احزان علي الحبال
حسن اسحق
جاء مندفعا تجاه المبني المشيد من القش وعصا شجر التبلدي ، دخل
الي (القطية) يكسو وجهه الرعب والهلع ، باحثا عن شئ يأويه من اصوات
الطائرات ،و الجمال والعربات ذات الدفع الرباعي تحرسها دورية شرطة ،انه
الطفل ادم الصغير ،لم يبلغ الثامنة من عمره بعد .كل ما تعلمه في سنين
عمره الحزينة كيف يختفي ويتواري من ملثمي الحيوانات القتلة ،يقول لصديق
طفولته اسحق ،ان جدتي تحكي لنا ،ان لحم الابل المشوي علي النار حلو ،وطعم
لبنه لذيذ ،وما لم اتخيله في ذاكرتي ،ان تكون حاملة للرصاص الذي يحرق
البطن والرأس والجمجمة والصدر بكل باريحية ،كأن ما ترويه (حبوبة) كان
خيالا نسجته من سنوات عمرها المؤلمة من الفرار ،وموت حفيدتها كلتومة
وابنتها مريومة ماتت مقتولة برصاص الدوشكا ،كانت العربة تحمل المرضي الي
المشفي ،والموتي الي المقابر،والبنات والاولاد للجلوس في الامتحانات،وهي
الان تعشق تخزين الذخيرة الحارقة القاتلة .كانت (القطية) المكان الآمن
الذي يقابل فيه اصدقاء الطفولة ،كل هذا كانت تنحته مخيلته ،لان القطية
مجرد حلم عابر ،حلت محلها مخيمات بلاستيكية ساخنة ،لا زال يحن الي بنايات
العشب والدجاج واصوات الكلاب والاغنام والخراف ،كلها اسراب طيور فاقدة
لدليل الاستقرار الموطني . رأي حبل يمتد علي المبني البلاستيكي ، ذكره
بملابسه المبتلة وثقوبها تدخلها اشعة الصيف ،وبطانية بها ثقوب كبيرة
تجاور الحبل الطويل ،مربوط علي مطبخ الخشب تفوح من العصيدة ووجبة السمك
و(الكول) ،يقف منتظرا اخواته الصغيرات ،وو الوالد الذي خرج قبل استيغاظ
الشمس ذاهبا الي المزرعة التي تجود له بالغذاء،والاخشاب النارية
المستخدمة في طهي الوجبات . طال مكوثه ،والدته تنادي بصوت يشوبه القلق،يا
ولد ،(شوف) ابوك في الشارع ،تحرقها النار ،وقلبها يضرب بقوة ،كأن شيئا
حدث لزوجها ، شخصا ما ينادي بصوت عالي ،يا اهل البيت ،اين انتم ،خرجت
الام متسرعة ،وملبسها تحاصره الذباب وبقايا الطبخ، قالها قبل ان تفتح
فمها ،ان ابكر ليس موجودا في المزرعة،وكل ادواته موجودة هناك ،ولا اري
اثرا له في( الخلا) . انها كوابيس المطبخ ،تنخر في اجساد الاحياء ،ماذا
ستقول لابناءها وبناتها ،ان والدهم غادر عالم البيوت البلاستيكية .
وجدوه جثة متعفنة علي العشب ،تأكلها الديدان ،وتنحشها الحيوانات ،فمه
مفتوح ،كأنه كان يطلب الاستغاثة ،والرصاص علي صدره فتح ذر القميص واستقر
بسلام، القلب يسيل علي الارض عرقا ممزوجا بالتراب ،وتجف د ماءه في
المساء.