بقلم عثمان نواي
ردد البشير ورهطه وابواق حزبه فى الايام الماضية التزامهم بما اسموه بالحوار, مؤكدين على رغبتهم فى السلام فى البلاد واحداث تغييرات جدية. ولكن فى ذات الوقت كانت طائرات الانتنوف تشرد الالاف فى رشاد وما حولها من قرى جنوب كردفان, مشردة ما لايقل عن 70 الف من المدنيين العزل الذين لا ماوى لهم الان بسبب حرق البشير لقراهم ومواشيهم. ولكن الاهم انهم الان فى حالة نزوحهم هذه لا يجدون من يطعمهم او يخفف من روعهم . فقد منع البشير ما اسماه (بالخطا فى دارفور), ويقصدعمليات دخول الاغاثة للناجين من قصف طيرانه , حيث امر بعدم اقامة اى معسكرات للنازحين من جبال النوبة والنيل الازرق فى اى مكان فى السودان , مما يعنى ان مصير من تشردوا ان يهيموا فى العراء حتى يموتوا جوعا او مرضا الى ان يقضى الله امرا كان مفعولا.
وفى اجواء ما يسمى بالحوار , تهز سماوات جبال النوبة ودارفور والنيل الازرق ازيز طائرات الانتنوف والميج, واصوات الصواريخ التى تهبط كالمذنبات من السماء, لتفتك بالاخضر واليابس, ويبدا البشر رحلة من العذاب فى حالة من الرعب والخوف ليس من المستقبل بل من الحاضرو رعبهم من اصوات بطونهم الخاوية و التى يخيل اليهم احيانا انها تعوى ليلا كالذئاب التائهة , تكاد تنهشهم من جوعها. ولكن البشير يظل يعد ويتوعد بالسلام فى حين يجلس مفاوضيه على طاولة التفاوض ليس املين ولا جادين فى الوصول الى نهاية حقيقية للقتال او لحالة المعاناة اللامتناهية لملايين البشرمن اهل هذه المناطق المحترقة. بل انهم يماطلون ويردون المقترح تلو الاخر لادخال المساعدات للمحتاجين الذين تقارب انفساهم بالانقطاع انتظارا وصل الى 3 سنوات الان لدخول شىء من الطعام يقوى اجسادهم المنهكة.
ان من جلس مع البشير من احزاب المعارضة , لم يشترط احدهم وقف اطلاق النار لاجراء حوار, بل هرولوا غير مبالين بما يجرى فى مناطق الحرب من ابادة تلو الاخرى. وما يعلم البشير انه فاعله فى ظل نظر وسمع المجتمع الدولى هو الضرب بكل ما لديه من قوى حربية , لقتل وتدمير ما يستطيع حتى يحصل على موقف تفاوضى اقوى , فكل قرية يحرقها ويشرد البشير وقواته اهلها, فانه يعلنها منطقة جديدة تحت سيطرته, وهى فى الحقيقة ارض محروقة بلا بشر. وهذا ما يريده البشر ,اراضى بلا بشر ليضغط بها فى اى مفاوضات معلنا انه كدولة لديه سيادة على اكبر قدر ممكن البلاد. وهذا فى الواقع هو عملية اخرى من عمليات الغطاء السياسى التى يوفرها المجتمع الدولى لنظام الخرطوم, بتجاهله لما يقوم به فى مناطق الحرب فى الحين الذى يشيد فيه بلعبة الحوار التى يلعبها البشير.
وفى هذا الاطار فان ما كانت عائشة البصرى قد نشرته حول تغطية الامم المتحدة والاتحاد الافريقى لجرائم النظام فى دارفور يشمل عملية تجاهل الجسمين الدوليين , لما يحدث فى جبال النوبة والنيل الازرق من قصف للمدنيين وحرق للقرى . وهى ذات السياسة التى تنفذ فى دارفور دون مساءلة. واذا كان اصطاف الامم المتحدة غير مسموح له بالدخول ليوثق ما يحدث فى الارض, فان السؤال يظل قائما , حول مدى جدية الامم المتحدة فى الوصول الى تلك المناطق, وما هى الجهود والضغوط على النظام التى بذلتها حتى تصل لمن يحتاج المساعدة وحتى تقوم بدورها هناك. ان هذا العجز والتواطؤ وممارسة سياسة الصمت تجاه ما يحدث فى جبال النوبة مثلما يحدث فى دارفور, يعد مساهمة فى زيادة واطالة امد معاناة المدنيين. فهل تستعمل الامم المتحدة ومجلس الامن كافة صلاحياتها فعلا لحماية المدنيين كما تعهدت لمرات عديدة خاصة وان فى الايام الماضية كان مجلس الامن قد اصدر قرارا يجرم الابادة الجماعية واصدر اعتذارا رسميا لمواطنى روندا عما بدر منه من اهمال وعجز عن التحرك لانقاذهم فى اثناء الابادة التى حدثت قبل 20 عاما, وقضى فيها اكثر من 800الف شخص فى 100 يوم, دون ان يحرك المجتمع الدولى ساكنا. فهل سينتظر شعب جبال النوبة ودارفور والنيل الازرق 20 عاما حتى يعتذر مجلس الامن والامم المتحدة عما يقومون به الان من تجاهل للابادة فى هذه المناطق؟! هذا للاسف ما تشير اليه سياسات المجتمع الدولى حتى الان.
وبالتالى فان البشير وعصابته الحاكمة لن يقوموا باى خطوات حقيقية وجادة لتحقيق السلام النهائى والشامل ,عبر اتخاذ خطوة مهمة مثل وقف اطلاق النار الشامل والحقيقى على الارض وفتح الممرات الانسانية, دون المماطلة لاطول فترة ممكنة. فان الوقت هو الللعبة المفضلة التى يجيد النظام المناورة بها. فكل يوم تاخير فى الوصول الى حلول نهائية, يحتسبه النظام اطالة لعمره, فهو يعلم ان الشروط للوصول لسلام نهائى هذه المرة لن تسمح له بالبقاء ممسكا بكراسى الحكم والثرورة كما يفعل الان, فالكثير من سلطة النظام ان لم يكن كلها يجب ان يتنازل عنها للاخرين, حتى يحدث الاستقرار المأمول لاعادة بناء السودان. وهذه المعادلة التى ستفقد النظام قدر كبير من احتكاره للسلطة , يخشاها صقور المؤتمر الوطنى ومجرمى الحرب , وبالتالى فان مطالب العدالة والمحاسبة والتى ستفضى لسلام شامل, هى مواضيع تهدد ارباب النظام, ولذا فان المماطلة التى ظلت طاولة التفاوض فى اديس تشهدها لها بواعث مربوطة برعب البشير من التخلى عن اى مربع من السلطة او مشاركتها , خوفا على نفسه من المساءلة والمحاسبة. وهنا ايضا ياتى دور المجتمع الدولى فى التماهى مع اطروحة الحوار الداخلى, من اجل توفير مخرج امن للبشير ينجيه من المحكمة الجنائية. وبالتالى فان البشير, رغم محاولة التذاكى , عبر لعب دور المنقذ والحكيم الذى يحاول لملمة الوضع المنهار فى السودان, الا انه لا يتمتع بالذكاء الكافى ليتخذ الخطوات الجادة التى ستحقق السلام والتى ستفرض عليه القيام بالتنازل عن الحرب كوسيلة للتمكين, وايضا التخلى عن وهم النجاة من الحساب على جرائمه, فما يعتقد انه سينجو منه عبر التمسك بالسلطة, هو ما سيقتلعه منها فى النهاية.
[email protected]