د. الطاهر الفكى
لا بد ان نذكر البشير بأن الطريق الى العدالة طويل و متعرج, و لكن نهايته تكاد تكون معلومة. فقد وصل إلى السلطة في السودان كما وصل الانقلابيون اللصوص من قبله. و البقاء فيها معقد و تحيط به المخاطر من كل جانب. أما الخروج منها فأقسى و أمر, الا لمن أداها بحقها و سلم الامانة الى الشعب. فالمجرمون من أمثاله ينالون عقابهم أما بالنفى او بالسجن أو الاعدام. و البشير أكثرالمجرمين علما بما نقول. فمهما كان للمجرم من حصانة بقوة و جبروت السلطة يحتمى بهما يظل طريدا فى دواخله, خائفا و متوجسا حتى يقع فى الاسر. و الامثلة كثيرة فى التأريخ القريب منهم الرئيس اليوغسلافى سلوبودان ميلوسفيتش و ملاديتش القائد العسكرى الصربى و ما ارتكباه من جرائم حرب و تطهير عرقى و جرائم ضد الانسانية فى البوسنة و الهرسك. تسلمتهم المحكمة الجنائية فى لاهاى. الرئيس التونسى زين العابدين فر الى المنفى. اما السجن فكان من نصيب الرئيس التشادى حسين هبرى و الليبيرى تيلور. ومن تم أعدامه رميا بالرصاص الرئيس الرومانى تشاوشسكو, و من تدلى بحبل المشنقة نجيب الله الافغانى و صدام حسين. أما القتل العشوائى الشنيع فقد أصاب القذافي و على عبد الله صالح.
ما ينتظرالبشير من مصير محتوم عبر ثورة عارمة فى السودان تؤدى أما الى قتلة عشوائية شنيعة فى تدافع وهبة جماهيرية, أو الشنق تحت مرأى الكل تحرمه الشرف العسكرى بالاعدام رميا بالرصاص. لأنه خان العهد و حنث بالقسم العسكرى ثم باع و استبدل القوات المسلحة الوطنية بمليشيات تابعة له. و آخرها الزج بها فى اتون الحرب فى اليمن كمرتذقة. ثم فرط فى وحدة البلاد فقسم الوطن الى اثنين و أشعل الحروب و نخشى أن تتقسم الى دويلات .
و أهون ما يكون عليه من الشنق و يتمناه أن يقبع بقية عمره فى سجون لاهاى لأن عقوبة الاعدام ليست من مواد العقاب فى المحكمة الجنائية الدولية. لكنه سيقبع فى السجن بقية ايامه يتآكل ذليلا حقيرا حتى يأتيه اليوم المعلوم كما حدث مع الرئيس الصربى سلوبودان ميلوسفتش. و مهما تظاهر البشير بالشجاعة فهو جبان يعيش الخوف من الملاحقة الدائمة من قبل المحكمة الجنائية فى لاهاى تعرض عليه غدوا و عشيا تحيط بعنقه كحبل المشنقة و الا لما أحاط نفسه بترسانة من الامن. و ما فراره الى كنانة يوم زحفت عليه قوات العدل و المساواة فى العاشر من مايو 1908 ببعيد.
و لعل المسألة الان ليست الا مسألة وقت و الاطاحة به والحركة الاسلامية. الذى يتبناه لبقائه فى السلطة اعتقاده أن إسقاط الأنظمة بالقوة أصبح خطا أحمر دوليا و أفريقيا و لم يعد مسموحاً بتجاوزه. و ما جرى فى تونس, اليمن, العراق, سوريا, مصر وليبيا لم يعد ممكناً الان, و لن تسمح القوى الدولية بتكراره. ساعد على ذلك التدخل الروسى الايرانى لانقاذ نظام الاسد فى سوريا تحت ذريعة فرض الاستقرار الدولي وحمايته بالقوة كرسالة واضحة وصريحة في مستقبل التعامل مع الأزمات و الاضطرابات السياسية الاقليمية. هذه السياسة قاصمة لظهر القوى الوطنية التى تحاول الدعوة الى ربيع يخصها, ومعاقبة للشعوب المنتفضة من خلال سد الطريق عليها, أو إعادة إنتاج النظام ذاته الذي خرجت عليه الجماهير عبر تمكين قيادات الصف الثانى من مقاليد السلطة ان نجحت الانتفاضة. و الحركة الاسلامية تتبنى هذه المسرحية حتى و أن تمزقت البلاد على طريقة بشار الاسد، و عدم الاستسلام نهائياً والقفز فوق القرارات الدولية و مجلس الأمن الدولى، أوالألتفاف عليها بدعم روسى و صينى.
البشير يسعى بكل الوسائل لفرض الأستسلام على الشعب السودانى و المعارضة بشقيها المدنى و المسلحة مع إلبطء و التلكؤ فى انفاذ مقررات الحوار الوطنى، باعتبار أن الوقائع الفعلية جردت المعارضة من كل الأوراق التي كانت تمسك و تتمتع بها. و يعتبر نفسه غير معني بالاعتراف بالواقع المتردى للبلاد و انتشار الفساد وترنح النظام بانهيار الاقتصاد. و ما يزال فى واديه يرفع نبرته و أشهار العضلات لكسب انتخابى جديد فى 2020 و استمرار التباهى بمليشياته من الدعم السريع كنوع من التحدى العسكري. ليؤكد على أنه سيظل رئيساً وسيبقى لأمد بعيد. و يرى قتله الأعداد الهائلة وتشريده للملايين، لا يخول لقوى المجتمع الداخلى أو الخارجى الحق فى المطالبة برحيله، فهو يعتبر بقائه في السلطة رمزاً لانتصاره و حفظا و حماية شخصية له من كيد خصومه و اعدائه و المحكمة الجنائية الدولية. و بطول بقائه فى السلطة تستجد و تنبت دعوات الي أعادة ترميمه في المحافل الدولية تمد فى عمر نظامه، بزعمه أنه القائد الذي استعاد هيبة الدولة من خلال القوة التي أعفته من أي التزامات.
البشير يسبح على شاطئ يبدو اليه دافئا مستمتعاً بقوة السلاح و العصا الامنية الغليظة، مرسخاً قاعدة واصل تبنيها بأن حماية السلطة يتم بصناديق الذخيرة و بتضحيات ضخمة بالقيم وحقوق الانسان و نكوص عن اى التزامات و مواثيق و عهود على أنقاض البلاد و العباد.
كل الدلائل الان تشير الى وميض نار لثورة فى الافق عارمة وقودها الجياع و الغلابى و أن الخوف من المجهول قد انتهى. و الاجراءت التى اتخذها البشير بتعديل وزارى محدود لا يهم الشعب و لا يغير فى معاشه شيئا لأن عصب الحياة و هوالاقتصاد قد وهن و كاد أن يخر ولا فرق عند المواطن السودانى بين الحياة و الموت. الثورة الجماهيرية قادمة. و حينها لا يستحق البشير الشرف العسكرى رميا بالرصاص و سيشنق لا محالة. و سيريه الشعب قدراته فلا تستعجلون.