«الاستئناف» في الجنائية الدولية تبطل قرار «التمهيدية» بشأن إلغاء تهمة الإبادة الجماعية ضد البشير
الخرطوم تعتبر القرار «سياسيا».. وواشنطن تطالب الرئيس السوداني بتسليم نفسه.. وأوكامبو ينصحه بتعيين محام
الرئيس السوداني عمر البشير (أ.ب)
بروكسل: عبد الله مصطفى الخرطوم: «الشرق الاوسط»
أبطل قضاة الاستئناف في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي قرارا سابقا صدر عن المحكمة بإسقاط تهمة «الإبادة الجماعية» عن الرئيس السوداني عمر حسن البشير، وقرروا أن على المحكمة الحكم من جديد بشأن ما إذا كان الرئيس البشير سيواجه تهمة إضافية بارتكاب الإبادة الجماعية في دارفور. وكان قضاة الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية، قد وجهوا في 4 مارس (آذار) 2009، 7 تهم بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية بحق الرئيس البشير، وأسقطوا تهمة الإبادة الجماعية، باعتبار أن الادعاء في المحكمة لم يقدم أدلة كافية. وقدم رئيس الادعاء في المحكمة لويس مورينو أوكامبو استئنافا ضد القرار في يوليو (تموز) الماضي، طالبا إضافة تهمة الإبادة بعد أن قدم أدلة جديدة، وهو ما دعا المحكمة أمس، إلى الموافقة على طلبه والنظر في القضية من جديد.
وسيكون على القضاة في الجلسة الإجرائية التي تسبق المحاكمة أن يقرروا هل سيضيفون تهمة الإبادة الجماعية إلى صحيفة الاتهام الموجهة للبشير. وفيما اعتبرت الخرطوم القرار الجديد، سياسيا، لتعطيل الانتخابات المقررة في أبريل (نيسان) المقبل، رحب متمردو دارفور به، واعتبروه نصرا للعدالة، فيما طالبت واشنطن البشير بتسليم نفسه.
وتلا إيركي كورولا القاضي بالمحكمة الجنائية الدولية حكم قضاة الاستئناف الذي جاء فيه «قرار الدائرة التمهيدية عدم إصدار أمر اعتقال فيما يتعلق بتهمة الإبادة الجماعية تأثر جوهريا بخطأ قانوني، ولهذا السبب قررت دائرة الاستئناف إبطال القرار». لكن كورولا أضاف: إن دائرة الاستئناف لن تنفذ طلب ممثل الادعاء بإصدار حكم بأن البشير مسؤول جنائيا عن جريمة الإبادة الجماعية، لأن السؤال المطروح كان على المحكمة هو يتعلق بالقانون الإجرائي وتحديدا بمعرفة ما إذا كانت الدائرة التمهيدية قد طبقت معيار الإثبات الصحيح حين نظرت. لكن مراقبين قانونيين قالوا: إن قرار مطالبة الدائرة التمهيدية بإعادة النظر في مسألة الإبادة الجماعية زاد من احتمال توجيه هذا الاتهام.
واعتبرت الحكومة السودانية قرار لاهاي يأتي ضمن «النشاطات السياسية الهدامة». وقالت وزارة الخارجية في بيان: إن موقفها ثابت وهو عدم الاعتراف بالمحكمة الجناية الدولية، وإن المحكمة لا ينعقد لها اختصاص على شأن سوداني، وأضافت: إن الحكومة «لن تلتفت في هذه المرحلة للنشاطات السياسية الهدامة التي تسعى إلى التأثير على جهود السلام الجارية حاليا بالدوحة والتشويش على العملية الانتخابية التي قطعت شوطا متقدما لتحقيق التحول الديمقراطي». وكررت الخرطوم أنها «ملتزمة بالعمل وفق إرادة وطنية مخلصة بالتكامل مع الجهود الدولية والإقليمية الصادقة من أجل الوصول إلى تسوية سلمية مستدامة تسهم في تحقيق الأمن والاستقرار في دارفور خاصة، والسودان عامة، إلى جانب الالتزام بتنفيذ اتفاق السلام الشامل بين الشمال والجنوب».
وتتهم الخرطوم مدعي المحكمة الجنائية بأنه تحول سياسي يعمل ضدها، وذكرت المصادر بموقف السودان الرافض بشكل قاطع التعامل مع الحكمة الجنائية الدولية وعدم الاعتراف بها وبقراراتها، باعتبار أن السودان غير موقع على المحكمة أصلا وليس عضوا فيها.
وقبل الحكم قال بونا ملوال مستشار الرئيس السوداني: إن توقيت إعلان المحكمة الجنائية قبل أقل من عشرة أسابيع من الموعد المقرر لخوض البشير الانتخابات الرئاسية يثبت أنها تنفذ جدول أعمال سياسيا ضد الرئيس. من جهته قال مسؤول سوداني: إن الدافع لإصدار الحكم في هذا التوقيت «سياسي»، ويهدف إلى تعطيل أول انتخابات ديمقراطية تجريها البلاد خلال 24 عاما ومن المقرر إجراؤها في أبريل (نيسان). وقال ربيع عبد العاطي المسؤول الرفيع في وزارة الإعلام لـ«رويترز»: إن هذا الإجراء من جانب المحكمة الجنائية الدولية هو فقط لوقف جهود الحكومة السودانية لإجراء الانتخابات والتداول السلمي للسلطة. وقال: «إن أمر الاعتقال الذي أصدرته المحكمة ضد البشير العام الماضي لم يؤثر على تحركاته أو ترشيحه لانتخابات الرئاسة، وإن الحكم الذي صدر اليوم (أمس) لا يختلف في شيء». وتابع عبد العاطي: إن الرئيس زار دولا كثيرة وهو الآن في قطر للمرة الثانية أو الثالثة. إن السودان لا يعبأ بما ستقوله المحكمة الجنائية الدولية سواء تضمن الإبادة الجماعية أم لا. وسجل الرئيس البشير أمس التحدي رقم 11 لقرار المحكمة الجنائية الدولية، الذي أمر بتوقيفه بتهم تتعلق بجرائم الحرب في إقليم دارفور، عبر التنقل خارجيا في زيارات رسمية، حيث زار العاصمة القطرية الدوحة أمس. ووصل البشير إلى الدوحة قادما من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بعد مشاركته هناك في جملة من القمم الأفريقية، من بينها قمة الاتحاد الأفريقي، وتعتبر زيارته العاصمة الإثيوبية التحدي العاشر لقرار المحكمة، وقبلها كان في موريتانيا. ورحب لويس مورينو أوكامبو كبير مدعي المحكمة بالقرار وحذر البشير قائلا: إنه يحتاج إلى «الاستعانة بمحام» مضيفا أنه سيقدم أدلة جديدة للمحكمة في محاولة ثانية لتوجيه تهمة الإبادة الجماعية للرئيس السوداني. وقال مورينو أوكامبو لـ«رويترز»: «طرد وكالات الإغاثة الإنسانية عنصر كبير لنواياه للإبادة الجماعية». وأضاف «حين طرد من يوفرون الماء والغذاء أكد نيته تدمير شعبه، لهذا أود عرض هذا الجانب الجديد من القضية». وكان أمر اعتقال البشير هو الأول الذي تصدره المحكمة الجنائية الدولية على الإطلاق ضد رئيس دولة لا يزال في الحكم. ودفع هذا البشير إلى طرد وكالات الإغاثة الإنسانية العام الماضي.
وفي واشنطن قال دبلوماسي أميركي أمس: إن الرئيس السوداني عمر حسن البشير ينبغي أن يمتثل للعدالة أمام المحكمة الجنائية الدولية فيما يتصل بالصراع في دارفور إذا لم تجر المحاكم الوطنية محاكمة. وقال الدبلوماسي جوني كارسون مساعد وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية للصحافيين، عندما سئل، هل ينبغي للبشير المثول أمام المحكمة في لاهاي: «نحن نعتقد أن الرئيس البشير ينبغي أن يسلم نفسه إلى المحكمة ليحاكم على التهم المنسوبة إليه». وأضاف «إذا كانت محكمتهم لن تفعل ذلك والمحكمة الدولية متاحة فليسلم نفسه إليها».