الخرطوم – النور أحمد النور
أعلن الرئيس السوداني عمر البشير أنه راض عن أداء حكمه خلال 20 سنة أمضاها في السلطة، لكنه قال إن هناك مخططاً لجهات أجنبية لإطاحته عبر ضخ أموال ضخمة الى قوى معارضة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر اجراؤها العام المقبل، واعتبره آخر محاولة لتفكيك نظام حكمه بعد فشل المحكمة الجنائية الدولية التي قررت توقيفه.
وقال البشير في كلمة بثها التلفزيون السوداني الرسمي ليل أول من أمس لمناسبة مرور 20 سنة على استيلائه على السلطة عبر انقلاب عسكري في 30 حزيران (يونيو) عام 1989 إن أعظم انجاز حققه خلال مرحلة حكمه هو اتفاق السلام في جنوب البلاد الذى أنهى حوالى 22 سنة من الحرب الأهلية. وأضاف أنه لا عودة للحرب مرة أخرى، مشيراً الى أن الاتفاق فخر لأفريقيا ولطرفي الاتفاق، أي «حزب المؤتمر الوطني» الحاكم و«الحركة الشعبية لتحرير السودان».
ورأى البشير أن الاستفتاء على تقرير مصير اقليم جنوب البلاد سيؤكد وحدة السودان التي لا يمكن أن تتحقق بالقوة. وقال إن المعركة بعد توقيع السلام كانت في بناء الثقة، لافتاً في هذا الصدد الى أن العلاقة بين شريكي الحكم هادئة إلا من أصوات لا تعبر عن «حزب المؤتمر الوطني» أو «الحركة الشعبية». وفيما توقع بروز عقبات أمام الاتفاق، أوضح أن القضايا الخلافية العالقة تشمل ترسيم الحدود بين شمالها وجنوبها والنزاع على منطقة ابيي الغنية بالنفط، وقانوني الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب والأمن. وأكد قناعته بإمكان تذليل تلك العقبات قبل نهاية الفترة المحددة لذلك، لافتاً الى أن العمل جارٍ لتثبيت السلام والأمن والاستقرار لإتاحة الفرصة لإجراء الانتخابات في جو معافى.
وأكد البشير استقرار الأوضاع الأمنية في أكثر من 90 في المئة من اقليم دارفور، واستدل على ذلك بتصاعد الرغبة لدى النازحين في العودة الى مناطقهم. ورأى أن في الإمكان اجراء الانتخابات في كل أنحاء دارفور باستثناء مناطق محدودة، مشيراً إلى أن زيادة النمو السكاني في الإقليم، كما عكسته نتائج الإحصاء الأخير، دليل على الأمن والاستقرار. كما نفى وجود انفلات أمني وتطهير عرقي وإبادة جماعية، كما يزعم بعض الجهات.
وأضاف أن حكومته تجري اتصالات مع مجموعة من فصائل التمرد في دارفور قطعت شوطاً كبيراً، ولكن الخرطوم لا تريد تعدد منابر السلام وحريصة على الاستمرار في عملية السلام عبر الوساطة الأممية الأفريقية المشتركة في محادثات تشمل كل الفصائل في الدوحة.
وأكد البشير أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة ستكون حرة ونزيهة. وقال إن حزب «المؤتمر الوطني» الذي يتزعمه استمر في الحكم 20 سنة وجد بلداً منهاراً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وصار الآن ناهضاً ويريد تجديد ثقة الشعب فيه عبر الانتخابات. وتابع: «نحن مع خيار الشعب أياً كان»، وبدا واثقاً من أن المجتمع الدولي سيمول الانتخابات التي تكلف أكثر من بليون دولار. كما أسهم في كلفة الإحصاء السكاني.
وكشف البشير أن قوى أجنبية، في اشارة الى واشنطن، طلبت منه تعديل سلوك نظامه في مقابل تطبيع العلاقات. وأوضح أنه استجاب الى ذلك عبر اقرار دستور ديموقراطي وحريات، لكن بات على قناعة بأنها تسعى إلى تفكيك نظام حكمه باستغلال قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيفه ولكنها فشلت. وحذر من أن تلك القوى أعلنت صراحة رغبتها في تغيير نظام الحكم وتخطط لضخ أموال ضخمة الى أحزاب سياسية من أجل التأثير في العملية الانتخابية. واعتبر ذلك فرصة أخيرة لتفكيك حكمه.
وأكد البشير أن بلاده منفتحة للتجاوب مع ما سماه توجهاً جديداً للإدارة الأميركية الجديدة. وأبدى كذلك رغبة بلاده فى تحسين علاقاتها السياسية مع دولة تشاد بما يسهم فى تحقيق السلام في إقليم دارفور ويؤدي الى استقرار المنطقة. وقال إن «هناك إشارات إيجابية من الإدارة الأميركية الجديدة، ونحن مستعدون للتعامل مع هذا التوجه». إلا أنه أضاف: «لا نستطيع القول إننا تجاوزنا كل العقبات، ولكننا نسعى إلى التعامل مع ما نعتبره سياسة جديدة تجاه السودان».
ودعا الإدارة الأميركية الجديدة إلى اتخاذ خطوات عملية لإثبات رغبتها في التصالح مع العالم الإسلامي. وقال: «لا بد أن تتوج السياسة الجديدة بسحب القوات الأميركية من عدد من البلدان الإسلامية كالعراق وأفغانستان». وطالب إدارة باراك أوباما بالتعامل العادل مع القضية الفلسطينية، وتشجيع السلام فى العالم بدلاً من إشاعة الحروب.
وأبدى البشير رغبة بلاده في تحسين علاقاتها السياسية مع دولة تشاد المجاورة بما يسهم فى تحقيق السلام في إقليم دارفور ويؤدي إلى استقرار المنطقة. وقال إن هناك مساع إلى تطبيع العلاقات مع تشاد، «ولكننا ما زلنا نحتاج إلى بعض الوقت لبناء الثقة وتجاوز حال الخلاف».
ورأى أن الخلاف المتكرر بين السودان وتشاد يعود إلى التداخل القبلي والحدودي بين البلدين عبر اقليم دارفور، مؤكداً أن أي سلام في دارفور لا يمكن تحقيقه دون إقامة علاقات ايجابية بين الخرطوم ونجامينا. وأكد أن بلاده تؤمن بعلاقات حسن الجوار مع جيرانها. وتابع: «نؤمن بأن الحدود المشتركة يجب أن تكون لتبادل المنافع، وليس لتصدير المعارضة وتهريب الأسلحة».
وفي الشأن ذاته، تجرى تحركات اقليمية ودولية حثيثة لجمع الرئيسين عمر البشير والتشادي ادريس ديبي على هامش القمة الأفريقية التي تستضيفها سرت الليبية يوم الأربعاء المقبل، بعدما باءت المساعي السابقة خلال قمة زعماء دول منطقة الساحل والصحراء بالفشل. وتوقعت مصادر رسمية في الخرطوم نجاح المساعي الجديدة هذه المرة نتيجة تراجع حدة التوتر وتبادل الاتهامات السياسية بين الجانبين وهدوء الأوضاع الأمنية على الحدود بين الجارين.