الامن شبح اجتماعي

حسن اسحق
الاطفال الصغار عندما تريد الاسر منعهم من الخروج ليلا، تقول لهم ان (لبعاتي) موجود، هو مخلوق وهمي متسرخ في العقل الجمعي للسودانيين، وهي كائنات يفرضها المجتمع، لسلامة الاولاد من الخروج ليلا، رغم ذلك ان الاطفال لا يضعون اهمية واعتبار (للبعاتي) يمارسون هواية اللعب تحت ضوء القمر الخافت والظلمة في مرات عديدة . ان الاسرة الصغيرة والمجتمع الكبير، اول من يكرس سلطة الخوف من الاشياء المجهولة،والخرافية كما يذكرها البعض، ان الاسرة تؤسس لهذه الاشكالية المجتمعية، خشية علي ابناءها من مخلوقات، هم انفسهم لم يروها او قابلوها في ماضيهم البعيد،وانما كانت حكايات الجدات والاجداد في القري وغيرها، من دون ان يدركون ان هذه القصص ، لها تأثير عميق في سلوك اجيال مستقبلية، وعلي قراراتهم في الحياة العامة السياسية، والاجتماعية، والثقافية. كل هذه الاقاويل لها رد افعال تنعكس ، نراها الان ماثلة في حياتنا السياسية والمشاركة في العمل العام، وانتقل مفهوم (البعاتي) و(الغول) الي جهاز الامن والمخابرات الوطني، رغم اني ذكرت ان (البعاتي) مستحيل ملاقاته وجها لوجه، وان كانت في الذاكرة الجمعية لمجتمعاتنا، الا ان الجهاز الامني، تحول من إستحالة الملاقاة (كالغول) الي مواجهة المعارضين لنظام لسلطة المؤتمر الوطني، واشتهر بتهوره القمعي ضد السودانيين، حتي اطلق عليه لقب بيت الاشباح، وهو مسمي المعتقلات، قال احد العامة سمع ان احد معارفه السابقين، اعتقل وتعرض لمهانة شديدة، لم تخطر في خياله اطلاقا، قائلا، زمان كنت(بسمع) جهاز الامن، معتقدا انه (شبح) و(بعاتي)، لكن ما سرده المعتقل، جعلني، اؤكد ان هذه المنظومة شبحا،يسير بيننا في منازلنا، جامعاتنا، وجلساتنا الخاصة، واصبح الشك مصدر إلهام، لكل من تحدث عن السياسة في مكان عام، ويعتبروه محاولة لمعرفة ردود الافعال، وقياس رأي بطريقة امنية. ان حكاوي البعاتي والغول، ماهي الا قراءات ماضوية،لهيمنة مستقبلية، هدفها كسر الا رادة العامة وتحطيم خيوط الجرأة ضد الانظمة الديكتاتورية، واغراق الكل بالمخاوف من جهاز الامن، لمواجهة بطش المؤتمر الوطني في السودان. ونجد هذا عند الحديث عن السياسية، ويرد شخص عليك، لا تتحدث هذه في الاماكن، بها افراد امن في ثوب المواطن، وهو لم يراهم بعينه، لكن التكريس، خلق له هذا . في الحقيقة موجودين، رؤيتهم محالة، وضربهم وتعذيبهم، واغتصابهم، وقائع اثبتت من تفاصيل المعتقلين، ونشرت في الا علام، وكتب عنها. ان تكريس ثقافة الغول الخفي، اكتسبت ارضية لها ، الي حد التماهي من القاتل.
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *