مصطلح الإسلام والسياسة أو الدين والسياسة يرددها العديد من الكتاب والمفكرين والباحثين في الشأن السياسي والفكري ، وأصبح مصطلح الإسلام السياسي على الصعيد العالمي والمحلي أكثر تداولاً بعدما وصلت المجتمعات الإسلامية إلي ما هم عليه اليوم بعجزهم وتخلفهم للحاق بالحضارة الإنسانية المعاصرة التي استطاعت بالعلم والمعرفة أن تصل إلي مفهوم حقوق الإنسان وقبول الآخر، والحقوق المتساوية بين المرأة والرجل ، وحق المواطنة التي عجزت عنها كثير من الجماعات السلفية والجماعات الإسلامية المتطرفة الاعتراف بها مثلاً : الاعتراف بالتعددية الدينية وحق المواطنة لغير المسلمين بالمشاركة في السلطة وغيرها من الحقوق والواجبات . إن تقديس الوقائع التاريخانية والأئمة ومناهجهم وأقوالهم وأفعالهم ورفض التجديد حال دون تقدم وتطور الجماعات الإسلامية لرفضهم لكل ما هو مستحدث في حالة عدم وجود نص ديني صريح لإثبات ما هو جديد ومبتكر ، وانتشرت ظاهرة الإرهاب بسبب التطرف المذهبي والعقائدي بين الجماعات الإسلامية فيما بينها أو الجماعات الإسلامية المتشددة تجاه غير المسلمين ووصل إلي حد قتل الذين لا يدينون بالإسلام بواسطة الأعمال التفجيرية هذه ما وصلت إليها الأيديولوجية الاسلاموية في القرن الحادي والعشرون بسبب الممارسات الخاطئة من قبل الجماعات المتشددة التي تتخذ الدين منهاجاُ سياسياً ودينياً دون التميز بين ما هو سياسي وما هو ديني وإيمانهم بأن الدين سياسة والسياسة دين وهو حديث لا معقول لأن الإسلام دين وأراده الله كذلك ومزج الدين بالسياسة هي نفس الأخطاء التي وقعت فيها الديانة المسيحية في القرن السابع عشر واستطاعت المسحية معالجة أزماتها بإبعاد السياسة عن الدين ومنع السياسيين من استغلال الدين في مصلحتهم الخاصة لتحقيق مآربهم وما زال الجماعات الاسلاموية السلطوية يرفعون تلك الشعارات البراقة للإجابة عن كل ما ليس له علاقة بالدين مستدلين بذلك بأن الإسلام هو الحل تراهم عاجزين عن إيجاد حلاً لمشكلاتنا المعاصرة والأزمات منها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ويعتقدون حلها تكمن بتطبيق الشريعة الإسلامية ، ومن أقوالهم ابتعاد الناس عن تطبيق الشريعة هي التي أوصلت البلاد والعباد إلي هذه المرحلة . إذن كيف تحل الظواهر الاجتماعية مثل الفقر والتشرد قائلين بأفواههم تحل بواسطة الاقتصاد الإسلامي حينما يتحقق دولة الخلافة الراشدة مضت آلاف القرون من البؤس والفقر والتخلف والجهل وهنالك من ينتظر لتحقيق تلك الأفكار الهلامية التي يصعب تطبيقها في هذا العصر الذي بلغت فيه البشرية أعلى قمة الإنسانية باحترامها لحقوق الإنسان والإيمان بمبادئ الديمقراطية وحق الحياة وهؤلاء الجماعات حاملي الأيديولوجية الإسلاموية متمسكين بأفكارهم التي تجاوزها الزمن والتاريخ كيف لإنسان عاقل أن يتصور حل مشكلاتنا بتطبيق الشريعة بتطبيق حدود الله بقطع يد السارق ورجم الزاني هل هذه هي حل لمشكلة البطالة والفقر والأمية والتشرد والأزمة الاقتصادية والحروب متجاوزين تماماً لدور العلم والمعرفة التي استطاعت عبرها البشرية تحقيق غاياتها في كافة المجلات. وبهذه الطريقة والمنهجية الخاطئة استطاعت الجماعات الإرهابية عكس الصورة الخاطئة عن الإسلام للمسلمين ولغير المسلمين لاستنادهم بالآيات القرآنية والأحاديث دون علم بمعرفة الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول والآيات المكية والمدنية متواصلين في نهجهم الخاطئ برفع الشعارات الدينية واستخدام الآيات ما هو إلا كسباً للتعاطف وتحقيق للمكاسب وتضليل الأمة ومن يسمعهم يصدقهم من أقوالهم ليس أفعالهم من خلال شعاراتهم الواهية كالإسلام دين ودولة ، إذا تساءلنا في هذه الدولة الدينية هل لغير المسلمين حقوق ؟ هل للمرأة حقوق متساوية مع الرجل ؟ حتماً في مخيلتهم لا وهنالك من يقولون نعم مهما يكن من الأمر فأنهم بحاجة للنظر إلي الحياة بنظرة اليوم ليست بنظرة القرون الوسطي من خلال المتغيرات التي طرأت على مجتمعاتنا بعد ظهور الثورة الفرنسية واستطاع الإنسان عبر ابتكاره للآلة لتحقيق ما لا يتصوره الجماعات الدينية الإسلاموية اليوم التي لم تستطيع حتى الآن الوصول للاكتشافات المادية والعلمية وتبرهن لذلك بأن ما وصل له الغرب من المنجزات العلمية والمادية والمعرفية مذكور منذ آلاف القرون في الدين الإسلامي وأنهم استنبطوا تلك الاكتشافات من القرآن وهو ما لا يتصوره العقل والمنطق لأن الخلط بين السياسة والدين هي التي أوصلت المجتمعات والجماعات الإسلامية الدينية المتطرفة إلي المأزق التاريخاني بسبب الجمود الفكري والقصور المعرفي والخِواء الفكري لفهم الإسلام بربط الدين مع السياسة وعدم فصله وفهمهم للنصوص الدينية والأحكام الشرعية فهماً خاطئاً أنهم بحاجة للتجديد والاعتماد على العقل لا النقل والابتعاد عن الأساطير والخرافة التي لا تخدم الب
شرية والإنسانية في شيء . إن الغاية من الدين ليس تطبيق الشريعة كما يتزعمه البعض ولكن تحقيق لما جاء به الرسل والأنبياء من قبل وما جاء به الدين الإسلامي من مكارم الأخلاق والتسامح وهو ما أتي به العناية الإلهية وتجسد ذلك في قول رسولنا الكريم الذي لا ينطق عن الهوى ” وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي ” (4) سورة النجم في قوله ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” هذا هو جوهر الإسلام الذي ابتعد عنها المتطرفين والمتشددين والإرهابيين وهي الحقيقة الغائبة عن الجماعات السلفية والجماعات المتطرفة اليوم بتركهم للقيم الأساسية التي جاءت بها الإسلام من الأصول والتمسك بالفروع وبما ليس أصل في الإسلام . إن المتطرفين والمتشددين يقرؤون القرآن على عجالة دون التدبر والتعقل والوقوف في الآيات التي تدعو إلي التسامح وحوار الأديان في قول الله عز وجل ” قل يا أهل الكتاب تعالوا إلي كلمة سواءٍ بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعض أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ” ( آل عمران 64 ) وفي قوله تعالى ” إن الذين آمنوا والذين هادو والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم آجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( سورة البقرة 62 ) . هذا هو جوهر الإسلام وحقيقته لو تعقلوه هؤلاء وتدبروه لما وصلوا وما وصلوه اليوم من التطرف الديني والإرهاب الفكري وتشويه لصورة الإسلام ومعانيه وللمسلمين . وعليه للخروج من هذا المأزق التاريخاني الرجوع لآيات الأصول وفهم النص فهماً حقيقياً ومعاودة التجديد والاجتهاد والاعتماد على العقل لا النقل وفهم الآيات المكية والمدنية وأسباب نزولها ومعرفة الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه حتى نتحاشى الأخطاء التي وقعت فيها الأمة من قبل بعكس الصور الحقيقية للإسلام وجوهره . نواصل …
[email protected]