون من انها قد تجر البلاد ثانية الى الصراع اذا تركت دون حل.
واتهم مسؤول كبير من الحركة الشعبية وفد الشمال بالمماطلة في عدد من القضايا المهمة بما في ذلك وضع الحدود المشتركة والاعداد للانتخابات المقبلة والاستفتاء على انفصال الجنوب.
وقال ياسر عرمان المتحدث باسم وفد الحركة لرويترز ‘لا تزال القضايا كما هي. لم يحدث تقدم بعد في حل القضايا… اكتشفنا من جديد ان حزب المؤتمر الوطني ليس لديه ارادة سياسية لحل تلك القضايا… الوقت ينفد’.
وتتعارض تصريحات عرمان مع تعليقات اكثر تفاؤلا بشأن مؤتمر واشنطن لوفد الشمال وسكوت غريشن المبعوث الامريكي الخاص بالسودان الذي نظم المؤتمر.
وابلغ رئيس وفد الشمال غازي صلاح الدين وسائل الاعلام الرسمية في وقت متأخر من مساء السبت الماضي بان المناقشات احرزت تقدما واضحا وانتقد الحركة الشعبية لتهوينها من شأن فرص النجاح.
وقال صلاح الدين لوكالة السودان للانباء لدى عودته الى الخرطوم من المؤتمر ان ‘هذه المباحثات يمكن لها أن تحقق نتائج طيبة إذا سادت روح التفاؤل من جانب الشريك الآخر بدلا عن رسم صورة سوداوية’.
وأوضح انه لم يكن هناك وقت لمناقشة جميع القضايا العالقة، لكنه اضاف انه ستكون هناك فرصة لتحقيق مزيد من التقدم في الاجتماع الثاني بين الجانبين في الخرطوم في تموز/ يوليو.
ويتبادل الجانبان الاتهام بالتلكؤ في تنفيذ اتفاق السلام الذي يشمل عدة خطوات ذات مواعيد محددة باتت قريبة مثل الانتخابات العامة المقرر عقدها في شباط/ فبراير 2010 والاستفتاء على استقلال الجنوب في كانون الثاني/ يناير 2011.
وقال عرمان ان كلا الجانبين كررا تعهدا سابقا بالالتزام بقرار المحكمين الدوليين بشأن حدود منطقة ابيي المتنازع عليها بوسط السودان. ومن المقرر ان تصدر محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي الشهر المقبل حكما بشأن النزاع على الحدود عند ابيي التي تضم حقولا نفطية وخط انابيب نفط رئيسيا. ووقعت اشتباكات بين قوات الجانبين في المنطقة بعد توقيع الاتفاق عام 2005.
واضاف عرمان ان مؤتمر واشنطن رفع من شأن اتفاق السلام الشامل الذي يشعر كثير من السودانيين بان جهود حل الصراع في دارفور طغت عليه.
ومن شأن العودة للحرب الاهلية في السودان ان يكون لها وقع الكارثة على البلد وصناعته النفطية والدول المجاورة. ولاقي مليونا شخص حتفهم وشرد اربعة ملايين في تلك الحرب بين عامي 1983 و2005.
من جهته، قال الرئيس السوداني عمر البشير ان القضايا الخلافية مع الحركة الشعبية تتمثل في ترسيم الحدود وابيي، وقانوني الاستفتاء والامن، مؤكداً انه تم قطع شوطاً كبيراً جداً على هذا الصعيد، ومعرباً عن ثقته بامكان تذليل تلك العقبات كافة قبل نهاية الفترة الانتقالية. واعتبر أن ما نُفذ من الاتفاقية يدل على الثقة والتفاهم بين شريكي السلام.
ورحب البشير بالخطاب التصالحي الذي تنتهجه الإدارة الأمريكية الجديدة، ووصفه بأنه خطوة لعلاقة جديدة بين أمريكا والعالم الإسلامي.وقال البشير خلال الحوار الذي أجراه معه التلفزيون السوداني مساء أمس ان الادارة الامريكية السابقة هي التي بادرت بالعداء تجاه السودان.
واعتبر إن إدارة أوباما مختلفة عن سابقتها رغم وجود مراكز الضغط المعادية للسودان، واكد جاهزية الحكومة للتعامل مع ذلك التوجه التصالحي للادارة.وفي الشأن السوداني المحلي، أوضح البشير أن المرحلة القادمة ستكون مرحلة إستكمال بناء أمة سودانية موحدة آمنة ومتقدمة، مؤكداً أنه يتحدث من منطلق ‘رؤية’ مستقبلية وليس ‘أمنية’ وأنه قد تم تفصيل هذه الرؤية في الاستراتيجية الربع قرنية حيث من المخطط ان يتجاوز السودان كل المشاكل. كما ستحدث هجرة عكسية من المدينة إلى الريف بعد توفير كل مقومات الحياة الكريمة.
وقال البشير ان تحقيق السلام يعتبر من أكبر إنجازات الثورة للشعب السوداني مشدداً على حرص الحكومة السودانية على استدامة السلام وعدم العودة للحرب، وذلك استناداً الى الإرادة السياسية القوية، لافتاً الى أن مرحلة بناء الثقة هي المرحلة التي ستأتي بعد مرحلة السلام.
واعتبر البشير ان الاستفتاء المرتقب من أجل تقرير مصير الجنوب سيؤكد مجدداً وحدة السودان التي لا يمكن ان تتحقق بالقوة، ولكنه حذر من ان هناك اصواتاً ‘لا تعبر عن الوطني ولا الحركة الشعبية’.
وأضاف ان مؤسسة الرئاسة تعمل بصورة جيدة، بجانب اللجنة السياسية المشتركة لمعالجة القضايا الخلافية المتبقية حيث ما تزال هناك مشاكل وصراعات قبلية عالقة، محذراً من انتشار السلاح في أيدي المواطنين، إلا انّه قال: العمل جارٍ لتثبيت السلام والأمن والاستقرار لإتاحة الفرصة لقيام الانتخابات في جو معافى.
وأكد البشير ان ’90” من مناطق دارفور تعد آمنة في الوقت الحالي، الامر الذي يجعل اجراء الانتخابات فيها أمراً ممكناً باستثناء دائرة أو اثنتين، مضيفاً ان النسب العالية لنتائج التعداد السكاني الخامس في دارفور تدحض دعاوى حدوث إبادة جماعية أو تطهير عرقي في الاقليم. وقال البشير إن اتفاقية ابوجا نهائية، واشار الى ان وفد مفاوضات الدوحة يحمل تفويضاً كاملاً لتحقيق السلام بدارفور عبر الحوار مع الحركات المسلحة كافة، موضحاً ان القوات النظامية قادرة على تأمين الانتخابات التي قال إنها ستكون معقدة نظراً لوجوب تصويت الناخب على ‘8’ بطاقات في الشمال و’12’ بطاقة في الجنوب.
ودعا الاحزاب لتوعية أعضائها في هذا الخصوص، وأكد قائلاً: نسعى لانتخابات تعبر عن رأي المواطنين. وقلل البشير من تأثير الازمة المالية العالمية على ايفاء الجهات المانحة بتمويل الانتخابات، وقال: ‘حينما نقرر اجراءها سننفذ’. واكد ثقته في الشعب السوداني، الذي وصفه بأنه لا تباع ذممه، ويعرف حقوقه ومصالحه، وقال: نريد من الشعب تجديد الثقة، لكننا سنقبل بخياره.
وحيّا الرئيس ضباط مجلس قيادة ثورة الانقاذ الوطني، واكد التزامه بالعهد الذي قطعه معهم. وأثنى على الشعب السوداني الذي قال إنه صبر على الإنقاذ في مراحلها الاقتصادية الاولى، التي وصفها بأنها كانت قاسية.