الإسلام والدين والإيديولوجيا
قراءة في رقصة البشير
بقلم : د. أسماء بن قادة
الرقص، لغة الجسد التي يعبر من خلالها عما يتفاعل داخل الذات من مشاعر الفرح والخوف والسعادة والحزن والألم والارتياح والابتهاج، فمن خلال الإيماءات والإشارات والتمظهرات التي تتجلى من خلالها منظومة متناسقة ومتناغمة من الإيقاعات الحركية، يعبر الجسد عن عناصر الحمولة العاطفية والثقافية والدينية والسياسية التي تتفاعل داخل الكيان الانساني المركب وتعبر عن أحوال الذات الانسانية، فمن أمير الباليه الروسي تشايكوفسكي مع ” بحيرة البجع” و” كسارة الجوز” و” الحسناء النائمة ” وإيقاعاتها الفاتنة والرقيقة والرشيقة، إلى جلال الدين الرومي وطريقته المولوية التي أسس وفقا لمراتب مقاماتها الصوفية رقصة “الدراويش” وما يصاحبها من آيات وابتهالات من الذكر الحكيم، إلى رقصة العرضة الخليجية المعبرة من خلال رمزية السيوف وإيقاع الطبول والأشعار الحماسية عن الفن الحربي وقيم القبيلة في الدفاع بشموخ عن شرف القبيلة وعزتها ومكانتها بين القبائل…الخ… أما عندما يرقص الرئيس السوداني البشير، فالأمر يختلف تماما، إذ عليك أن تتهيأ وتتوقع وتتساءل وتتطلع إلى ما ستنتهي إليه الرقصة البشيرية من قرارات خطيرة، فرقصة البشير دائما رقصة حبلى يعقبها مخاض خطير، والتنبؤ بنوع الجنين فيها صعب، ولكن لك أن تتوقع شيئا واحدا فقط يكمن في أن الجنين إما يولد مريضا أو ينتهي بمفارقة الحياة! ….
أما تعبيرات الجسد في هذه الرقصة فإنها تجر حمولة يتأرجح الإسلام على إيقاعها دوما بين معاني الدين والإيديولوجيا، وإذا لوح البشير بعصاه عليك أن تتنبأ بأن الأمر سيسفر عن مجموعة من القرارات التي تتضمن الكثير من التبريرات الايديولوجية منذ انقلاب 1989 إلى اليوم.
فعندما أعلن اوكامبو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية عن قرار استصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني، انطلق البشير يجوب الولايات والمقاطعات السودانية شمالا وجنوبا شرقا وغربا ليعبر من خلال تلك الرقصات الفولكلورية المحلية عن موقفه الرافض وسياسته المستقبلية في التعامل مع ذلك القرار، وأولها طرد بعض المنظمات غير الحكومية الناشطة في دارفور تعبيرا عن التحدي في مواجهة ذلك القرار.
وبعيدا عن تحليل قرار المحكمة كنتاج لتفاعلات سياسات القوى الدولية تجاه السودان فضلا عن التجاوزات الداخلية، فإن رقصة هذا الأسبوع قد أسفرت عن الإعلان عن تطبيق الشريعة الإسلامية في الشمال إذا ما انتهت نتيجة الاستفتاء إلى فصل الجنوب عن الشمال، وكأني بالبشير يريد أن يغطي فشل الاحتفاظ بالجنوب عن طريق إعلان تطبيق الشريعة الإسلامية في الشمال، الأمر الذي يفرض طرح تساؤل جوهري في هذا السياق يدور حول مدى استمرارنا في توظيف الدين كإيديولوجيا من أجل علاج إحباطاتنا وآثارها السيكولوجية الناتجة عن فشلنا في إدارة أزماتنا السياسية وإلى متى سنظل نتسامح مع هذه الأدلجة المستمرة للدين، وهذا الرجوع الاستظهاري المؤدلج أيضا للنصوص من حيث توظيفها حسب الطلب كلما شعرنا بالقصور والعجز والضعف في مواجهة الواقع المعقد وما يفرزه من إشكاليات مركبة!
إن عملية أدلجة الديني لم تبدأ منذ اليوم في السودان، لقد بدأت من أول يوم انطلقت فيه ثورة الإنقاذ، عندما جرى التمويه على كل القوى الوطنية والطبقة السياسية، على إثر تحالف الدكتور حسن الترابي مع الفريق عمر حسن البشير، وإلقاء البشير للترابي في السجن مداراة لأيام معدودات، ثم تهريبه إلى أوروبا أياما أخر، ليعود به إلى السودان وفق الاتفاق والتحالف الخفي مرة أخرى حيث يستحوذ الحليف على التخطيط ورسم السياسات الأساسية وتحديد الاستراتيجيات ومشاريع القوانين بعيدا عن البشير الذي لم يعد له من دور وفقا لتصوره عن نوايا الترابي غير استقبال الضيوف وتوديعهم، الأمر الذي أوحى للبشير وفريقه أن الترابي لايريد أن يكون للرئيس في ذلك النظام الانقاذي أي صلاحيات تنفيذية ، لتنتهي الأمور مع قانون التوالي الذي اقترحه الترابي إلى قرار من البشير يقضي بإزاحته من الطريق، قبل أن يصل الأخير إلى استكمال قواعد اللعبة حفاظا على صلاحياته المهددة، وقد حق أن يقال للترابي حينها، (لقد أكلت يوم أكل الثور الأبيض) أي في اليوم الذي همشت فيه باقي القوى والأحزاب السياسية وكافة مكونات الشعب السوداني، فأنت تحصد اليوم نتاج تنظيراتك المختلفة للنظام السياسي الانقاذي الذي كان ينبغي أن يقوم على أساس توافقي، وإني أذكر في ذلك الوقت أني سألت احدى القيادات الإسلامية الفكرية التي توسطت فيما بعد لدى البشير في خلافه مع الترابي عن مدى شرعية تركيب نظام سياسي على إثر انقلاب لا يحمل أي صيغة توافقية؟ فجاءني الرد: إنه انقلاب أبيض وإن الحرب خدعة، فقلت الحرب خدعة مع العدو الخارجي وليس مع القوى الوطنية الداخلية التي يعتبر توافقها على ميثاق يقوم على مبادئ وأسس دستورية أمرا ضروريا لتحقيق الأمن والاستقرار للدولة والوطن، وبقيت أتابع الأحداث والتطورات إلى غاية اليوم حيث أصبح السودان من أعمق الجراح التي تنزف في جسد الأمة.
” الحرب خدعة” إذن، إنها الايديولوجيا عندما تحاصر الدين بتبريرات ومغالطات خارجة عن نطاقه وبعيدة عن جوهر رسالته، لقد بدأت تلك الايديولوجيا وتبريراتها بالاستبداد تجاه باقي الأحزاب والمكونات، وقد يقول قائل إنها السياسة التي تعرف بكونها فن الممكن، وليس ما ينبغي أن يكون، والجواب في هذه الحالة يكمن بضرورة الابتعاد بالدين عن هذا السلوك الذي يدخل في إطار الحيل والأدلجات والمغالطات وألعاب ما هو ممكن، والأفضل الاحتفاظ بالدين والرسالة في دائرة المثالية التي غالبا ما تفضل أن تبقى في ظل وإطار المحاولات المستمرة للاقتراب مما ينبغي أن يكون.
وفي سياق متابعة هذه التطورات تساءلت بيني وبين نفسي هل المشكلة تكمن في الخريطة الإدراكية وقدرتها على تفكيك الواقع المعقد واستيعاب معطياته وإشكالياته قبل الخريطة الجغرافية بألوانها وطوائفها وأديانها وأعراقها، وقد صادف ذلك قراءتي لدراسة نشرت في عدد ديسمبر الجاري من أهم دورية علمية فرنسية (العلوم والمستقبل) Sciences et Avenir تحت عنوان(الذكاء: كيف تجعلنا انفعالاتنا أكثر ذكاء) يحاول من خلاله مجموعة من علماء الأعصاب التأكيد على أن الفرح والخوف والمفاجأة تنشط التفكير وتسرع عوامل الربط والتجريد وهي تجعلنا بذلك أكثر ذكاء في مواجهة التعقيد، ولكني توقفت في منتصف المقال متسائلة على من تنطبق هذه المقولة ولمن يكتب هؤلاء العلماء، وهل يمكن إسقاطها على كافة الأمم والمجتمعات والأفراد، وجاء الجواب يقينا بالنفي ولاسيما على مستوى الأمم، فأمتنا ومنذ سقوط الخلافة بل قبلها، مبتلاة بمجموعة لا حد لها من الاحباطات والأزمات التي ولدت أشكالا من الانفعالات لدى القادة والشعوب، ولكن لم يؤد ذلك إلى ارتفاع مستوى الذكاء بما يسمح باستنهاض حقيقي للأمة، ذلك أن المفاجأة والخوف والفرح، يتبعه التأمل والتفكير وفقا لمنهج معين وتحليل محدد يكون على مستوى من التجرد والعقلانية والقدرة على التفكيك وإعادة التركيب وفقا لقاعدة من البيانات والمعلومات ورصيد لا حد له من تراكم المعارف وتوالدها وتنوعها، إنها عناصر إذا ما غابت، فإن انفعالاتنا لا يمكن أن تتجاوز حدود الرقص لتقف وراء مظلة الإسلام تحاول من خلالها تبرير الفشل بكل ما تحمله عملية التبرير المعياري للقرارات السياسية من خطورة!
فإلى متى نظل نستخدم الإسلام كإيديولوجيا لتبرير الفشل تارة وللاستبداد تارة أخرى ولقتل الأبرياء ولهضم حقوق المرأة…الخ…. مرات ومرات أخرى!
الشيخ شريف شيخ أحمد (25 يوليو 1964) الرئيس السابع للصومال، ورئيس اتحاد المحاكم الإسلامية، يمثل فيما يجري في الصومال نموذجا آخر للعجز عن ضبط العلاقة بين الدين والسياسية.
ومثال إضافي على ذلك التداخل والخلط بين الإيديولوجيا والدين ولكن من زاوية مختلفة، فالشيخ أحمد اختير لرئاسة المحاكم الشرعية الخمس في الصومال عام 2004 وبدأ يظهر كأحد الحلفاء المقربين من الشيخ حسن ظاهر عويس، ومع هزيمة المحاكم الإسلامية في معركة جيليب وسقوط كيسمايو تمكن من الفرار، ثم مر بعد ذلك عبر تنقلاته المختلفة بمجموعة من التحولات الفكرية التي قلبت مواقفه الدينية أو بالأحرى الإيديولوجية، انتهت على إثر الكثير من التنسيق والمفاوضات والترتيبات بانتخابه رئيسا للصومال في جيبوتي من خلال تصويت 550 نائبا اجتمعوا هناك لانتخاب رئيس جديد خلفا للمستقيل عبد الله يوسف أحمد، ومن ثم أتمت أثيوبيا انسحابها من الصومال بموجب اتفاق مع فصيل الشيخ شريف أشرفت عليه الأمم المتحدة، ولكن السؤال الذي لا مفر من طرحه يدور حول ما تكلفه الصومال من ضحايا وخسائر خلال ذلك المدى الزمني الذي استغرقه الشيخ شريف أحمد وغيره ليصبح أكثر قدرة على استيعاب مركبات الواقع المعقد وأقصد الواقع المحلي والاقليمي والدولي والتوازنات والأبعاد الجيوسياسية والمصالح المختلفة، وكم من صوماليين دفعوا حياتهم ثمنا لكي يتمكن الشيخ شريف وأمثاله من فك الاسلام السياسي والايديولوجي عن الدين، إن الزمن الذي استغرقه شيخ أحمد وغيره من المتحاربين، كلف سقوط أكثر من 17 ألف مدني، كما بات ثلث سكان الصومال يعتمدون على المساعدات الغذائية، ومثلهم مشردين ومهجرين بدون مأوى ولا غذاء ولا أدنى شروط الحياة الكريمة!
والجماعات المسلحة نتاج آخر لتلك التداخلات بين الدين والسياسة ومغالطات التباس الدين بالايديولوجيا وارتباط بعده الرسالي بآليات الصراع ، وإلا ماذا يستفيد هذا الفاعل الجديد في النظام الدولي عندما تقطع يد موظف مستقبل للبريد في احدى السفارات الأجنبية إذا تبينت العلاقة مع تلك الجماعات، وماذا تستفيد تلك الجماعات عندما يقتل رجال ونساء أبرياء في أوروبا أو أمريكا أو أفغانستان أو باكستان أو النيجر ومالي، لاعلاقة لهم بالأكاذيب التي بررت غزو العراق، أو بالقوى التي أسقطت نظام طالبان، أو بما يجري في فلسطين أو غيرها، إنه الإسلام السياسي والجهادي وغير ذلك من التسميات التي لازالت تحاول تجريد الإسلام من ابعاده الرسالية والسلمية والحضارية بسبب ذلك التداخل المغلوط والتعسفي والتبسيطي بين الإسلام والسياسة.
والجماعات الإسلامية ومراجعاتها المتتالية في مصر وليبيا وغيرها، نماذج هزلية أخرى لما مرت وتمر به الأمة من مآس، وما يمكن أن يؤدي إليه الجهل المقدس من انزلاقات تؤثر على الأمة ودينها ووجهها الحضاري والانساني، فعندما نقدس المغالطات من خلال التعلق بالأشخاص أو ما يسمى بالقيادات التاريخية لهذه الجماعات ونحصر أنفسنا في افهامها، ثم نحتاج إلى زمن ليس بالقصير لكي نصل بها إلى الرشد من خلال رحلة طويلة من المراجعات، يكون الواقع خلالها قد أفرز ظاهرة أخرى من نفس النوع وإن اختلفت في الشكل لكي تبدأ رحلة جديدة من التطورات، الأمر الذي يؤكد على أنه لم تتحدد لدينا بعد الإشكالية الحقيقية المعقدة التي تقف وراء انتاج هذه الظواهر.
وأخيرا، نصل إلى الأحزاب والجماعات السياسية التي لم تمل بعد من استخدام شعار ” الإسلام هو الحل ” ذلك الشعار المفارق لمفهوم الحزب السياسي والمجتمع المدني، وبدون تفصيلات يعرفها جيدا طلاب السنة الأولى من العلوم السياسية حول تعريف الحزب السياسي ومكوناته وأهدافه …الخ… وهي في خلفية كل رجال السياسة والمثقفين، أنتقل إلى التساؤل حول مدى شرعية تقدم حزب أو جماعة لعشرات الملايين ممن أثقلتهم الحياة بمختلف متطلباتها من تعليم وغذاء وصحة …الخ…لتربت على أك########م وتقول لهم (الإسلام هو الحل)! في حين أن المطلوب من الأحزاب هو عرض برامجها الاقتصادية والتنموية التي تطرح فيها آخر نتائج ما توصلت إليه دراساتها الأكاديمية الميدانية، التي ترد من خلالها على أسئلة الشعب المرتبطة بقوته اليومي وتعليمه وصحة أبنائه، فأين تلك الدراسات حول موضوع البطالة والأمية وكيفية القضاء عليها أو تخفيض نسبها التي لاتزال تعتبر الأعلى في العالم، أين نتائج الدراسات التي من المفترض أن تكون قد قامت بها مراكز بحثية تابعة لتلك الأحزاب والجماعات حول مشاريعها التنموية الخاصة بالبنية التحتية ووسائل النقل وتحسين المعيشة واستقطاب الاستثمارات وتفعيل النشاط الاقتصادي، وتحسين الانتاج وتشغيل الشباب وتعزيز الوحدة من خلال تكريس التنوع والتوافق وقيم السلام والأخوة في المجتمع الواحد، ما علاقة ” الاسلام هو الحل” بكل هذه القضايا، أين مشاريع المحافظة على البيئة وتحقيق التنمية المستدامة، أم أن كل المطلوب هو النزول بالناس إلى الشارع وتسليمهم لافتات يحملونها كتب عليها شعار الإسلام هو الحل، كيف يكون الإسلام حلا للمشاكل الاقتصادية والتنموية والتقنية والبيئية للدولة، هل يقدم الإسلام حلا سحريا لمشاكل الفقر ووسائل النقل و….. هل الاسلام هو صندوق العجائب أم مصباح علاء الدين، أم أننا نسير على إيقاع خرافات رواياتنا من ألف ليلة وليلة فاقتربنا من حيث التفكير من بساط الريح في حكايات سندباد البحري ومصباح صلاح الدين، بل علاء الدين ومن هو العفريت الذي سيخرج من القمقم هذه المرة أردوغان …أم … أحد الأشخاص من الذين سندعى إلى التعلق به مرة أخرى بدلا من الأفكار والمشاريع، ومن هو الكاريزما الجديدة التي ننتظر قدومها من كاريزمات القلب التي ولى عهدها وانتهى.
إن المثل يقول، إذا أردت أن تتحقق الأحلام لابد أن تستيقظ أولا، وعندما نستيقظ سندرك بأننا في عهد التكنوقراط وكاريزما العقل، وأن ثقافة البطل والعصا السحرية لم يعد لها مكان ولايمكن أن يكون لها مكان في غير عصور الانحطاط والتخلف، وعلى أمتنا أن تعتبر مما يحدث معها على مستوى الواقع، فقبل أشهر قليلة فقط نادي العرب أردوغان بالبطل المنقذ، واعتبروا بأن هذه الشخصية الفذة من شأنها أن تتقدم بالقضية الفلسطينية خطوات عملاقة، لكن سرعان ما اصطدمت هذه الأحلام بالواقع وتعقيداته، الأمر الذي ينبغي أن يعلم الأمة بأن التغيير لايمكن أن يأتي من خلال الأشخاص الأبطال، ولكن التغيير ينطلق من نظام التفكير ومن ثقافة استيعاب جديدة هي أبعد ما تكون عن ثقافة البطل أو الشعارات التي لازالت تطغى على عقولنا، فنحن لازلنا نعيش في ظل توهمات كثيرة تسيطر على عقولنا، وإلا لماذا لايجيب من يقف وراء تلك الشعارات عن كيف سيحل الإسلام مثلا مشكلة كون 98% من الصادرات العربية من البيتروكيميائيات، وهل سيستنبت الإسلام مثلا تكنولوجيا النانو في العالم العربي، وكيف سيعمل شعار الإسلام هو الحل عمليا على تضييق الفجوة المعرفية التي باتت تقدر بيننا وبين الغرب، بعقود من السنين إذا لم تكن بالمئات.
وبدلا من هذا الشعار، لماذا لا يعرض خبراء تلك الأحزاب والجماعات في الاقتصاد وتكنولوجيا القمة والتنمية المستدامة والعلاقات الدولية…الخ… نتائج دراساتهم العلمية ورؤيتهم المستقبلية إن وجدت ومن ثم يكشفون عن الحلول العلمية التي يرونها مناسبة لمشاكل مواطنيهم بدلا من طرح هذا الشعار الإيديولوجي، الذي بات ينتعش ويزدهر في المناسبات والاستحقاقات الانتخابية، دليل على التوظيف الايديولوجي للدين، فالذي يريد أن يدعو إلى المنظومة القيمية الإسلامية وللاهتداء بتعاليم رسالة الإسلام، فيدعو لها من منابر دعوية أخرى لها مؤسساتها غير الأحزاب السياسية المعنية بتقديم برامج تنموية تتناول تحسين الحياة اليومية للمواطن، بعيدا عن الاستغفال والاستغباء والعمى المعرفي الذي بتنا نسوق به الأمة وكأنها قطيع، يسير وراءنا، فذلك الشعار وقبل أن تعترض عليه الطوائف غير المسلمة من إخواننا المسيحيين وغيرهم لا محل له من الاستحقاقات الانتخابية، باعتباره لايزيد عن محاولة أدلجة للدين لم يعد عقل المسلم يتحملها، كما أن قضايا الأمة ليست كلها قضايا فقهية أو شرعية يتمثل حلها في استجلاء الحلال من الحرام، حتى تصبح الدولة وكأنها دائرة فتوى، لابد أن تتوقف آليات الصراع عن توجيه نشاطاتنا ومشاريعنا ولابد من الانطلاق باتجاه البناء الحضاري بعيدا عن هذه العقد التي كبلتنا وأبعدتنا عن جوهر رسالتنا وجعلتنا نقف عند حدود الرقص والشعار.