البشير يأمل بسلام حقيقي في دارفور ومفاوضات لتقاسم السلطة
توقيع اتفاق وقف النار بين الخرطوم و«العدل والمساواة»
وقعت السودان أمس في الدوحة مع حركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور اتفاق إطار لوقف إطلاق النار دخل حيز التنفيذ أمس عند منتصف الليل بالتوقيت المحلي. وذلك خلال حفل كبير بحضور الرئيس السوداني عمر البشير والرئيس التشادي إدريس ديبي وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الذي لعبت بلاده دور الوسيط.
حيث كشف عن مساهمة بلاده بمليار دولار في صندوق لإعادة تنمية السودان، كما شهد الحفل الإعلان عن تأسيس حركة التحرير والعدالة، وهما خمس حركات تمثل مجموعة طرابلس، إضافة إلى ثلاث حركات من مجموعة أديس أبابا، عن اتفاق لتوحيدها تمهيدا لتوقيع اتفاق إطاري آخر مع الحكومة السودانية.
وقال البشير خلال حفل التوقيع ان اتفاق السلام الذي ينص على وقف إطلاق النار سيؤسس لسلام حقيقي في دارفور على الاتفاق، وعبر عن الأمل في التوصل إلى «سلام شامل» في تلك المنطقة قبل الانتخابات العامة في السودان المقررة من 11 إلى 31 ابريل.
من جهته أعلن رئيس حركة العدل والمساواة خليل إبراهيم التزامه التام بوقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ منتصف الليل. مشيرا إلى انه من شأنه تكريس السلام في دارفور.
في غضون ذلك، أعلن أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أن بلاده التي ترعي محادثات السلام بين الحكومة السودانية والمتمردين تعتزم الإسهام بمليار دولار في صندوق لإعادة بناء السودان.
إلى ذلك، أفادت وثائق تحدد شروط المفاوضات اطلعت عليها وكالة «رويترز» أمس بأن السودان سيعرض على حركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور مناصب حكومية ضمن اتفاق سلام. والوثائق هي الإشارة الأولى الملموسة إلى أن الخرطوم مستعدة لاقتسام السلطة مع خصمها اللدود في دارفور.
وينص الاتفاق الذي بدأت المفاوضات حوله في الدوحة بعد التوقيع على وقف إطلاق النار على تقاسم السلطة بمشاركة حركة العدول والمساواة في «كافة مستويات السلطة (التنفيذية والتشريعية.. ) حسب معايير يحددها الطرفان لاحقا».
وفي البند الرابع يشير مشروع الاتفاق إلى ضرورة أن تؤسس حركة العدل والمساواة «حزبا سياسيا عند التوقيع على الاتفاق النهائي بين الطرفين». كما ينص على دمج مقاتلي حركة التمرد في وحدات الجيش والشرطة والإفراج عن أسرى الحرب والعفو على مدنيي وعسكريي حركة العدل والمساواة.
كذلك ينص الاتفاق على تعويض النازحين وتنمية دارفور الذي طال تهميشه والبحث في تقاسم الثروات. وكان تقاسم السلطة والثروات دائما يشكل العمود الفقري في كافة الاتفاقات التي وقعها الخرطوم مع مختلف حركات التمرد، كما حصل مع حركة تحرير السودان في الجنوب التي حصل قائدها ميني ميناوي سنة 2006 على منصب مستشار رئاسي.
تأسيس حركة التحرير والعدالة الدارفورية
إلى ذلك، أعلنت خمس حركات تمثل مجموعة طرابلس، إضافة إلى ثلاث حركات من مجموعة أديس أبابا، عن اتفاق لتوحيدها تمهيدا لتوقيع اتفاق إطاري آخر مع الحكومة السودانية. والحركات الموقعة، هي حركة تحرير السودان ـ القوى الثورية، الجبهة المتحدة للمقاومة وحركة تحرير السودان ـ الخط العام، حركة تحرير السودان الديمقراطية وحركة العدل والمساواة الديمقراطية، حركة تحرير السودان الديمقراطية.
وأعلن الناطق باسم حركة تحرير السودان ـ جناح الوحدة محجوب حسين، في مؤتمر صحافي حضره ممثلو القوى الدارفورية الموقعة اليوم بالدوحة، أن الحركات توافقت على اختيار الدكتور التجاني السيسي لرئاسة المجموعة.
وتلا حسين البيان الذي أصدرته الحركات الذي جاء فيه «استجابة لرغبة جماهير شعبنا ومطالبتهم بالوحدة من أجل تحقيق الأهداف المشروعة التي قامت الثورة من اجلها ولخطورة الأوضاع التي يمر بها السودان والتي تتطلب وحدة وتماسك الثورة المسلحة لكي تتمكن من تحقيق أهدافها سلما أو حربا».
وقال البيان ان «القوى الدارفورية من مجموعة خارطة الطريق وحركة تحرير السودان والقوى الثورية، قد توحدت تحت اسم حركة التحرير والعدالة، وطلبنا من الدكتور تجاني السيسي أن يكون رئيسا لهذه الحركة».
ودعا البيان الحركات الأخرى الانضمام للحركة الجديدة «حتى تكتمل وحدة كل الحركات المسلحة في تنظيم واحد». وقال محجوب حسين إن حركة التحرير والعدالة لن تكون طرفا في الاتفاقية الإطارية الثنائية، مضيفا «سوف ننخرط قريبا في التفاوض مع الحكومة لتوقيع اتفاق إطاري لحل الأزمة».
خرق للهدنة
إلى ذلك، قال متمردو حركة العدل والمساواة أمس ان «القوات الحكومية هاجمتهم بعد يومين من توقيع اتفاق مبدئي لوقف إطلاق النار مع الحكومة السودانية». ونفى الجيش السوداني دخوله في أي اشتباكات مع حركة العدل والمساواة، ولم تؤكد مصادر مستقلة تقرير المتمردين.
وقال الناطق باسم الحركة أحمد حسين آدم «هاجمت قوات وميليشيات حكومية تدعمها طائرات أنتونوف وطائرات هليكوبتر رفاقنا وحاميتنا شرقي جبل مون الواقع قرب حدود غرب دارفور مع تشاد، وان الحركة ألحقت بهم الهزيمة».
مقتل 30 شخصاً في قتال بجنوب السودان
على صعيد آخر، ابلغ الناطق باسم جيش جنوب السودان كول ديم أن ما لا يقل عن 30 شخصا لقوا حتفهم في قتال اندلع بين رجال قبائل مسلحين وجنود بجنوب السودان. وقال كول «قتل سبعة من الجيش الشعبي لتحرير السودان (الجيش الجنوبي) وأصيب سبعة»، مضيفاً أنه عثر على 16 جثة لمقاتلين من قبيلة دنكا قوقريال وما لا يقل عن 30 جريحا.
بريطانيا ترحب باتفاق السلام
رحّبت بريطانيا أمس بالاتفاق الإطاري لوقف النار الذي توصلت إليه الحكومة السودانية مع حركة العدالة والمساواة، أكبر جماعات التمرد في دارفور.
وقالت وزيرة الدولة البريطانية لشؤون افريقيا البارونة كينوك في بيان «إن هذا الاتفاق يعتبر مؤشراً للأمل لدى شعب دارفور الذي عانى لمدة طال أجلها، ونشيد بالجهود التي بذلها الوسيط من الاتحاد الافريقي والأمم المتحدة جبريل باسولة، ودولة قطر على صبرهما وعزمهما السعي للتوصل إلى تسوية دائمة».
وناشدت البارونة كينوك الأطراف المعنية «التحرك نحو تطبيق الاتفاق المبرم وبدعم من بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي في دارفور تحت قيادة إبراهيم غامباري»، كما ناشدت كافة الجماعات المسلحة وقياداتها في دارفور «إبداء التزام مماثل تجاه السلام»، مشددة على «أن من حق جميع أهالي دارفور أن يتوقعوا اتحاد قادتهم وانضمامهم بشكل كامل لعملية السلام».
وأضافت الوزيرة البريطانية أن حكومتها «ستستمر في تقديم كافة أشكال الدعم لتأمين التوصل إلى سلام دائم، بجهود كل من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي وغيرهم من الشركاء، وتعمل بشكل خاص على التطبيق الكامل لاتفاق السلام الشامل».
واعتبرت البارونة كينوك أن تحقيق سلام يسوده الاستقرار في دارفور«يمثل جزءاً حيوياً من ذلك الهدف الواسع»، ودعت جميع الأطراف في السودان إلى «مضاعفة جهودهم بشكل عاجل لأجل إحلال السلام».
الظروف الدولية والداخلية توفر فرص السلام
على الرغم من الذكريات المريرة لدى جماعة التمرد الرئيسية في دارفور والحكومة السودانية والتي تحفل باتفاقات سلام ومهادنات فاشلة، إلا أن الانتخابات المقبلة والتحول المفاجئ نحو التحسن في العلاقات مع دولة تشاد المجاورة زادا من الآمال المعلقة على اتفاق الهدنة المفترض والذي يتوقع أنه سينجح أخيرا في وضع حد للحرب الضروس التي دارت رحاها سبع سنوات.
وبرغم انحسار العنف في هذا الإقليم القاحل شاسع المساحة، تقدر الأمم المتحدة عدد القتلى في الحرب التي بدأت بإشهار رجال القبائل السلاح ضد الحكومة التي يهيمن عليها العرب، بنحو 300 ألف نسمة، فيما تقدر عدد النازحين بنحو 7,2 مليون.
وقد أعطى تحسن العلاقات بين السودان ودولة تشاد الواقعة في الجوار دفعة قوية لاتفاق الهدنة، لأن الدولتين كانتا قد تبادلتا الاتهامات بشأن دعم المتمردين في كلتا الدولتين.
كما أن الرئيس السوداني عمر البشير يواجه اتهامات بارتكاب جرائم حرب في الخارج، أما في الداخل فإن الانتخابات المقرر عقدها في أبريل المقبل تجعله تواقا لتحقيق نوع من الإنجاز لعل هذا يسهم في تحسين صورته في الخارج والداخل.
وربما يمثل انتهاء العداء المتطاول بين السودان وتشاد، التي رعت اتفاق الهدنة بعد أيام من إعلانها إنهاء حربها بالوكالة مع السودان، العنصر الحاسم في قابلية هذه الاتفاقية على الحياة. وقال العضو البارز في جماعة العدل والمساواة طاهر الفقي قبل أن يتوجه إلى الدوحة للتوقيع على اتفاق الهدنة «إنني لا أنكر أن العلاقات الطبيعية بين البلدين ستسهم في إنجاح الهدنة».
وأضاف ان «قوات حركته المتمردة دحرت هجوما شنته قوات الحكومة، بل واستطاعت الاستيلاء على مركبات حكومية. وعلى الجانب السياسي نحن ماضون في المفاوضات. ولكن على الجانب العسكري فلن نضع سلاحنا وسنبقى في حالة من اليقظة والاحتراس».
وسارعت الحكومة السودانية لطمأنة المتمردين بتواصل التزامها بتوقيع اتفاق شامل. وقال المسؤول الحكومي الذي قاد المفاوضات أمين حسن عمر، والتي طالت عاما، «إننا نعتقد أن مشكلة دارفور لا يمكن أن تحل عبر اتفاق بين طرفين. وإننا نأمل أن نتفاوض مع الجماعات الأخرى للتوصل إلى اتفاق شامل نهائي». وأشاد بدوره باتفاق الهدنة مع العدل والمساواة باعتباره «إنجازا مهما».
ولكن الناطق باسم الحكومة السودانية ربيع عبد العاطي قال إن «تأجيل الانتخابات ليس مطروحا على المائدة حاليا».
وتمثل جماعة العدل والمساواة أقوى جماعات التمرد نفوذا، ولكنها لا تعد الوحيدة الناشطة في دارفور. وقد اتحد العشرات من الفصائل المتمردة تحت راية الجماعات الرئيسية بهدف توحيد قائمة المطالب وتعزيز مواقفهم التفاوضية في المفاوضات التي طالت عاما في الدوحة.
تجدر الإشارة إلى أن زعيم تنظيم العدل والمساواة خليل إبراهيم كان في السابق أحد وزراء الحكومة قبل أن ينضم إلى التمرد الحاصل في دارفور. وهو يمارس الضغوط على الحكومة لتأجيل الانتخابات حتى يتمكن من المشاركة فيها.
الدوحة ـ أنور الخطيب والوكالات