لم تكن زيارة الرئيس البشير لرفيقه في الإجرام بشار الأسد محل إستغراب أو تعجب كما يظن الجميع ، فكلا الرجلين نجحا في تدمير بلادهما وتكسير الإرادة الشعبية ، ومقابل البقاء في الحكم رضيا بالتقسيم وتشريد البلاد من أهلها ، وربما يكون الرئيس السوري بشار الأسد أفضل حالاً من الرئيس البشير ، وهذا بسبب الطريق الذي اختاره ، فسوريا تحظى بدعم مالي وعسكري من ايران وروسيا ، فحتى الأن لم يصطف السوريون امام المخابز أو محطات الوقود كما حدث في السودان ، ولا زالت الدولة السورية تتكفل بالتعليم والصحة ودفع المعاشات ، بينما أختفت في السودان معالم الدولة المهيبة إلا من خلال اشخاص يظهرون في مقاطع الفيديو وهم يهددون بقتل كل من يتظاهر ضد الحكومة وهو يطالب بالخبز أو الدواء ،
ولم تكن علاقات الرئيس البشير مقطوعة مع نظام الأسد ، فقد أستقبل الرئيس البشير في بلاده التجار من الطائفة العلوية ومنحهم جوازات السفر ، ولكن هناك دواعي لإظهار هذه العلاقة في الوقت الحالي ، فالرئيس البشير يريد زيادة عدد المربعات في الدول التي يزورها ، حتى يحس بأنه يطير من فوق قفص المحكمة الجنائية الدولية ،فهو قد تفاجأ أيضاً بنهاية حرب اليمن بهذا الشكل السريع ، هذه الحرب التي فتحت له أبواب قصور الخليج ، ومكنته من نشر اذرعه الأمنية بين دول التحالف العربي وهو يهم باستلام أي ناشط سياسي يكتب عنه بسوء في مواقع التواصل الاجتماعي ،مارس الرئيس البشير سياسة الأبتزاز ولكنه حلفاؤه في دول التحالف العربي يفهمون طبيعته المتقلبة ، ولذلك لم يساهموا معه في حل الضائقة الأقتصادية التي تمر بها بلاده الان ، فهم على يقين بأن الرئيس البشير ، ذو الجذور الإخوانية ، لا يمكن أن يفك الارتباط مع قطر أو إيران ، ومن شروط نهاية أي حرب هو سحب القوات الأجنبية من منطقة النزاع ، والقوات السودانية أو قوات الجنجويد أو كما يسميها اليمنيون بقوات المرتزقة الأفارقة سوف تكون أول الخارجين من أرض المعارك بقرار من الأمم المتحدة ، هذه القوات العائدة للسودان سوف تزيد من متاعب الرئيس البشير ، وهذه القوات والعائدة بدون أي خطة او برنامج لن يكون بالسهولة دمجها داخل القوات المسلحة ، والبديل الذي يستوعبها هو قوات الدعم السريع ، ومن هنا سوف يتحمل الشعب السوداني بدمائه التكلفة المالية لتبعات حرب اليمن .
تحت ظل هذه التطورات ، كان لا بد من العودة للحضن الإيراني والذي اصبح يضم قطر وتركيا ، وتباشير هذه العودة اتضحت عندما تم تسليم ميناء سواكن للحكومة التركية ، فقد شعر الرئيس البشير بأنه في حاجة لمن يفتح له الأبواب مع طهران بعد أن اوصدها عندما انضم للتحالف العربي ، وهنا لا بد من طرق باب الرئيس السوري بشار الأسد ، شعر الرئيس البشير بأنه قد أخطأ في حساباته عندما باع الإيرانيين الذين دعموه في السابق ، ووفروا له التسليح أيام حرب الجنوب ، وهناك تيار داخل الحزب الحاكم في السودان بأن الأوضاع الاقتصادية في السودان لم تكن بهذا السوء أيام كانت العلاقات مزدهرة مع ايران ، وقد شعر الرئيس البشير ايضاً بان المملكة العربية السعودية تمر بأزمة سياسية معقدة بسبب قضية خاشوقجي وحرب اليمن ، أحس الرئيس البشير بأنه على متن مركب غارقة ، وقد تزامنت الزيارة مع قرار أصدره مجلس الشيوخ الأمريكي ضد السعودية بخصوص حرب اليمن ، ومن هنا بدت رحلة البحث عن الرهان الرابح ، فالجزار يطرق باب الجزار ، فدعم الثورة الشعبية لمحاربة الظلم والفساد ليست جزءاً من أدبيات الرئيس البشير.
وقد احتفى اعلام النظام السوري بزيارة الرئيس البشير ، وربط ذلك بنبوءة للرئيس بشار الأسد بان العرب سوف يطرقون أبواب سوريا كما حاربوها ، لكن سوريا المقسمة ليست كسوريا القديمة ، والرئيس البشير جاء يبحث عن الحلول في بلد ممزق ومقسم وأهله يعيشون في المنافي ، فبطل الطالب والمطلوب ، أما اعلام السعودية قد اكتفى بسرد الخبر بدون تعليق ، وقريباً سوف تكشف مقالات الصحفي عبد الرحمن الراشد اتجاه أهل الحكم في السعودية للتعامل مع البشير ، ولا أعتقد انهم تنقصهم الخبرة في التعامل مع طبيعته المزاجية ، فهم الذين اعترضوا طائرته الرئاسية في عام 2014 عندما كان يحاول زيارة إيران للاحتفال بتنصيب الرئيس روحاني .