استطال الشتاء .. فليتركوا للصادقين الصلاة /ابراهيم سليمان
صوت من الهامش
ما تختزنها الذاكرة الشعبية “الهامشية” أنّ حاج محمد مولع بالصلاة، صابر ومداوم عليها، ينظر بعين السخرية والحسد التعبدي للمصلين الموسميين، الذين يزاحمونه في زمن اليسر، والصلوات الصيفية، ويختفون في اوقات الشدة، لذلك لا يكترث بالمجاهرة قائلاً “فيأتي الشتاء ويتركوا لحاج محمد الصلاة”.
والثورة المفروضة، كالصلاة المكتوبة، لا يصبر ولا يقوى عليها، إلاّ أولي العزم الثوري، الذين آمنوا بها، يؤدون فروضها القاسية، ابتغاء مرضاة شعوبهم، وإرضاءً لضمائرهم اليقظة، يشرئبون إلى حسن الختام، أما المنافقون، فيتساقطون جماعات وافرادا، ينشطون في الصلوات صيفا، ويتخاذلون شتاءً، إلى أن يتركوها جملةً واحدة، متى ما تيقنوا أنّ يوم الجزاء ليس بقريب، وأن الصلاة في الصقيع القارص، والممتد بلا افق، قد تهلك طموحاتهم المتعجلة، سيما وأنّ تقلبات الطقس الكوني، لا يبشر بخيرٍ مرتقب.
لا شك أنّ حاج محمد، “يَكْشِم” هذه الأيام، ويبتسم وهو يرى المحراب يخلو له رويدا رويدا من المرائيين، الذين يفسدون عليه تركيزه، ويشوشون له قراءة اوراده المرّكزة، ويسرقون منه الأضواء بثرثرتهم غير المفيدة لأجهزة الميديا التي تحب الثرثارين.
شيئاً فشيئا، يقنع حاج محمد نفسه والآخرين خارج المحراب كذلك، أنّ نظريته صحيحة، وأنّ التعامل لا ينبغي أن يكون إلاّ مع الصادقين الأخيار، وأنّ الجلوس للحوار غير مجدي مع المنافقين، الذين إذا عاهدوا غدروا، وإن اؤتمنوا خانوا، والذين يظهرون خلاف ما يبطنون، وأنّ الذين يلتفتون، أو يسهون في صلواتهم، ليسوا بحوارين واتباعاً يعتد برفقتهم، بل يعتبرون عبئاً ثورياً، يلوون ألسنتهم بالحق، إلاّ أنهم يحَّرفون الكَلِم عن بعض مواضعه.
حاج محمد مدرك يقينا، أنّ استحقاقات الصلاة في زمهرير الشتاء الطويل، يضعف القوى الجسدية، لكنها تقوى الروح، وتكسبها الصلابة والنقاء، وأنّ الزهد في المكاسب الآنية، يقّرب للزعامة المطلقة زلفى، ولا يضيره إن هُدّ معبده في جبل الطور فوق رأسه، ليُقبر مع اسلافه الذكور بشرف.
من محياه يبدو حاج محمد متهلل الأساور، وليس مستبعداً أنه يرّتب لحفلة صاخية الأوراد، لوداع آخر فوج من المغادرين للمحراب الثوري، متمنياً لهم الهدوء والسكنية فيما تبقى لهم من حياتهم التعبدية، حينها قد يجهر هو في اوراده، ويتخيّر في حواريه، ويوّسع محرابه.
لكننا لا ندرِ إن كان حسد حاج محمد التعبدي، ضار بعقيدته أم مفيد لها؟
ننتظر ونرى.
للإطلاع على المقالات السابقة:
http://suitminelhamish.blogspot.co.uk