الايام تكشف خطا قراءة القطاع السياسى (بالمؤتمر الوطنى) للاوضاع فى جبال النوبة والانقسنا
اجتمع القطاع السياسى بالمؤتمر الوطنى فى اليومين الماضيين لوضع استراتيجية للتفاوض مع الحركة الشعبية قطاع الشمال فى اديس ابابا قبل الثانى من اغسطس نهاية المهلة الاممية تحت البند (السابع) طبقا للقرار 2046 على امل ان يكون مجرد الجلوس للتفاوض – وبغض النظر عن النتائج مؤشرا على ان القرار رقم 2046 قد حقق اهدافه فى زمن قياسى – والتى تتمثل فى تامين دولة الجنوب – وايقاف الحرب المباشرة بين دولتى الشمال والجنوب السودانيتين وبدء المفاوضات المباشرة بين الطرفين – وبقبول حكومة المؤتمر الوطنى للجلوس مع الحركة الشعبية قطاع الشمال للتفاوض حول مسائل (الطعام ) لشعبى النوبة والانقسنا بسبب العودة التعسفية لمربع الحرب — بذلك تكون جميع بنود القرار 2046 قد نالت حظها من التنفيذ بشكل او باخر – وذلك بغض النظر عن النتائج – الامر الذى يجعل (طلب تمديد المهلة) الى ما بعد الثانى من اغسطس 2012 امرا موضوعيا.
هل ناقش القطاع السياسى اخطاء الحكومة فى معالجة ملف (الحركة الشعبية قطاع الشمال) وهل اعترف بخطا الحكومة عندما فشلت فى تجنب العودة الى مربع الحرب؟؟
1- الحقيقة المؤسفة تقول ان قرارات الدولة المصيرية من حرب وسلام يتخذها المتطرفون فى المؤتمر الوطنى من الدائرة الامنية والتى تقرا ما يريده (البشير ) من خلال العناوين الرئيسة لصحيفة الانتباهة – خال القصر الجمهورى – ولا تهتم حتى بقراءة ما بين السطور – باختصار قرارات حكومة الخرطوم تصنع فى مطبخ ثقاة الكراهية – والاقصاء وانكار الاخر
2- من انجازات اتفاقية السلام (الغير) شامل انها وفرت استقرارا جزئيا فى جبال النوبة والانقسنا — فنشات ولايات بحجم دول — فبدات الحياة والخدمات من تعليم وصحة — وذلك بغض النظر عن الجودة والنوعية — وتمت العودة الطوعية – وتعمرت المدن ودخلت خدمات الكهرباء والطرق الداخلية والخارجية التى تربط المدن ببعضها وبالولايات المجاورة – باختصارتحقق قدر معقول من السلام والاستقرار فى جنوب كردفان والنيل الازرق .
3- ان قرار العودة الى مربع الحرب فى جبال النوبة والانقسنا – رغم توفر بدائل اخرى (اتفاق نافع) يدل على طيش الحكومة وعدم مسؤوليتها – وتعاملها مع شعبى (جبال النوبة والانقسنا) بطريقة (الجلد الما جلدك كره فى الشوك) – بالقطع لم تكن الحكومة مبالية بمصير الشعبين المنكوبين – فقد نسف البشير بعد عودته من رحلته الشهيرة الى الصين (والتى لن يكررها) حيث عادت طائرته الرئاسية الى طهران اكثر من مرة لكونه رئيسا منبوذا ومطلوبا بامر قضائى للعدالة الدولية – نسف البشير (اتفاقية نافع) – واعلن فى خطبة مسجد فى يوم جمعة على طريقة المشير جعفر نميرى انه سيقبض على عبد العزيز الحلو ويحاكمه – وقد لحس البشير كوعه ولم يقبض على (الحلو) ولم يصل الجمعة فى كاودا كما وعد اهل الابيض – وكذبة الامير بلقاء.
4- من تجربتنا فى ملف قضية السودان فى دارفور ان الحكومة ليس لديها ارادة او رغبة فى
السلام مع اهل الهامش جميعا — لانها تدار بعقلية امنية تثرى من الحرب – وتفقد قيمتها فى ايام السلام – وقد قادت بسياستها الرعنا البلاد الى حالة (الدولة الفاشلة) – العاجزة عن الحفاظ
على حدودها – وتتمزق وننشطر كل يوم – الدولةة العاجزة عن الطعام لشعبها – الدولة التى لا مسؤولية لها تجاه شعبها — العاجزة عن (مجرد) توفير الدواء فى السوق فقط – وليس توفير العلاج المجانى.
5- ارادة السلام التى نعنيها هى (ان يتوب البشير ويستغفر ربه – ولو بينه وبين نفسه) – وان يكون شجاعا ويعترف علنا باخطائه (عفوا – حماقاته) – ويتفاوض برؤية وطنية استراتيجية وليست تكتيكية — ونعنى بذلك الاتى:
أ- اننا فى الجبهة الثورية (كاودا) ندرك ان الحكومة فى حالة (زنقة) – ومصير البشير الان يشبه مصير القذافى – بل اسوا – لانه محاصر من شعبه ( فى كماشة الهامش من ثلاثة اتجاهات) – ومن شعبه فى المركز المطحون بطاحونة الغلاء – فالقذافى كان غنيا ومكتفيا ذاتيا بالمال والذهب والدولار والسلاح — رغم ذلك انتصرت ارادة الشعب الليبى – رغم كل ذلك – فمن الناحية الفنية – فان هذا الظرف هو افضل وقت لمفاوضة النظام – لانه فى اضعف حالاته – على ان يجرى التفاوض فى اطار القرار 2046 وعبر الوسطاء الذين نص عليهم القرار.
ب- ارادة السلام التى التى نعنيها هى تقديم حلول جذرية (عبر الوسطاء) فى اديس ابابا تبدا باعادة الاوضاع الى ما كانت عليه فى النيل الازرق وجنوب كردفان والاعتراف بالحركة الشعبية كحزب سياسى مسجل فى الشمال — والاتفاق على الالية الديمقراطية المناسبة التى تمكن شعوب هذه المناطق من تحديد مصيرها ومستقبلها بنفسها .
ج- اعطاء الحركة الشعبية قطاع الشمال الضمانات اللازمة لتنفيذ اى اتفاق – وهى ضمانات ذاتية (بقاء جيش الحركة) – وضمانات دولية بموجب القرار 2046 وذلك لان سجلات الحكومات المركزية كلها حافلة بنقض العهود – من وعد جيل الاستقلال للجنوبيين بالفدرالية الى العودة لمربع الحرب بعد نيفاشا.
د- اننا فى ملف السودان فى دارفور لا نبنى سعادتنا على تعاسة الاخرين — ولا ننظر للحياة من منظور طوباوى فنعتقد ان مشاكل الهامش كلها لابد ان تحل من طاولة واحدة – لذلك تقبلنا الحل الجزئى لمشكلة الجنوب بالانفصال – باعتبار ان الانفصال هو الحل المتاح والممكن وان لم يكن الافضل والمثالى – بدليل ان (الوحدة الطوعية) كانت هى الخيار الامثل المتفق علىه.
ه- اذا كانت الحكومة جادة فى بناء جبهة داخلية صحيحة — فان اتفاقها مع الحركة سيكون ضمن رؤية استراتيجية وكجزء من حزمة متكاملة – اعنى ان الاتفاق مع الحركة الشعبية قطاع الشمال يقتضى حتما التفاوض مع بقية اطراف الجبهة الثورية الحاملة للسلاح وتحقيق تطلعات شباب المركز الراغب فى التحول الديمقارطى وتحقيق ربيعه اوخريفه السودانى– فلا يعقل ان تتفاوض الحكومة بمنتهى حسن النية مع الحركة الشعبية – ثم ترفض التفاوض مع الحركات الدارفورية (الرافضة). الاشكالية هى ان سجل المؤتمر الوطنى فى نقض العهود لا يمنح خصومة الثقة – (ولو اقسمت الحكومة بالطلاق فلن يصدقها احد ) – ولا يملك خصومها الا العمل على اسقاط النظام.
و- اذا كنا نتحدث عن ان الشعب السودانى هو الضامن لاى اتفاق سلام مع اهل الهامش – فان الشعب لا يستطيع ان يلعب هذا الدور الا فى ظل (تحول ديمقراطى) حقيقى – يمكن الشعب من اختيار حكامه على مستوى المركز والاقاليم فى انتخابات حرة ونزيهة . لقد خرق البشير وقطاعه السياسى سلام نيفاشا – فى حماقة لا تخطئها العين — ولم يستطع الشعب السودانى ان يكون ضامنا لسلام نيفاشا وذلك لان الشعب السودانى كان مغيبا – ولم يتحقق التحول الديمقراطى — لان سلام نيفاشا كله فى نظر المؤتمر الوطنى كان عملا تكتيكيا القصد منه كسب الوقت وتمديد عمر النظام.
ى- الضائقة المعيشية فى المركز سببها ان 70% من ميزانية الدولة تذهب الى حروب الحماقات التى هى من صنع راس النظام وخاله – فالحرب فى دارفور من صنع النظام – قالوا (هيبة الدولة) – فاشعلوا الحرب اللعينة – فارتكبت الحكومة وعلى راسها البشير الفظائع – الابادة الجماعية والتطهير العرقى والاغتصاب – والعودة الى مربع الحرب فى جبال النوبة والانقسنا من حماقات راس النظام وقد اشرنا الى ذلك فى صدر المقال – شاهدنا ان حل الضائقة المعيشية يكمن اولا فى ايقاف الحروب التى صنعتها الحكومة بحماقاتها –فهل يمتلك القطاع السياسى الشجاعة لتشخيص المشكلة السياسية بالبلاد؟ مصيبة الحكومة فى رئيسها الاحمق — ومصيبة (المركز) كله (منذ الاستقلال المزعوم واليوم) انه فشل فى ادارة التنوع السودانى. فالمشكلة تكمن اذن فى ذهنية المركز – لذلك فان استبدال النظام من داخله لن يحل المشاكل التى رفع الكثير السلاح من اجل حلها — وقد نجح البعض (الجنوب) والبعض ينتظر.
ابوبكر القاضى
الدوحة
27 يوليو 2012