الحلقة الاولى ( 1 – 2 )
ثروت قاسم
Facebook page : https://m.facebook.com/tharwat.gasim
Email: [email protected]
1- الاستاذ محمد حاتم سليمان ؟
الاستاذ محمد حاتم سليمان ، من مواليد ولاية سنار ، محلية الدندر ، منطقة كركوج شمال الفونج . تخرج من جامعة أم درمان الإسلامية كلية الآداب قسم الصحافة والإعلام ، وتقلب في عدة وظائف قيادية في حكومة الانقاذ ، ويشغل حالياً منصب نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني لولاية الخرطوم .
إتهم تقرير للمراجع العام الاستاذ محمد حاتم بعدة تجاوزات مالية ، تجاوزت الخمسين مليون جنيه ، عندما كان الاستاذ محمد حاتم مديراً للهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون . فتح المستشار القانوني لوزارة الاعلام بلاغا ضد الاستاذ محمد حاتم ، وصدر امر قبض ضده ، وتم القبض عليه ، واودع الحراسة في القسم الشمالي لشرطة الخرطوم ، تمهيداً لإستجوابه . تدخل وزير العدل ، ووالي الخرطوم ، ومدير عام الشرطة ، فتم إطلاق سراحه بالضمانة الشخصية ، إنتظاراً لمحاكمته في يوم الاثنين 15 اغسطس في ثمانية تهم فساد مالي عندما كان مديراً للهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون .
ملأت قضية الاستاذ محمد حاتم الوسائط الاعلامية ، وشغلت الناس لاهميتها من عدة وجوه وجوانب ، في دولة ترفع راية الاسلام والمشروع الحضاري وتحارب الفساد .
نختزل في هذه المقالة ، من حلقتين ، بعض البعض من تداعيات ومآلات قضية الاستاذ محمد حاتم ، آيات لقوم يتفكرون .
ونبدأ بإستعراض اربعة مرجعيات هادية ، تضعنا على الصراط المستقيم وحتى لا نبخس الناس اشياءهم ، وحتى لا نعتدي ، على الاستاذ محمد حاتم وغيره ، بغير وجه حق ، إن الله لا يحب المعتدين .
في هذه الحلقة الاولى نستعرض مرجعيتين كما يلي :
+ المرجعية الاولى تقول إن المتهم برئ حتى تثبت إدانته .
+ المرجعية الثانية تدعو لاتقاء الشبهات .
في الحلقة الثانية نستعرض مرجعيتين كما يلي :
+ المرجعية الثالثة تقول إن العدل اساس الملك .
+ المرجعية الرابعة هي القدوة الحسنة .
اولاً :
المرجعية الاولى تقول إن المتهم برئ حتى تثبت إدانته .
نعم … المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه … فالاصل في الانسان البراءة .
ولكن امر القبض الصادر ضد الاستاذ محمد حاتم لم يات من فراغ ، ولا هو بالكيدي ، وإنما يتوكأ على بينات صلدة .
يدعي المستشار القانوني لوزارة الاعلام انه درس تقرير المراجع العام عن الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون بمهنية وتجرد وحيدة كما يقتضي واجبه ؛ ووجد بينات صلدة وموثقة تدين الاستاذ محمد حاتم إدانة بينة لا لبس فيها ، في ثمانية تجاوزات مالية عندما كان مديراً للهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون . عرض المستشار القانوني الامر على رئيسه وكيل وزارة الاعلام ، الذي درس بدوره الملف ، وإستيقن من تجاوزات بل فساد الاستاذ محمد حاتم المالي ، وتعديه على المال العام . وافق وكيل وزارة الاعلام على توصية المستشار القانوني ، وتم فتح بلاغ جنائي ضد الاستاذ محمد حاتم ، على سنة ان لا كبير على القانون .
ربما تكون هنالك غبائن قديمة بين السيد وكيل وزارة الاعلام والاستاذ محمد حاتم ، ولكن البينات ضد الاستاذ محمد حاتم تتحدث عن نفسها ، ولم يفبركها السيد وكيل الوزارة ، وإلا لذهب السجن في محله بتهمة إشانة السمعة والبلاغ الكاذب .
درس وكيل نيابة القسم الشمالي لشرطة الخرطوم البلاغ ومستنداته الداعمة ، وإستيقن بوجود شبهة قوية تدين الاستاذ محمد حاتم ، فاصدر امر قبض ضد الاستاذ محمد حاتم . تم القبض على الاستاذ محمد حاتم ، واؤُدع الحراسة ، ثم اُطلق سراحه بعد تدخل وزير العدل ووالي الخرطوم ومدير عام الشرطة .
اعتبرت السلطات العليا ان الاستاذ محمد حاتم بقرة إنقاذية مقدسة فوق القانون ، ولا يجب مسآلته في اي فساد مالي يطاله ، لان تلك المسآلة سوف تطال اتوماتيكيا النظام الحاكم ، وتخدش في سمعته ، ونقاء سيرته . وبالتالي صدر الامر العالي باعفاء وكيل وزارة الاعلام من منصبه ، لموافقته على توصية المستشار القانوني للوزارة بملاحقة الاستاذ محمد حاتم جنائياً . طلبت السلطات العليا من المستشار القانوني تقديم استقالته لأنه تجرأ على فتح بلاغ ضد البقرة المقدسة التي هي فوق القانون ، كباقي بقرات النظام المقدسة . رفض المستشار الاستقالة ، وقدم بينات صلدة تؤكد صحة ما قام به من اجراء ، وتدمغ الاستاذ محمد حاتم بسرقة اكثر من 50 مليون جنيه من المال العام . جن جنون السلطات العليا ، فقامت بطرد المستشار القانوني من الخدمة ، في دولة القانون ؟
هل قصة الاستاذ محمد حاتم تؤكد ان دولة الانقاذ هي دولة القانون ؟
لا والف لا … فدولة الانقاذ هي دولة ( إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) .
ثانياً :
المرجعية الثانية تدعو لاتقاء الشبهات .
تدخل السادة وزير العدل ، ووالي الخرطوم ، ومدير عام الشرطة لإطلاق سراح الاستاذ محمد حاتم من محبسه المحبوس فيه بامر قانوني . يمكن اعتبار هذا التدخل ، رغم الملابسات التي احاطت به ، من الكبائر بل المحرمات التي نهت عنها الكتب السماوية والشرائع الارضية . أدخل هؤلاء القادة الثلاثة انفسهم ، بقصد او بدون قصد ، في ( شبهة ) التدخل في مجرى العدالة لصالح قيادي انقاذي من صحبهم الكرام .
الوقوع في ( الشبهات ) وعدم البعد عنها امر قد نهى عنه المعصوم واعتبره من المحرمات .
قال :
( الْحَلالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ . فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ . وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وقع في الحرام ) .
( فمن أتقى المشبهات ) : بمعنى أبتعد عن الشبهات وتركها واحترز منها وجعل بينهُ وبينها وقايه وحاجزاً .
( فقد استبرأ لدينه وعرضه ) : أي حصل على البراءة في دينه من اقاويل الناس وطعنهم في دينه لو وقع في الشبهة ، وصان عرضه من ذم الناس لتجنبه الشبهات . فيكون الانسان بريئاً في دينه ودنياه ، وسليما في ظاهره وباطنه ، لتجنبه مواطن الشبهات .
( من وقع في الشبهات وقع في الحرام ) : وقوع المرء في الشبهة كوقوعه في الحرام ، والحرام حرام سواء ان كان جريمة قتل او جريمة سرقة او جريمة الوقوع في مواطن الشبهات . فالكل عند العرب صابون !
إعترف السيد وزير العدل ان اهله ومعارفه قد تحفظوا على تدخله في موضوع الاستاذ محمد حاتم ، وتلوثت سمعته مما اضطره لاصدار بيان للناس ! ولكن تبقى الحقيقة وهي انه ادخل نفسه ، بقصد او بدون قصد ، في منطقة الشبهات ، وهو منطقة حرام بنص الحديث النبوي .
ولكن السيد والي الخرطوم قد لا يهمه هذا الامر كثيراً لانه مطلوب للعدالة الدولية في جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب ارتكبها مع الجنجويد في دارفور … وربما ردد مع المتنبي :
أنَا الغَريقُ فَما خَوْفي منَ البَلَلِ ؟
دعني يا حبيب احكي لك هذه الحكاية لتقارن بين تداعيات تصرفات وزيرة عدل في دولة كافرة ، وتصرفات وزير عدل دولة الانقاذ التي ترفع راية الاسلام .
في يوم الاثنين 27 يونيو 2016 ، تصادف وجود وزيرة العدل الامريكية لوريتا لينش وزوجها والرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون في مطار مدينة فيونكس عاصمة ولاية اريزونا . دخل الرئيس كلينتون في طائرة الوزيرة لينش ، وتجاذب معها وزوجها اطراف الحديث لعدة دقائق ، ثم غادر لطائرته التي كانت تنتظره على مدرج المطار .
ثم قامت العجاجة ، ولم تهدأ حتى تاريخه ، 45 يوماً على الحدث ؟
إتهم ترامب المرشح الرئاسي الجمهوري ، وكذلك الوسائط الإعلامية الامريكية الرئيس كلينتون بانه حاول الضغط على الوزيرة لوريتا بخصوص قضية المرشحة الرئاسية الديمقراطية هيلري كلينتون التي تنظر فيها ، حالياً ، وزارة العدل .
كما تعرف ، يا حبيب ، ان المرشحة هيلري كانت متهمة بانها استعملت ، عدة مرات ، ايميلها الشخصي وليس الرسمي عندما كانت وزيرة للخارجية في ولاية اوباما الاولى من 2009 الى 2012 ، ومتهمة كذلك بالاهمال الجنائي في حادثة مقتل السفير الامريكي في بنغازي في عام 2012 .
طالب المرشح الجمهوري ترامب ، وكذلك بعض الوسائط الإعلامية الامريكية ، الوزيرة لوريتا بالاستقالة لانها ادخلت نفسها في ( شبهة ) بالحديث مع الرئيس كلينتون ، بينما زوجته هيلري تحت التحقيق بواسطة وزارة العدل .
كما شن المرشح الجمهوري ترامب وبعض الوسائط الاعلامية الامريكية حملة شعواء ضد المرشحة هيلري متهمين لها بان زوجها اثر على مجري تحقيق وزارة العدل معها ، بونسته مع الوزيرة لوريتا .
دافعت الوزيرة لوريتا عن نفسها بانها لم تكن لترفض استقبال الرئيس كلينتون في طائرتها ، وهو صديق قديم ، وانهم ( هي وزوجها والرئيس كلينتون ) تونسوا في مواضيع لا علاقة لها بقضية هيلري ، وانما كان حديثهم عن احفادهم ، ولعبة الجولف .
ولكن لا تزال الوسائط الاعلامية الامريكية تسلق الوزيرة لوريتا بالسنة حداد ، وتطالب باستقالتها ، لانها لم تبتعد عن موطن ( الشبهات ) ، وترفض مقابلة الرئيس كلينتون ، بينما زوجته هيلري تحت التحقيق في وزارتها .
تلك معاملة اهل دار الكفر لقادتهم الذين يرمون انفسهم دون قصد ورغماً عن انفهم في مواطن ( الشبهات ) ، نكرر ( الشبهات ) لان ونسة الرئيس كلينتون مع الوزيرة لوريتا لم يسمعها طرف ثالث غير زوج لوريتا في داخل طائرة الوزيرة لوريتا . اما في دولة الانقاذ التي ترفع راية الاسلام ، فيرمي وزير العدل بنفسه طوعاً ومع سبق الاصرار في دائرة ( الشبهات ) ، التي هي من المحرمات بنص الحديث الشريف ؛ ولا تقل الحكومة بغم ، بل تغبطه على ذلك ؟
وربما تدخل السيد الوزير مع القاضي الذي سوف ينظر في قضية الاستاذ محمد حاتم ، ببساطة لان السلطات الثلاثة في السودان ( البرلمان + القضاء + الحكومة ) صارت سلطة واحدة تحت أمرة الرئيس البشير .
ثالثاً :
المرجعية الثالثة تقول إن العدل اساس الملك .
نواصل في الحلقة الثانية …